” الآخر في الثقافة الشعبية “.. كتاب يوضح السيرة الهلالية من مفهوم الآخر

 

كثيرة هي الدراسات والمؤلفات التي تناولت السيرة الهلالية، معظمها كان تناوله سردي ملحمي، يحكي عن بطولات شعبية، واساطير خيالية، ونوادر تاريخية.                                                   

الدكتور سيد ضيف الله في كتابه ” الآخر في الثقافة الشعبية ” الصادر عن دار أقلام للنشر والتوزيع، يكاد يكون من الكتب التي دخلت لصميم السيرة الشعبية ، لطبيعة الحوار والخلاف في الرأي بين النخبة والبسطاء من الشعب، القبول به او الاختلاف معه، الصم والبكم مع العميان من أفراد هذه الجماعات.

و كيف انطلق المصطلح الشعبي ليصبح دالا عن الجماعة ؟ ولماذا ذهب خيال المؤلف إلى التفاصيل الصغيرة وشقائق نعمان الحالة الاستثنائية لتناول السيرة، ورصد متغيراتها بمرور الزمن، ويعد الكتاب من النوادر التي التقطها المؤلف كي يجيب عن الأسئلة الأصعب في التناول ، والأكثر عمقًا عند الرصد والتقصي.

وكتاب” الآخر في الثقافة الشعبية” الذي يقع في 215 صفحة من القطع الطويل، عبارة عن دراسة للسيرة الهلالية ومن خلالها يقوم المؤلف بإجراء حوار مع الجماعة الشعبية بغرض الكشف عمن تعتبره آخر بالنسبة لها وكيفية تشكله وأسباب ذلك لما للبحث الآخر من أهمية.

 فقد كثرت الموضوعات التى وجدها المثقفين فى الندوات والمقاهى وسطرتها أقلامهم فى الدوريات والكتب للدرجة التى جعلت المؤلف يتصور أن كل الموضوعات المثارة على الساحة الثقافية العربية، أما أنها تنطلق من مقولة الآخر أو تقضى إليها ومن هنا فقد تناول الموضوع من خلال تحديد للمفاهيم والعلاقات ” الجماعة الشعبية – المثقف – السلطة ” ومن خلال الاخر فى دفتر أحوال الجماعة الشعبية.

وفي هذا الكتاب يسعى المؤلف إلى إجراء حوار حقيقي مع الجماعة الشعبية بغرض الكشف عمن تعتبره آخر بالنسبة لها، وكيفية تشكله وأسباب ذلك، إن هذا الإصدار يعد محاولة لفهم الآخر أو لفهم الذات.

وقام اختيار المؤلف للسيرة الهلالية التي مازالت تروى، قام على أساس أنها تصلح نقطة ارتكاز لاختيار صورة الآخر عند الجماعة الشعبية اعتقادًا منه وهو محق في ذلك إلى حد كبير أنها تحمل نسقًا معرفيًا وقيميًا مازالت الجماعة الشعبية تتبناه ومن ثم تحرص على استمراره فنيًا وقيميًا وسلوكيًا أيضًا.

وقام المؤلف بتوضيح مفهوم الجماعة الشعبية، فقال: تتعدد استخدامات مصطلح الشعب بتعدد المداخل إليه ، فيتسع مرة حتى يتساوى مع مصطلح الأمة ويضيق أخرى ليعني الفلاحين أو الطبقة العاملة ، وإطلاق المصطلح على هذه الجماعة أو تلك يعني ضمنيًا: الاشتراك في اللغة وفي الأرض، أو الاشتراك في سمات ثقافية واجتماعية.

والحقيقة أن مفهوم الجماعة الشعبية أعم وأشمل من مفهوم آخر مطروح هو “الطبقات الشعبية” فضلًا عن عدم دقة إطلاق مصطلح ” الطبقات” منتزعًا من سياقه المعرفي الماركسي، على فئات أو طوائف في فترة تاريخية معينة، مثل “أهل الحرف والصنائع وصغار التجار والباعة والسوقة والسقائين والمكاريين والمشاعلية حتى نصل إلى أدنى شريحة من شرائح “الطبقة الشعبية” ممن لا عمل لهم من العاملين نحو الشطار والعيارين والحرافيش والمناسر.

وأوضح أن السير الشعبية إلى نوعين من السير: أحدهما يعد بمثابة تزجمة لحياة فرد كما في سيرة سيف بن ذي يزن أو سيرة الإمام على بن أبي طالب أو سيرة حمزة البهلوان والثاني هو سيرة الجماعة ومثالها السيرة الهلالية أو سيرة ذات الهمة أو سيرة بيبرس، وسواء أكانت السيرة فردية أم جماعية فإنها تعد بحق “ديوان الجماعة الشعبية” ذلك أنها سجل حافل بالآلام والآمال التي عاشتها الجماعة الشعبية في الوطن العربي.

لقد أودعت الجماعة الشعبية رؤيتها للعالم من حولها في سيرها الشعبية، ومن ثم تمثل السير الشعبية “المتن الذي أرخت فيه هذه الجماعة حياتها وتصوراتها والرمز الدال على فضائلها ومفاخرها والفن الأكثر تعبيرًا عن حاجة وجدانها وحركتها المتنوعة والمتعددة الخصوبة ففيها وعبرها تتكون العلاقة بين ماضي الجماعة وحاضرها الفردي والجمعى، الذاتي، والقومي، الواقعي والمثالي، التاريخي والمتخيل، والممكن والمأمول.

ويرى المؤلف أن العلاقة بين السير الشعبية والتاريخ ليست علاقة مشابهة وإنما هى علاقة صراعية من الدرجة الأولى، فمن ناحية أولى لم تلجأ الجماعة الشعبية إلى أبطال التاريخ الرسمي وتفسير ذلك أنه من البديهي أن التوثيق التاريخي لشخصية ما حول ملامحها الجسدية والمعنوية ودورها في الأحداث التاريخية وتفاصيل حياتها اليومية يعوق عمل المخيلة الشعبية في صنع أبطالها.

وأرجع الكاتب السبب الثاني إلى أن اختيار شخصية موثقة تاريخيًا وبطولتها مشهود لها في التاريخ الرسمي يعني ضمنيًا عجز الجماعة الشعبية عن الحلم قرين المستقبل والوقوع في دائرة “الماضوية الجهنمية حيث الحلم قرين الماضي.

وفي مواقف النخبة من الثقافة الشعبية، قال المؤلف: بينما يتعارك العميان “النخبة” مع الصم والبكم” الجماعة الشعبية” نلحظ أن ثمة معركة جانبيه بين العميان بعضهم مع البعض ولا يستثنى منهم كاتب هذه السطور، إذ يتخذ كل فريق منهم فريقًا من الثقافة الشعبية ومن ثم أسلوبًا في التعامل مع الجماعة الشعبية ويسعى لفرضه على أصحاب المواقف الأخرى.

ونطرق الكتاب فيما بعد إلى أصناف المثقف التي حصرها في 6 أنواع، وأوضح الآخر في أحوال الجماعة الشعبيى وهى الآخر السلطوى والديني والنوعى وأخيرًا الآخر الاستعماري.

 

Related Articles

Back to top button