أسامة مهران يكتب: نواب .. والله أعلم!!

لأول وهلة صدمتني المفاجأة، لم أتصور أن ممثلي الشعب أو بعضًا منهم يمكن أن يضعوا بعد فوزهم في الانتخابات ستارًا حديديًا عليهم، لم أتخيل ولو للحظة واحدة أن الوعود بأن يظل النائب خادمًا لأبناء دائرته على مدار الساعة سوف يغلق هاتفه، ولا يستقبل إلا ما يحلو له من مكالمات أو شخصيات.

المفاجأة أن البعض أصبح يضع هذه اللافتة لو استقبل تطبيق “الواتس آب” على هاتفه أية رسائل من أي نوع: “تواصلكم محل اهتمامنا، نسعى جاهدين للرد على استفساراتكم في أقرب فرصة ممكنة، أوقات العمل في شهر رمضان من 10 صباحًا إلى 2 بعد الظهر، لطلبات التوظيف الرجاء ملء الاستمارة التالية”.

ما هذا الذي يحدث يا أصحاب السعادة، هذه الرسالة المهينة التي تفترض جدلاً أن كل من يتصل أو يرسل رسالة إلى سعادة النائب أو النائبة هو بالضرورة باحث عن عمل، إن الباحثين عن عمل أيها السيدات والسادة لن يذهبوا إليكم، لأنهم لن “يطولوا شيء” حتى وإن وفقكم الله في بعض المحاولات.

هاتف النائب أو النائبة ليست مكتبًا للتوظيف، وليس حائط مبكى للباحثين عن فرصة لوجه الله، وهو ليس مكتبًا للتظلمات من ضنك العيش واستقبال طلبات الإعانة من المحتاجين والمعوزين وأبناء السبيل.

هاتف النائب أو النائبة أو تطبيقاته واتس آب وخلافه هو لكل الناس، لكل المتصلين لسبب وجيه أو حتى غير وجيه، ليس كل المتصلين باحثين عن عمل، وليس كل المتواصلين معكم يحتاجون منكم أي شيء والعياذ بالله.

نحن كصحفيين نعلم أن للنائب مهام دستورية لا يمكن أن يتجاوزها، الكارثة أنه حتى هذه المهام لا يدركها البعض، والأسوأ أن المتصل يمكن أن تكون لديه فكرة جديرة يستفيد منها النائب الموقر أو النائبة الموقرة، المتصل ليس بالضرورة هو طالب عمل، أو باحث عن وظيفة، أو منتظرًا حسنة لوجه الله.

عندما انتخبناكم ومنحناكم أصواتنا كنا مصدقين أنكم على “قدر أهل العزم تأتي العزائم”، وعندما وثقنا فيكم كنا مؤمنين بأن الجيل الجديد من الشباب يمكنه الانصهار مع أصحاب الخبرات حتى نخرج بمجلس نواب متنوع وجدير بتحمل مشقة التواصل مع الناس، والتعبير عن قضاياهم والنزول إلى رغباتهم واحتياجاتهم المتعاظمة.

عندما منحنا لكم أصواتنا التي هي أمانة في أعناقنا مثلما هي المفروض أن تكون أمانة في أعناقكم أن تنزلوا قليلاً من أبراجكم العاجية، من عروش خيالاتكم الواسعة والإحساس بأنكم بلغتم المرتبة المأمولة على أكتاف شعبكم الوفي، لكنكم لم تكونوا أهلاً لها.

لا يجب أن يصور الخيال الخصب للبعض أن المجلس النيابي تشريفًا وليس تكليفًا، أو أنه وجاهة اجتماعية ينال من خلالها بعض الطامحين لقب سعادة ويتقاضى عليها أجرًا محترمًا من الدولة المحترمة.

هل جربتم ولو لمرة واحدة التنازل عن هذا الأجر ولو لشهر واحد من أجل دعم الأسر المحتاجة، والأرامل والأيتام وأصحاب الأمراض المستعصية؟ هل جرب أحدكم التنازل عن سيارته الفارهة من أجل كسوة العيد للمحتاجين ودعم غلاء المعيشة لمحدودي الدخل والاكتفاء بالسيارة القديمة التي كانت في حوزتكم قبل أن يمنحكم الشعب صوته متأملاً منكم الخير كل الخير، وليس التجاهل كل التجاهل؟

بالتأكيد الأسئلة صعبة ولكن ولأن المقعد النيابي الوثير تكليفًا وليس تشريفًا، ولأنه مسئولية من قبل أن يكون وجاهة اجتماعية، فإن المطلوب من نوابنا الأشاوس أن يخرجوا من قمقمهم المغلق، أن يعيدوا التواصل مع الناس، أن يفتحوا أبوابهم ليس للولائم والاحتفالات الصاخبة والمجاملات المبالغ فيها.

افتحوا هواتفكم ومكاتبكم للناس كل الناس، ولا تضعوا البرامج المكشوفة حتى لطفل صغير والتي لا تظهر للمتصل أنكم استقبلتم رسالته بهذا الاستخفاف وهذا التجاهل وتلك الرسائل النصية المهينة.

إن بعض المتصلين يا أصحاب السعادة يمكن أن يكونوا يسعون لتنويركم حول فكرة، حول قضية، حول سؤال للحكومة الموقرة، أو حول فرصة لا يمكن لها أن تنتظر حتى لا تذهب لمن لا يستحقها، وقد يكون المتصل محتاجًا أو مأزومًا أو مكلومًا وهذا ليس بعيب، العيب أن تتجاهلوا رسالته، أو اتصالاته، أو تواصله معكم، العيب كل العيب ألا تعودوا إليه في اليوم التالي وتتواصلوا معه لو كانت رسالتكم النصية المغلقة هي حق لا يُراد به باطل، أو أنها صادقة من قلب نائب للشعب، إلى قلب كل الشعب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى