صلاح سعد يكتب: حال الصحابة في رمضان

رمضان شهر العمل والجد والإجتهاد والغزوات والإنتصارات ، ليس رمضان كما نفهمه نحن اليوم من تقديم بعض الأعمال قبل رمضان ، وتأخير البعض الآخر لبعد انتهاء رمضان ، والتفرغ للنوم فى نهار رمضان ، والسهر فى المقاهى فى ليليه ، ولنا فى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى والقدوة الصالحة ، فإذا تأملنا حياة بعضهم كيف كانوا يقضون رمضان نجد أنفسنا أمام رجال صدق فيهم قول النبى صلى الله عليه وسلم  حين قال (خير القرون قرنى ).

فمنهم الصحابى الجليل أبو هريرة  الذى اشتهر بموقفه فى رمضان ووصف هذا الموقف بحفظه للصيام ، فقد روى أبو نُعيم في الحِلية عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أنه كان وأصحابه إذا صاموا قعَدوا في المسجد، وقالوا: نُطهر صيامنا، يحفظون صيامهم من اللغو والرفَث وقول الزور، ومن كل ما يُفسده أو ينقص أجره.هؤلاء الصحابة كانوا حريصين أشد الحرص عن لإبتعاد عن اللغو والرفث وهم أبعد الناس عنه ولكن لشدة حرصهم كانوا يخافون على أنفسهم من الوقوع فيه إعمالا لقول النبى صلى الله عليه وسلم (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه).

أما عن صلاتهم فى رمضان : فقد كان عمر بن الخطاب يصلي من الليل ما شاء الله حتى إذا كان نصف الليل أيقظ أهله للصلاة، ثم يقول لهم الصلاة الصلاة.. ويتلو( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى )سورة طه الآية 132

أما عن عبد الله بن عمرو بن العاص فقد شديد الإجتهاد في العبادة ، كما في صحيح البخاري عن عبدالله بن عمرو – رضي الله عنهما – قال لي رسول الله – صلى الله عليه وسلم: (يا عبدالله، ألم أُخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل)، فقلت: بلى يا رسول الله، قال: (فلا تفعل، صُم وأَفطِر، وقُم ونَم، فإن لجسدك عليك حقًّا، وإن لعينك عليك حقًّا، وإن لزوجك عليك حقًّا، وإن لزَوْرك عليك حقًّا، وإن بحسبك أن تصوم كل شهر ثلاثة أيام، فإن لك بكل حسنة عشر أمثالها، فإن ذلك صيام الدهر كله) .

فشَددتُ، فشدَّد عليّ، قلت: يا رسول الله، إني أجد قوة، قال: (فصم صيام نبي الله داود – عليه السلام – ولا تَزِد عليه)، قلت: وما كان صيام نبي الله داود – عليه السلام؟ قال: (نصف الدهر)، فكان عبدالله يقول بعد ما كَبِر: يا ليتني قبِلت رُخصة النبي – صلى الله عليه وسلم .

أما عن اطعام الطعام فقد كانوا يتسابقون الى ذلك  قال الله تعالى( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً . إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً . )سورة الإنسان   فقد كانوا يحرصون على إطعام الطعام ويقدمونه على كثير من العبادات سواء كان ذلك بإشباع جائع أو إطعام صالح، فلا يشترط في المطعم الفقر. قال رسول الله ): يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام ( رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني.وعن طلحة بن يحيى بن طلحة، قال: حدثتني جدتي سعدي بنت عوف المرية، وكانت محل إزار طلحة بن عبيد الله قالت: دخل علي طلحة ذات يوم وهو خائر النفس فقلت: مالي أراك كالح الوجه؟

وقلت: ما شأنك أرابك مني شيء فأعينك؟ قال: لا؛ و لنعم حليلة المرء المسلم أنت. قلت: فما شأنك؟ قال: المال الذي عندي قد كثر وأكربني، قلت: ما عليك، اقسمه، قالت: فقسمه حتى ما بقي منه درهم واحد، قال طلحة بن يحيى: فسألت خازن طلحة كم كان المال؟ قال: أربعمائة ألف. فلو يعلم المرء ما للصدقة فى رمضان من خصوصية وضعف للثواب لتصدق بأغلب ماله .

ولا يغيب عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الاقتصاد فى رمضان وذلك لأنهم يعلمون جيدا أن هذا الشهر جاء ليعلم الناس كيف يهذبون أنفسهم و يدبرون حياتهم من غير اسراف ولا تقتير، فعن أبي زياد مولى ابن عباس عن أبي هريرة قال: كانت لي خمس عشرة تمرة، فأفطرت على خمس تمرات، وتسحَّرت بخمس، وبقِيت خمس لفطري وإن كان هذا الاقتصاد من قلة الطعام، إلا أن أبا هريرة – رضي الله عنه – يخشى من الشِّبَع، ويحذر عاقبته، فيقول في ذلك: ويلٌ لي من بطني، إذا أشبَعته كظني، وإذا أجعته سبَّني. نعم إن مضرة الشِّبع معروفة، وخاصة في هذا الشهر الكريم، لِما يُفوته على الإنسان من فرص الخير والتقرب إلى الله بطاعته.

ومن صفات الصحابة فى رمضان أنهم كانوا يحبون مرافقة النبى صلى الله عليه وسلم فى صلاته وتهجده حتى وقت سحوره ، فقد ورد في صحيح البخاري عن أنس عن زيد ثابت – رضي الله عنه – قال: تسحَّرنا مع النبي  صلى الله عليه وسلم  ثم قام إلى الصلاة  قلت كم كان بين الأذان والسَّحور، قال قدر خمسين آية

ففي هذا الحديث أخبر زيد – رضي الله عنه – أنه تسحَّر مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ثم قام إلى الصلاة، فلو تأمَّلنا سبب سَحور زيد بن ثابت مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وخاصة أن زيد بن ثابت – رضي الله عنه – ما كان ينام عند رسو الله – صلى الله عليه وسلم – حتى يكون سحوره عارضًا، بل كان مقصودًا، وأن السبب في ذلك من أجل أن يتعلم الهدي في السحور فيما يتعلق بوقته والسنة فيه.

ويدل على ذلك سؤال أنس بن مالك – رضي الله عنه – لزيد بن ثابت – رضي الله عنه – كم كان بين الأذان والسحور؟ وقد ورد الحديث بألفاظ أخرى، فعند البخاري في موضع آخر: عن قتادة عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – أن النبى صلى الله عليه وسلم وزيد بن ثابت رضي الله عنه  تسحَّرا، فلما فرَغا من سَحورهما، قام النبي صلى الله عليه وسلم – إلى الصلاة، فصلى، فقلنا لأنس: كم كان بين فراغهما من سَحورهما ودخولهما في الصلاة، قال كقدر ما يقرأ الرجل خمسين آية

فهذه الروايات تدل على استحباب تأخير السَّحور، وفي هذا دليل على حرص السلف على تعلم الهدي النبوي، فقتادة سأل أنسًا، فتعلم منه، وأنس سأل زيد بن ثابت، وتعلم منه، وزيد تعلَّمه من رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولنا أن نتأمل جواب زيد بن ثابت رضي الله عنه – عن سؤال أنس بن مالك رضي الله عنه حيث قال : قدر خمسين آية، أي: قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية متوسطة لا طويلة ولا قصيرة، ولا سريعة ولا بطيئة، هذا الجواب فيه قياس للزمن بعمل البدن، وكان العرب يستعملون ذلك؛ كقولهم: قدر حلْب شاة، أو قدر نحْر جَزور ونحوها، ولكن زيد بن ثابت – رضي الله عنه – قاسه بأمر مرتبط بالعبادة.

وفي ذلك تميُّز في حياة المسلم، والتخصيص بالقراءة فيه إشارة إلى أن ذلك الوقت وقت عبادة وتلاوة؛ قال ابن أبي جمرة: فيه إشارة إلى أن أوقاتهم كانت مستغرقة بالعبادة. في هذا الموقف حَث على جوانب كثيرة من الخير، ففيه تناول طعام السَّحور والاجتماع عليه، ولا سيما مع أهل العلم والفضل الذين ينتفع الإنسان من صحبتهم ومجالستهم، وكذلك في الحث على تأخير السحور، فهو أرفق للصائم وأدعى لحضور صلاة الصبح مع جماعة المسلمين، وفيه أيضًا اغتنام الفرصة بين السحور وإقامة الصلاة فيما يُقرِّب إلى الله – سبحانه وتعالى  وخاصة بقراءة القرآن.

فهذه بعض من صفات الصحابة فى شهر رمضان كانوا يحرصون على حفظ الصوم من اللغو والرفث ، وعلى قراءة القرآن بأكبر قدر خاصة فى هذا الشهر الكريم، ومجالسة النبى ليتعلمو منه، والإكثار من الصدقة، وكثرة التهجد.

الدكتور صلاح سعد أستاذ العقيدة بكلية أصول الدين بالمنوفية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى