” في مقالة نادرة له”.. الشيخ محمد رفعت: لم أسهر في شهر رمضان منذ 20 عامًا

في مقال نادر له نشره الشيخ القارئ محمد رفعت في إحدى المجلات يحكى فيه عن أجواء رمضان والسهرات التي توجد على مدار الشهر الكريم، فجاء نص المقال كالتالي:
ابتدأ الأستاذ الشيخ محمد رفعت حديثه قائلا: الواقع أني منذ حوالي 20 سنة لم أسهر رمضان عند كائن من كان، ذلك لأن أغلب سهراتي قبل ذلك العهد كانت في الريف، وكانت تكلفني ما لا أطيق، من متابعة القراءة، حتى مع التعب الشديد، كلما حضر أحد العمد أو أحد مشايخ البلاد، وهم يحضرون باستمرار، من مضايقات السفر ومتاعبه.
وأضطر إلى تغيير نظام حياتى الخاصة، فقررت رحمة بصحته أن أنقذ نفسي من هذه السهرات المضنية التي تتتابع طول شهر رمضان، وأذكر لمناسبه ذكر السفر أن دعاني منذ أربع سنوات نظام حيدر آباد إلى الهند لمناسبة عيد الخمسين لأقرأ القرآن في ليلة الاحتفال.
وقد تلطف من كرمه حفظه الله فاقترح أن أسافر بالطائرة وبرفقتي بعض الأطباء، ومع كل هذا حرمت شرف قبول الدعوة، لأني لم أستطع التغلب على ما أشعر به نحو السفر كائنا ما كان من بغض شديد وهنا سألت فضيلته.
هل كنت تصادف في سهرات رمضان بالقاهرة ما تصادفه بالريف؟
فقال: إن السهر في القاهرة أهون منه في الريف من غير شك، ومن أحب السهرات إلى التي قضيتها بالقاهرة في رمضان سهراتي في سراي فاضل باشا فقد كانت السراى تعج كل ليلة بالمستمعين من سائر الطبقات وكان المرحوم عثمان مرتضى باشا يواظب كل ليلة على الحضور، ومعه فريق كبير من العلماء والطلاب والأعيان فأجد منه حسن الاستماع، فإذا أدركني التعب وجدت ارتياحا كبيرا في مشاركتهم سمرهم العلمى اللذيذ
سهرت مرة عند أحد كبار التجار، وهو عثمان البنان بك، وكان ذلك منذ حوالي 15 عاما، فكانت داره الموجودة حتى الآن بقصر الشوك يجتمع فيها كل ليله حوالي 500 شخص، لا أكاد أبدأ التلاوة حتى يأخذهم الخشوع ويستمعون طوال المدة في سكون مهيب لا يتخلله غير ذكر الله
عند السلطان حسين ، وسألت فضيلته ألا تذكر شيئا عن سهراتك في القصور، فأجاب قائلا: سهرت ليلة عند المغفور له السلطان حسين كامل وكنت مع كثيرين من زملائي القراء، وكان المفروض أن عظمته سيمر علينا في المكان الذي نجلس فيه للتلاوة، فجاءت تعليمات كثيره مطوله لنتابعها عند مرور عظمته، وأخذنا نتذكر هذه التعليمات ونستعيدها مشفقين من ألا نستطيع تنفيذها بدقة ولكن عظمته آثر أن يختاره ممرا آخر ليتركنا منصرفين إلى تلاوة القرآن باطمئنان تام.
عند أم المحسنين
وسهرت مرة عند المغفور لها أم المحسنين، فكان أظهر ما شعرت به ليلة إذن، فيض الإكرام الذي قوبلنا به، وحسن الترتيب والنظام، والخشوع التام عند سماع القرأن، وسألته هل كانت بمصر في السنين الماضية قارئات مشهورات؟ فقال: كان بمصر كثيرات من قارئات القرآن، أشهرهن عندي: المرحومة الشيخة أسمهان، التي توفيت منذ سبع سنين، وكانت رحمها الله تقرأ في سوامر حاشدة بالرجال، مع الشيخ أحمد ندى، والشيخ حسن الصواف، والشيخ عبد الشافي، وكان يعجبني صوتها كل الإعجاب، ولم أسمع مثلها حتى الآن
ولن أنسى طوال حياتي ذكرى حادثة مؤلمة تعاودني كلما ذكر اسمها، فقد تعلمت بمناسبتها درسا قويا في الأخلاق وكانت الشيخة صاحبة الفضل فيه.
كنت صغيرًا أبلغ حوالي 13 من العمر وسعيت إليها في إحدى السهرات لأستمع إلى قراءتها وفنها الجميل، وكانوا المستمعون لها كثيرين، فالتف منهم حولي بعض الذين سمعونى أقرأ وألحو في أن أقرأ إلى جانبها، فنزلت على رغبتهم، وما كدت أجلس بجوارها حتى همست في أذني قائلة: قرأ كويس وألا أقول الصبح للفقيه اللي بيقريك.
ومنذ ذلك الوقت أصبح من عادتى ألا أزامل أحدا في القراءة بسهرة ما إلا بعد أن أتحقق من أن ذلك يرضيه.