“كاهنات آمون”.. المرأة حين تمتلك السلطة والتأثير

لم يقتصر أمر الكهانة على الرجال فحسب، بل كانت للمرأة في تلك الأحيان دوراً كبيراً ومؤثراً في تغيير مجرى الأمور السياسية. فقد ظهر لقباً نسائياً غاية في الأهمية يرتبط بآمون وهو “الزوجة الإلهية لآمون” وهو لقب ديني ذا طابع سياسي ظهر منذ الدولة الحديثة مع سطوع نجم آمون وسيطرته الدينية والسياسية.

ويدل ظهور هذا اللقب على تصعيد أميرات القصر ليكون لهن دور سياسي وديني. ويعد لقب زوجة آمون الإلهية موازياً  في المنصب والمزايا والسلطة لمنصب لكاهن الأكبر، حيث ظهر كلقب تحمله ابنة رئيس كهنة آمون في عهد حتشبسوت واستمر كمنصب هام مع عنفوان طيبة كعاصمة للامبراطورية.

كانت زوجة آمون هي في حقيقة الأمر “الأميرة الوريثة” حيث كانت لها أهمية في خلافة الملك أبيها، وكان لزاما على الأمير أو ابن الملك من زوجاته الثانويات ليخلف أبيه على العرش الزواج من “زوجة الإله آمون”، وبهذا اصبح زواج الأخوة في العائلة الملكية المصرية من العادات المتوارثة، كما أنه إذا لم يكن هناك أحد من أبناء الملك، فكان من الممكن أن تتزوج “زوجة آمون أحد أقربائها من العائلة الملكية لتصعد به إلى عرش مصر.

وهناك لقب نسوي آخر بعد الزوجة الإلهية لآمون هو المتعبدة الإلهية لآمون، وقد تكون هذا المنصب لتكون حاملته هي رئيسة كاهنات المعبود آمون. خلال الألفية الأولى قبل الميلاد كانت صاحبة هذا المنصب تمارس أكبر قدر من التأثير والسلطة.

كما تحكمت المتعبدة الإلهية لآمون في مهمات وواجبات المعبد المختلفة بالإضافة إلى أنها سيطرت على جزء كبير من الاقتصاد المصري القديم، حتى بات موقعها يؤهلها لتسهيل نقل السلطة من ملك لآخر عندما تكون ابنة الملك في هذا المنصب الحساس.

ونظراً لقوة وهيبة المنصب، استخدمت حفلات تبني المتعبدة الحالية للمتعبدة المستقبلية كوسيلة لإظهار قوة ونفوذ الملك على مصر العليا. وكانت قوة المتعبدة الإلهية لآمون تقتصر على المنطقة المحيطة بطيبة في صعيد مصر، والتي كانت مركزا لعبادة أمون. وفي نهاية عصر الانتقال الثالث وبداية العصر المتأخر، (القرن العاشر إلى القرن السادس ق.م) أي خلال الأسرات الخامسة و العشرين و السادسة والعشرين،

كان المنصب في أقوى نفوذه سياسياً واقتصادياً، وهو ما جعل الملوك يعملون على رعاية هذا اللقب ومنحه لابنة الملك لما فيه من قوة سياسة واقتصادية على السواء وإضافة شرعية ونفوذ على حكمهم. كما تغير دور رؤساء كهنة آمون من الأمور الروحانية فقط إلى دور أكثر دنيوية، وأصبحت المتعبدة الإلهية المحور الرئيسي لعبادة آمون في طيبة.

عندما بسط ملوك نباتة من كوش، الذي حكموا خلال عهد الأسرة الخامسة والعشرين نفوذهم على صعيد مصر، تم إقناع زوجه الإله آمون، شبن أوبت الأولى، أن تتبنى أمون إيرديس ابنة الملك كاشتا وريثة لها. وخلال عهد الأسرة السادسة والعشرين، نجح الملك بسماتيك الأول في توحيد مصر بعد فترة من الغزو الآشوري الذي مزق أوصالها وجلس على عرشها كملك مصري أصيل، حينها أرغم الزوجة الإلهية لآمون الموجودة في المنصب في ذلك الوقت، شبن أوبت الثانية  ابنة الملك  النوبي بعنخي على تبني ابنته خلفا لها كمختارة لهذا المنصب في محاولة لإنهاء الوجود الكوشي على الساحة السياسية المصرية تماماً.

ولم تقف ثروات كهنة وكاهنات آمون وسطوتهم السياسية عند حدود مصر فحسب، لكنها امتدت خارجها خاصة بمروى ونباتا ببلاد النوبة حيث اتسع فيها نفوذ آمون وأصبح ذهبها وقفاً لإسمه. وكان يستخدم تقليد تبني المتعبدات الإلهيات لآمون من قبل ملوك نباتة السودانيين لتسليط الضوء على قوتهم عندما مدو نفوذهم شمالاً في مصر.

فيذكر لنا ديودور الصقلي في القرن الأول قبل الميلاد مدى اتساع نفوذ كهنة آمون في مروى وتعاظم سلطتهم السياسية حتى أنهم كانوا يتخلصون من ملوكهم بدعوى “وحي آمون” الذي أمرههم بذلك، فيجهزون عليهم ويبدلونهم على العرش دون اعتراض اعتماداً على تأثيرهم الروحي على الخاصة والعامة، حتى جاء الملك أرجمينيس أو يطلق عليه أركماني والذي عاصر الملك بطليموس الثاني في مصر والذي تعلم فلسفة الاغريق مما مكنه التجرؤ على تلك السطوة وانقلب على هؤلاء الكهنة.

وتمكن بقيادة جيشه من ذبحهم و القضاء عليهم. وبعد أن تخلص من سلطة الخرافة المستندة على الدين، وتحرر من قيد الجهل والظلام، بدأ عصر التنوير في فترة حكمه، فقد أسس لحقبة جديدة من مملكة كوش في بلاد النوبة والتي عرفت بحضارة مروي، حيث كان أول من شيد هرم في مدينة مروي  بالنوبة، حسبما ذكر الدكتور شريف شعبان في كتابه ” الدين والحكم .. مواقف فاصلة”ـ والصادر عن دار نهضة مصر للنشر والتوزيع.