د. أحمد فرحات يكتب: امرأتان

قدمتا من الإسكندرية كهدية مبجلة من المقوقس حاكم مصر إلى الجزيرة العربية حيث رسول الله صلى الله عليه وسلم، قبل الرسول الكريم الهدية، ثم عرض عليهما الإسلام، فوافقت الأولى لتوها، دون تردد، وانتظرت الأخرى لليوم التالي حتى تتروى وتفكر في الأمر. كانتا جميلتين، وعليهما أثر النعمة من مصر، الأولى هي مارية القبطية، والأخرى هي سيرين بنت شمعون.

وخبرهما في بطون الكتب القديمة مسموع حاضر، فقد ذكر ابن الأثير في كتاب: أسد الغابة في معرفة الصحابة: سيرين، أخت مارية القبطية، أهداهما المقوقس صاحب الإسكندرية إلى النبي صلى الله عليه سلم، فتزوج النبي مارية، وهي أم ابنه إبراهيم عليه السلام، ووهب سيرين لشاعره حسان بن ثابت، وولدت له ابنه عبد الرحمن.

وكان الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- أرسل إلى المقوقس:”بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى المقوقس عظيم القبط سلام على من اتبع الهدى أما بعد؛ فإني أدعوك بدعوة الإسلام. أسلم تسلم، يؤتك الله أجرك مرتين ” قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64)”. آل عمران.

فرد المقوقس الرسالة برسالة:” بسم الله الرحمن الرحيم: إلى محمد بن عبد الله، من المقوقس عظيم القبط، سلام عليك، أما بعد؛ فقد قرأت كتابك، وفهمت ما ذكرت فيه، وما تدعو إليه، وقد علمت أن نبياً بقي، وكنت أظن أنه سيخرج بالشام، وقد أكرمت رسولك، وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم، وبكسوة، وأهديتُ إليك بغلة لتركبها والسلام عليك”.

وقد ورد ذكر السيدة سيرين رضي الله عنها في كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني: أن السيدة سيرين كانت مغنية علي دراية بفنون الغناء والموسيقي المصرية، كما أنها جاءت معها من مصر بآلة الهارب المصرية.. وإنها كانت تنظم مدرسة للغناء والموسيقي ضمت ثماني جوار، وتتلمذت على يديها عزة والميلاء وجميلة وغيرهن.

وأن النبي-صلى الله عليه وسلم – مر علي حسان بن ثابت، وهو في ظل فارع وحوله أصحابه وجاريته سيرين تغنيه بمزهرها.. (هل علي ويحكما ..إن لهوت من حرج) فضحك النبي ثم قال لا حرج إن شاء الله.

أصبحت امرأة أما للمؤمنين، وأم ابنه إبراهيم، عليهما السلام، وسيرين ضارت مغنية وعازفة ومؤسسة لمدرسة في الغناء والموسيقى،… حظوظ وأقدار يهب من يشاء النعمة ويسلبها ممن يشاء، وأنت لا تدري موقعك، ونصيبك، وحظك من الدنيا والآخرة.