«أول قراراته  تغيير اسمه».. الملك الصغير يتنصل من ماضي أبيه

لم تكن السبعة عشر عاماً التي حكم فيها أخناتون سوى كابوس مر ثقيلاً على نفوس كهنة آمون، وما أن تلاشى هذا الكابوس حتى عملوا على إعادة نفوذهم بكل ما أوتوا من قوة مرة أخرى. وبعد أعوام من الاضطراب خلفت رحيل أخناتون، جاء من بعده ابنه الصغير توت عنخ آتون، ذلك الصبي الذي تربى في كنف العمارنة وأفكارها وساقته الأقدار كي يتولى عرش مصر وهو لم يكمل عامه التاسع، فكانت شخصية الصبي الساذجة وتفكيره الطفولي أضعف من التخطيط والتدبير لمثل تلك الأمور.

في العام الثاني من حكمه في العمارنة، ثمة تأثير ما حدث على فكر الملك الصغير يبدو أن مصدره كان كهنة آمون وعلى رأسهم الداهية  آي، جعله يعيد ترتيب أوراقه بل ويتنصل من ماضي أبيه المؤذي بعدما أوحى إليه آي بأن في ذلك خطر داهم على الدولة بل  وعلى حياته الشخصية، وكانت شخصية توت الضعيفة تربة خصبة لتقبل كل آراءه.

ولم يصبح بُعده عن ماضي أبيه مجرد إيماءات ولكن تحولت إلى قرارات رسمية ملموسة، وسرعان ما قص توت عنخ آتون آخر شعرة بينه وبين عصر العمارنة وأعلن تغيير اسمه رسمياً إلى “توت عنخ آمون” أي الصورة الحية لآمون في إعلان مباشر إلى عودة قوة آمون ونفوذ كهنته بعد سنوات من التغييب. وكما كانت نفرتيتي داعمة لأبيه أخناتون في دعوته، سارعت الملكة الصغيرة عنخ إس إن با آتون في ركاب طوفان آمون وغيرت هي الآخرى اسمها إلى “عنخ إس إن آمون” أي التي تعيش عبر آمون، وهو ما يمكن تفسيره بحداثة سنها وانعدام خبرتها هي وزوجها وعدم قدرتهما على مجاراه ما يحدث من تغيير فآثرا الاستكانة والرضا بعودة التيار القديم.

وجاء التغيير الأكبر في عام حكمه الثالث بأن أعلن الملك أمام الجميع ترك آخت آتون للأبد والعودة إلى عاصمة الأجداد طيبة وهو وزوجته. وما أن وطأت قدمه أرض  العاصمة حتى صرّح رسمياً رفضه لعقيدة آتون وقرر العودة إلى التعددية الفكرية التي كانت عليها مصر قبل أخناتون، فسمح لكهنة مختلف المعبودات بإنشاد تراتيلهم علانية وأعاد فتح المقاصير والمعابد المغلقة واستكمل بناء تماثيل وتقديم القرابين باسم بقية المعبودات وعلى رأسهم بالطبع آمون. وهكذا عاد كهنة آمون إلى سابق نفوذهم وتسيدوا المجتمع وسيطروا على نظام الحكم وعاد بل زاد تأثيرهم على السياسة وامتلكوا سدة الدين في مصر مرة أخرى، حسبما ذكر الدكتور شريف شعبان في كتابه ” الدين والحكم .. مواقف فاصلة”ـ والصادر عن دار نهضة مصر للنشر والتوزيع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى