أعمال الفنان البحريني جمال عبد الرحيم تنطق بالحياة وتناقش القضايا المعاصرة

الإبداع ابن الدهشة، وكسر التوقع، والسعي وراء المجهول بحثا عن جوهر الحياة، الذي ربما يراه شاعر في زقزقة عصفور، وقد يراه  في لون زهرة برية، ويراه موسيقي في تناغم حركة الأشجار مع ريح عابرة. ويراه فنان تشكيلي من خلال تمازج الألوان.

هذه فلسفة فنية ورؤية إبداعية يعمل من خلالها الفنان التشكيلي البحريني “جمال عبد الرحيم”، والذي أقيم معرض للوحاته وأعماله الفنية مؤخرا، تحت عنوان “السواد حبرا للضوء” بجاليري مصر بحي الزمالك بالقاهرة، وشهد إقبالا ملحوظا من محبي الفنون، ومن الشخصيات العامة، والشخصيات الثقافية والفنية.

وقد اعتمد “عبد الرحيم” في أعماله المعروضة على صيغ تجريبية، تخصه، من خلال رؤية تركيبية استفادت كثيرا من المدرسة السريالية.

فهناك تأثر واضح بالمدرسة السريالية الغربية، لكن  ما يميز رؤية “جمال عبد الرحيم” هو “الموضوع الشعبي” حيث استطاع أن ينفذ إلى ما وراء الظواهر الخارجية في الحياة اليومية وأنماط السلوك، وأن يرجعها إلى مخزون العقل الباطن الجمعي وليس الفردي كما فعل فنانو “جماعة الفن والحرية” والتي ظهرت في مصر في أربعينيات القرن الماضي.

وكانوا يقولون في بداية تكوين الجماعة ” إن الدعامة التي بنينا عليها مثاليتنا.. نحن جماعة الفن المعاصر، هي الصلة الوثيقة بين الفكر والفن واعتبار كل من التصوير والنحت والموسيقى كالأدب وسيلة لنقل فلسفة الفن”

ويبدو تأثر “عبد الرحيم” بهذه الجماعة واضحا، وإن طور في رؤياه وفق مقتضيات العصر الفنية بشكل أكثر حداثة. حيث نراه يجمع فضاء الحرف العربي، والفلسفة اللونية بدقة بالغة، وإن شابت رؤياه حالة من الصوفية العميقة.

وقد جاء استخدامه للون الأسود بما يحمله من كثافة، ودلالة، ليكشف عن عمق رؤيته في التعبير عن القضايا المعاصرة، وشدة وطأتها على إنسان العصر الحديث. ذلك الإنسان المكبل بهموم شتى.

وقد لعب “جمال عبد الرحيم” على تيمة “التضاد”، حيث الجمع ما بين الألوان المتناقضة في اللوحة الواحدة، لإبراز عنصر الاختلاف، من خلال تفعيل عناصر رمزية تعمق الفعل الدلالي.

فنراه يشتغل بكل أحاسيسه لحل رموز التناقض وعالم الروح والمجهول، ومن هنا جاء معماره التشكيلي يتسق تماما مع عالمه التعبيري فقد استلهم فيه أسلوب الفنان الشعبي المجهول، وأسلوب الوحشيين سواء في الألوان المأساوية الصاخبة أو التشويه المتعمد لنسب الأجسام والملامح، ولا معقولية العلاقات بين عناصر التكوين بالنسبة لوجودها في الطبيعة.

ولعل أهم ما يميز لوحات “عبد الرحيم” في هذا المعرض هو عمق الفكرة، وهنا تبرز خلفياته الثقافية المتعددة الروافد، فهو فنان شامل.

وإن غلب على استخدامه البعد التجريدي، حيث دمج عبد الرحيم على متون مستطيلاته لغة الحروف بعالم بسيط من الأشكال، من خلال حفريات دقيقة على أسطح لوحاته النحاسية.

و أسلوبه في التعبير عن العالم الشعبي الفانتازي أقرب إلى الأسلوب النحتي، حيث تبدو شخوصه كتماثيل حجرية أو خشبية، تتلاشى فيهم التفاصيل الواقعية، لكن عيونهم تصرخ بالشكاية والاتهام.

وهذا يأخذنا إلى تأثره بالجماعات السريالية المصرية في النصف الثاني من القرن العشرين ومن رموزها عبد الهادي الجزار وحامد ندا وإنجي أفلاطون وسعيد العدوي، وسامي رافع وغيرهم، والذي يقول عنهم “إيميه آزار” في كتابه “الفن الشكيلي في مصر في العصر الحديث”: “أنهم كانوا يجمعون في رؤيتهم ما بين الفكر والأدب والفن التشكيلي”.

ويعد عبد الرحيم من أبرز فناني الحفر والطباعة في الوطن العربي، وقد حقق على مدار ثلاثين عاما من تجربته الفنية شهرة عالمية واسعة، وحصد جوائز عالمية متعددة، وكان ضيف “ترينالي مصر الرابع لفن الجرافيك عام 2003م، و”بينالي الكتاب الثاني بمكتبة الإسكندرية” عام 2006م، وأنجز “عبد الرحيم” مجموعة من الكتب اليدوية ذات التنفيذ غير التقليدي وغيرالمسبوق، مثل كتاب “رسائل قصب”، والذي تضمن بعض أشعار المتنبي، برؤية فنية مغايرة. وكذلك كتابه عن “جبران خليل جبران” وكتابه عن “النفري”، وكلها تم عرضها في معارض دولية في فرنسا وإسبانيا ومصر.

وعن علاقته بالقاهرة ومعارضه المتكررة بها يقول “جمال عبد الرحيم”:

“لقد تفتحت مداركي ووعي على حب الثقافة المصرية التي شكلت معارفي، فمن خلال القاهرة ومثقفيها وفنانيها عرفنا معنى الفن، وبسببهم أحببت الفن والإبداع”.

ويضيف عبد الرحيم قائلا: وقد حصلت من مصر على جوائز عديدة، كانت أولها عام 1999م، من خلال جائزة لجنة التحكيم للحفر بترينالي الحفر العالمي. وشاركت في معارض كثيرة في القاهرة والإسكندرية كان أولها، معرض شخصي في دار الأوبرا المصرية عام 200م.

يقول عبد الرحيم عن تجربته: “إن اللغة المكتوبة كنتاج معرفي واللغة المرئية كنشاط بصري جمالي تتماهيان لتنشأ معا نصا جديدا مرمزا وبشكل إيحائي، تصبح له إشراقات ودلالات خاصة.

يقول الشاعر السوري الكبير “أدونيس” عن تجربة جمال عبد الرحيم: “الصلة بين اللون والواقع والكلمة فهي واقعية، لا مرجعية ولا سند لها، الصلة تجريد خالص، مضمرة، غير مرئية، كيف إذن يتحاور معنيان لكل منهما لغته الخاصة، ومعرفته الخاصة في التعبير، أحدهما ظاهر والآخر باطن، أو كيف يتحاور المرئي واللامرئي؟،. هذا ماتحاول أن تجيب عنه بطريقتها الخاصة، تجربة جمال عبد الرحيم”.

جدير بالذكر أن “جمال عبد الرحيم” قد صدرت له عدة كتب يدوية منها “نوران” بالمشاركة مع الأديب البحريني الراحل فريد رمضان، و”كتاب المعلقات السبع” عام 199م، و”كتاب نشيد الليل” 1998م، و”كتاب نشيد الروح” 1999م، و”كتابرشم” بالمشاركة مع الشاعر اللبناني شربل داغر، و”كتاب الكتاب” مع أدونيس والخطاط عبد الإله العرب عام2001م.