“خرج محمولًا على الأعناق”.. كواليس زيارة الشيخ عبد الباسط عبد الصمد للسيدة زينب

لما بلغ الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، الخامسة عشرة من عمره استقل بنفسه كقارئ كبير له سمعته الطيبة ومكانته المرموقة بين مشاهير القراء فامتدت شهرته إلى الأقصر وأسوان، وبعض محافظات الوجه القبلي القريبة من القاهرة كالمنيا وبني سويف وكان أعلى أجر يحصل عليه لا يزيد على خمسة جنيهات حيث كان هو القارئ المفضل لدى أكبر العائلات بالوجه القبلي، بحسب ما جاء في كتاب سفراء القرآن الكريم للكاتب أحمد همام.

10 سنوات قراءة وتلاوة في الصعيد

قضى الشيخ عبد الباسط ما يقرب من عشر سنوات تاليا لكتاب الله عز وجل في أحضان مدن وقرى جنوب الصعيد حيث النشأة التي أثقلته بكافة الإمكانات الشخصية والروحية والقرآنية بعدها اتجه إلى القاهرة عام 1950 ليزور آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعطرته الطاهرين.

وكانت المناسبة التي قد قدم من أجلها مع أحد أقربائه الصعايدة هي الاحتفال بمولد السيدة زينب رضي الله عنها والذي كان يحيه عمالقة القراء المشاهير كالشيخ عبد الفتاح الشعشاعي والشيخ مصطفى إسماعيل والشيخ عبد العظيم زاهر والشيخ أبو العينين شعيشع وغيرهم من كوكبة قراء الرعيل الأول بالإذاعة لم يكن الفتى الموهوب عبد الباسط عبد الصمد يطمع في أكثر من الاستماع إلى هؤلاء العمالقة ويراهم ويجلس أمامهم لشدة إعجابه بأدائهم وتلاوتهم للقرآن الكريم.

تربع على عرش التلاوة

ولم يكن يعلم أنه سيكون واحدا منهم وأنه سيأتي اليوم الذي يكون هو قارئ العالم الأول متربعًا على عرش التلاوة بلا منافس مع قلة قليلة من الموهوبين في عالم القراء بعد منتصف الليل والمسجد الزينبي يموج بأفواج من المحبين لأهل البيت القادمين من كل مكان من أرجاء مصر كلها استاذن أحد أقارب الشيخ عبد الباسط القائمين على الحفل في أن يقدم لهم هذا الفتى الموهوب ليقرأ 10 دقائق فأذن له وبدأ في التلاوة وسط جموع غفيرة وكانت التلاوة من سورة الأحزاب عم الصمت وأجراء المسجد واتجهت الأنظار إلى القارئ الصغير الذي تجرأ.

وجلس مكان كبار القراء ولكن ما هي إلا لحظات وانقلب السكون إلى ضجيج وصيحات رجت المسجد الله أكبر ربنا يفتح عليك يا مشبع إلى آخره من العبارات التي تصدر من القلوب مباشرة من غير مونتاج وبدلا من القراءة 10 دقائق امتدت إلى أكثر من ساعة ونصف خير للحاضرين أن أعمدة المسجد وجدرانه وذرياته انفعلت مع الحاضرين كأنهم يسمعون أصوات الصخور تهتز وتسبح بحمد ربها مع كل آية تتلى بصوت شجي ملائكي يحمل النور ويهز الوجدان ويهيبه ورهبة وجلال.

وكأن المسافة ضاقت بين السماء والأرض فقيل لهم إنهم يتحسسون العرش القريبة جدًا من مجلسهم والملائكة حافين طوافين يحملون أعمدة نور الرباني التي صاحبه الباب الحاضرين إلى أعلى درجات الوصول إلى رحاب الله هذه الأنهار من النور التي غمرت الحرم الزينبي وانسكب في أعماق القلوب.

مكنت الفتى الموهوب من الإبداع وأحداث نغم جديد دونته الملائكة ليضاف إلى إبداع داوود صاحب المزامير وبراعة ابن مسعود صاحب أجمل صوت صحابي كثيرًا ما استمتع بالاستماع إليه الرسول صلى الله عليه سلم إن صوت العذب الندي الذي أبكى النبي صلى الله عليه وسلم تكرر مثله في ليلة مولد حفيدته فانهمر الدمع من عيناي القارئ الرباني لتساعده على الابتكار والإجابة فخطف القلوب واستمالها بعدما طاف بها وأمتعها.

وأضاف جديدًا في دنيا التلاوة بصوته الذي لا يصح أن نصفه بالكروان ولا بالبلابل ولا بالقيصرة وإنما يضاف إليها صوت الشيخ عبد الباسط ليكون مشبها به وليس مشبها لأنه لا يقل عن أصوات البلابل ولا الكروان بل يضاف إليهم صوت جديد من الممكن أن يتفوق عليهم جميعا

أعجب الحاضرون به عندما جاء قاصدا آل محمد قال الجميع نعم الولد، اشد يا بلبل. ثم أعد واغزو الاذاعه كي تعتمد صوتك، ما شابهه أحد فن التلاوه معه اتحد قالوا عتاقه قلنا أحد وادع لأبيك عبد الصمد كي يعلم من زرع حصد وأنت كذلك من جد وجد.

خرج محمولًا على الأعناق

خرج الشيخ عبد الباسط من المسجد محمولا على أعناق الرجال المخلصين المحبين لسماع القرآن الكريم بعد أن تملك قلوبهم وتربعه داخلها وسجل اسما وصوتا وصور في أعينهم وعقولهم وقلوبهم فتغير التاريخ الأدائي القرآني ورسم عشاق فن التلاوة خريطة جديدة لشجرة المشاهير بعدما نبت لها فرع جديد وأورق فأثمر ثمرا جنيًا .

أصبح الفتى العملاق عبد الباسط عبد الصمد حديث كل الناس وخاصة مشاهير القراء الذين هيأوا أنفسهم لاستقبال نجم سطع بقوة سيرغمهم على بذل الجهد ليحتفظ كل واحد من مكانه على الخريطة التي أصابها زلزال قادم من الصعيد بمقياس الموهبة التي لا يستطيع أحد أن يقف أمامها وخاصة إذا كانت فريدة جديدة متميزة.