الفنان التشكيلي طه القرني: أعمالى غيرت في تناول اللوحة التشكيلية (حوار)
– جدارياتي تجسد ظواهر في المجتمع
– أعتبز بجداريات سوق الجمعة والمولد والزار
– أهتم بقضايا البسطاء.. وفكرة الدراما في اللوحات حققت رضاي
– معرض مقام يجسد حالة الصوفية في حضن أطفالها المتوهجين
طه القرني هو فنان دائم البحث عن صيغ فنية تتجاوز في كثير من الأحيان الأطر المعتادة، فهو صاحب تجربة تتسم بالمغامرة والتجريب والنأى عن النمطية، في سعيه لتجاوز هذه الأطر قد يتعدى الفنان حدود المساحة المتداولة كما في جدارياته ذات المساحات الكبيرة والمتخمة بالحركة، أو يلجأ أحيانًا إلى رؤية بصرية غير مألوفة كتوظيفه لمنظور عن الطائر مثلًا.
نظرًا لأعماله التي تهتم بقضايا الشعب، لقب بفنان الشعب، لم يتخل منذ بداية رحلته في عالم الفن التشكيلي عن إثارة قضايا تسلط الضوء على البسطاء، يؤمن بأنه صاحب رسالة مهمة يجب أن تصل إلى الناس من خلال أعماله.
طه القرني يعد أحد أهم الفنانين الذين قدموا إبداعات وثقوا من خلالها ملامح الهوية المصرية، فهو من مواليد 7 سبتمبر عام 1956 بمحافظة الجيزة، وتخرج فى كلية الفنون الجميلة قسم الديكور، وكان الأول على دفعته ثم حصل على دبلوم الدراسات العليا تقدير عام جيد جدًا.
يحمل القرني شهرة عالمية في فن الجداريات، وهو دائمًا ما يركز في أعماله الفنية على البعد الدولي، ونالت جدارياته شهرة واسعة تفاعل معها الناس بشكل كبير منها: الجوع، والمولد والزار وعزبة الصعايدة، والمقام وغيرها من الجداريات التي تهتم بقضايا الشعب وتجسد حالة من اليوميات التي يعيشها الناس.
وخلال رحلته الفنية مع الفن التشكيلي نظم 30 معرضًا بداية من عام 1989 وحتى الآن، وأبرزها: معرض سوق الجمعة، معرض بدار الاوبرا المصرى بالقاهرة 1989، معرض بقاعة رياش بالقاهرة ، وأخرى بقاعة ارابيسك، وغيرها من المعارض .
موقع “مباشر 24″ أجرت معه حوارًا حول أعماله الفنية وجدارياته ومعرضه الأخير”مقام”.. وإلى نص الحوار..
حدثنا عن بداية رحلتك مع الفن التشكيلي؟ ومن أين جاءت الموهبة؟
اهتميت بالفن منذ نعومة أظافري، عندما كنت طالبًا كنت أرسم في المدرسة وكان يشجعني أساتذتي ويثني على رسوماتي زملائي، إضافة إلى الزيارات الميدانية التي كانت تنظمها المدرسة شكلت عندي نوع من الذاكرة البصرية والتي أعطتني حافظًا وتلامسًا مع الواقع، وأحببت الرسوم بشدة.
وعندما كبرت التحقت بكلية الفنون الجميلة، وبدأت دراسة الفنون الجميلة وكنت الأول على دفعتي، وأثناء الكلية تبنأ لى الأساتذة بمستقبل كبير، وعملت أول معرض لى بالإسكندرية عندما كنت طالبًا.
وعلى مدار رحلتي نظمت فوق الثلاثين معرضًا، وأهم معرض بالنسبة لى سوق الجمعة وهى لوحة بصرية كبيرة تتحدث عن الفقراء وكيف انحاز الفن لمجتمعه وطولها 23 متر وكانت عام 2006، وتوضح مصر الفقيرة التعبانة ومن المفترض أن يراها الناس بطريقة إيجابية حتى يغيروا الوضع.
على مدار رحلتك الفنية.. هل هناك أعمالًا شعرت بأنك أبدعت فيها وأخرى لم ترض عنها؟
الفن تجربة بطبيعة الحال وهو حلقة تجريبية أحيانًا تصيب وأحيانًا تخطئ والحالة التي فيها، ولدى جداريات تناولت حالات من المجتمع وأعتز بها، منها: جدارية الزار التي يبلغ طولها 32 متر وهى تتناول تفاصيل الزار من تجمع الناس والطبل وما يحدث فيه.
وهناك أيضا جدارية المولد وهى تتحدث عن مجموعة من الناس تجمعهم الأولياء والموالد، وجاءت الفكرة عندما وجدت أن عدد الموالد في مصر رقم مرعب 380 طريقة صوفية، وهى تتحدث عن عدد الأولياء أيضا في الصعيد أو الريف.
وتعد هذه الجدارية تجسيد لما يحدث في الموالد، والطرق الصوفية التي تم تناولها من خلال الجدارية وكلها تصب في حالة لطيفة، والجدية كأنها مدينة صغيرة بها ناس تشتكى لله، وأخرى تبيع وتشتري بها تبادل تجاري وثقلفي ةحتى الزواج يتم فيها بالنسبة للريف والصعيد، وكأنها مدينة صغيرة تبين ما يحدث في الموالد بشكل دقيق ومفصل، وجديرية عزبة الصعايدة.
اتجهت للجداريات الكبيرة خلال الفترة الأخيرة.. هل ترى أنها غيرت منهجية العرض وأثرت في تغيير حالة المجتمع؟
بالطبع أحدثت تغيرًا في تناول اللوحة التشكيلية، فكل معرض له تفسيرات وحكاية، فعندي مثلا: سوق الجمعة يعبر عما يدور في السوق كأن من يشاهدها يرى كأنه يجلس في السوق من حركة البيع والشراء والناس، وكذلك اختيار الألوان المناسبة فكل هذا له دلالة.
وأيضا جدارية المولد والزار والمحافظات، وكذلك معرض “من مصر “تناولت فيه العروسة وكيف أوظفها وتناولتها بشكل لطيف، وكذلك معرض “فوق الرأس” وهى رؤي الناس من فوق كالطائر من خلال الحالة الاجتماعية وسلوكياتهم، وكذلك معرض معرض “مقام” له تفسيرات كثرة وممتدة ومتشعبة وهى أن لكل شئ مقال والمقام الشعبي محفوظ.
انحزت في لوحاتي وجدرياتي انحيازًا تامًا للشعب والفكرة الوطنية، وأعمالى كان لها دور في حركة الفن التشكيلي وهذا في حد ذاته جميل.
على أي أساس يتم تختار موضوعات لوحاتك وجدارياتك؟
الموضوع هو الذي يفرض نفسه فعندنا نحد فوق 400 طريقة صوفية، منها: القادرية العلية، الرفاعية، المحمدية الشاذلية، الحامدية الشاذلية، الخلوتية الضيفية، السعدية، السلامية الشاذلية، السمانية الخلوتية، وغيرها من الطرق، يجتمعون على شئ واحد وهو التطلع لأهل البيت، وأنا كـ فنان لابد أن أميل إلى هذا النوع وكل شئ له رمز ومدلول فالملابس والألوان والآلات الموسيقية والمنشدين والمبتهلين والمسبحة وكل ما يحدث في هذا المشهد.
كل ما يدور في المولد وتواجد هذه الطرق الصوفية جعلني أعملها بهذا الحجم، فالمشهد هنا فرض نفسه، فكان لابد أن اعملها بانوراما، ونحن نتحدث عن عمل فن جيد، ولا يجوز أن تكون رؤية قصيرة، والعمل والحدوتة فرضت نفسها، وطريقة تلوينها والخامة التي تستخدم فيها أيضا.
على أي أساس يتم اختيار لوحاتك معارضك التي وصلت للثلاثين معرضُا؟
دائمًا مهموم برؤيا المجتمع بعيدًا عن ثقافة التجميل والتزيين واعتني بالمنتج الدرامي وابحث عن هموم المصرية واكمل عليها، تناولت تلك القضايا المهمة بداية من معارض 2004 وحتى الآن، أما العمل قبل ذلك كان موضوعات عادية وكان ادراكي ووعي كان لم ينضج بعد، ووعندما نرسم نضع جزء من ثقافتنا في العمل، وفكرة الدراما في العمل أكثر فكرة وجدت نفسي فيها وقد حققت جزء كبير من الحالة التي كنت أريد الوصول إليها.
وماذا عن معرض مقام المقام حاليًا؟
جاءت الفكر أن لكل مقال مقام، فالموسيقى لها مقامات كثيرة وأحيانا المطرب والمنشد يأخذ بيت شعر أو قصيدة او الشيخ يأخذ آية قرآنية يقولها فياخذ مقام ومنه إلى جواب فيخرج أحلى ما فيه ويقولوا فسرمقام وطلع أجمل ما فيه وأجمل ما في الوطن الشعب نفسه.
فمعرض “مقام” يجسد حالة من المقام الروحى الموازي لجلجلة المقام الموسيقي بتنوعاته المغرقة في العاطفة وهو ما يرسخ في التكوينات التصويرية لعملية التراسل بين البصري والصوتي داخل المشهد المتأرجح بين الاستلهام التراثي الشعبي ورقصات الأطفال تحت أثوابهم المطرزة بالزخارف المختلفة وطراطيرهم وطواقيهم على التوازي مع زخارف الخلفية بما يخلق تناغمًا تصويريًا بين المفردات والعباءة التي تدثرها.
إضافة إلى الأعواد والمزامير والطبول والأورجات والقوانين، فالمعرض يجسد حالة الصوفية في حضن أطفالها المتوهجين، فنرى البراءة وهى تلتحم بفيض من الطهر النوراني، فنجد الدوران الصوفي من جلجلة المقام الموسيقي والبصري إلى رحم السماء، وقد تأكدت هذه الرؤية بمنظور عين الطائر الفوقي .
ويضم المعرض ٥٠ عملا فنيًا حديثًا، تطرح فيه تجربة جديدة بخامات مختلفة “زيت على توال، جوبلان، حرير، خيامية “، بالإضافة إلى طرح رؤية حداثية للمولوية والتنورة بمنظور عين الطائر “فوق الرأس”.
اقرأ ايضًا:
أشهرها على الذقن و الشفة السفلى .. حكايات الوشم في الصعيد