أسامة مهران يكتب: خطاب باسمة مبارك بالبرلمان

لم تفاجئني النائبة باسمة مبارك وهي تتحدث بمنتهى الشجاعة عن مستوى المعيشة موجهة كلامها لرئيس البرلمان، فكنت قد التقيت بها عدة مرات وفهمت من طريقة تفكيرها أنها تريد أن تفعل شيء للمواطن محدود الدخل.
خطاب باسمة مبارك تحت قبة ممثلي الشعب يمس حياة الإنسان البحريني في الصميم، يدخل إلى احتياجاته المتزايدة، إلى مستويات دخله المتراجعة، إلى التضخم وماذا فعله بالناس، إلى أسعار السلع التي ترتفع بحكم أننا نستورد معظم حاجاتنا من الخارج.

نعم.. إنها أسعار عالمية، لكنها تنعكس على المواطن البسيط، على الرواتب التي لا ترتفع منذ عام 2011، وعلى كل الإعانات وأشكال الدعم التي لم يتحرك لها ساكنًا منذ سنوات.

دور الحكومة واضح للجميع، محاولة ناجحة لضبط النفقات، بالتحديد في بند المصروفات المتكررة، بتحديد أكثر في ميزانية المشاريع التي تلعب دورًا كبيرًا في زيادة النمو الاقتصادي، ودورًا أكبر في لجم مستويات الدين العام إسوة بالناتج المحلي الإجمالي.

سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله ورعاه في أكثر من حديث بشرنا بأن الدين العام قد تراجع خلال سنة واحدة بنسبة تفوق الـ40% مقارنة بالحجم الكلي للاقتصاد (من 144% – 101%)، وهذا يعتبر بأي مقياس اقتصادي وأي مؤشر تنموي إنجاز غير مسبوق ضمن معايير القياس العالمية ومؤشرات الأداء التنموية.

النائبة باسمة استنجدت بالدستور وبكلمات حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم أعانه الله على مسئولياته، ووفقه فيما يؤرق مخادع شعبه، وما يحقق لهم النماء والاستغناء والقدرة على مواجهة التحديات.
النائبة كانت شجاعة، وكانت على مستوى التحدي أمام نواب ننتظر منهم المزيد وهم يتحدثون عن غلاء المعيشة، وهم يتجاهلون مطالب الفئات التي نعتبرها مهمشة رغم الضجيج المثار حولها أو عنها.

الكلام تحت قبة البرلمان كثير، والمطالب النيابية أكثر، لكنها تواجه بحوار تنقصه الصراحة ودقة المواجهة ونجاعة الحلول، كلام تحت القبة يحدث ضجيجًا ولا ينتج طحينًا، يا ترى كيف يمكن يا سعادة النائبة لجم التضخم، وكيف يمكن للدولة أن ترفع الرواتب رغم أن معدل النمو الاقتصادي يذهب إلى تخفيض الدين العام؟ السؤال وجيه، ويحتاج إما للصبر على المكاره، وإما أن نتحمل فاتورة الارتفاع المضطرد للأسعار بفعل أوضاع عالمية أكثر مما يمكن أن نصفه بوضع “محلي شديد البأس”.

نعم .. إننا نستورد التضخم مع “الروب” الذي ارتفعت أسعاره بنسبة 100% (من 600 فلسًا إلى دينار و 200 فلسًا للشدة الواحدة)، اعتبارًا من مطلع العام الجاري 2023، وقِس على هذا المنتج الذي تم ضبطه متلبسًا على أرفف محلات السوبرماركت وهو مرتفع بهذه النسبة المبالغ فيها.

يقولون: فتشوا عن التجار، وأنا أقول والنائبة معي: فتشوا عن بدائل، أعينونا على رجاحة التفكير، على جادة الصواب، على البحث عن “زبادي” محلي، عن شركة وطنية تقوم لكي تنافس، وتبدأ العمل لكي تقينا شر التضخم المستورد.

القضية ليست في “كوب روب” أو حتى في “كوب حليب” من شركة “ما”، لكن المعضلة في غياب المنتج المحلي الذي يقاوم التضخم، الذي ينافس من حيث الجودة والسعر ويضرب الاحتكار.

المشكلة في أننا لم نبحث عن بدائل إلا من منظور استهلاكي وليس من منطلق إنتاجي، لم نفكر في بناء مصنع جدير وقادر، ولم يحاول رجال أعمالنا إعادة إنتاج تجربة مصنع أوال والمروج أو الشركة البحرينية الدانمركية للألبان، التي واجهت الكثير من الصعاب بسبب المنافسة غير المتكافئة مع السلع الشبيهة القادمة من الخارج، والتي رغم صراخ وشكاوي مساهميها ومجلس إدارتها إلا أن أحدًا لم يُعِدها إلى عجلة الإنتاج المنافس مع التحديات العابرة للحدود، والسلع القادمة من كل حدب وكل صوب عبر العديد من المنافذ والنوافذ والاتفاقيات.

باسمة مبارك أثارت القضية وهذا توجه محمود، لكن ننتظر منها أن تضع لنا الحلول، أن تذهب شجاعتها لمدى أعمق من مجرد إتاحة الفرصة لغبار التضخم كي يزكم أنوفنا، أو فتح الباب على مصراعيه لمناقشات لا تنتهي ونحن في أمس الحاجة لبديل سريع يعين المواطن البسيط، ويخرج به من أعباء معيشية ما أنزل الله بها من سلطان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى