أحمد فرحات يكتب: الرواية النفسية

قليلة هي الروايات النفسية عند الروائيين العرب، لكنها كثيرة ومتنوعة  لدى الروائيين الغربيين، وتعد رواية مدام بوفاري لجوستاف فلوبير هي رواية سيكولوجية بامتياز. وحسب علمي أن المحاولات العربية لتقديم نموذج رواية سيكولوجية (نفسية) قليلة للغاية.

ربما لأنها رواية تعتمد على استعداد خاص من الروائي، وقراءة ناقدة نافذة إلى مضمون الشخصية المراد التعبير عنها روائيا؛ لأنه يقرأ قراءة امتصاص لا قراءة تناص، أو تلاص.

ومع ذلك فإننا لا نعدم وجود الرواية النفسية بكل جوانبها وسماتها الفنية والدلالية؛ لأن الروائي المعاصر يكون في أشد الاحتياج للدقة المتناهية فيما تستدعيه بنية العمل الروائي من تكثيف السرد الباطني وتوظيفه كآلية أساسية من آليات السرد الروائي.

ولذا فقد وجدت رواية مقتل دمية للروائي السعودي حامد الشريف منفذا في جدار الأعمال الروائية المتعددة على الصعيد المصري والعربي تستعرض فيه مكاشفة جادة تتحدث عن وشائكية الصراع، وعمق المتخيل والإيحائي للوصول إلى مناقشة القضايا الاجتماعية والفكرية الشائكة في مجتمعه، وهو يستلهم طرائق خاصة يسخر لها مخزونه الفكري والفني لإحداث توازن ثقافي مع الواقع الاجتماعي المعيش في بلاده وبلاد الغرب معا.

تقدم الرواية رؤية جلية لشخصية مضطربة نفسيا، هي شخصية البطلة(سارة) التي تتعرض لغبن عائلي قاس من العائلة، يجبرها على الذهاب إلى بلاد الغرب، وتتجه المعالجة السردية للبطلة من خلال اضطراب نفسي مثير للقارئ تارة، ومحفز لفضوله تارة أخرى، أحيانا يكسر المدار السردي أفق توقع القارئ، عندما تنوي سارة خلع الحجاب أمام حبيبها، والكاهنة (الرمز الديني) وتفاجأ سارة بأنهما يرفضان تصرفها رفضا تاما، في مفاجأة غير متوقعة من المجتمع الغربي. ومن هنا استطاع الروائي الإمساك بتلابيب عقل القارئ ولم يتركه فريسة للملل والسأم الناجم عن قلة عدد شخصيات الرواية.

العنصر الأبرز في الرواية النفسية توظيف الروائي لتيار الوعي والأحلام بشكل متكرر ، ومتحرر في آن معا، عبر الشخصية البطلة؛ فالرواية النفسية تعتمد على مهارة الروائي في توظيف الحلم واختلاطه بالعالم الواقعي؛ فالمرأة النموذح هنا عاشت تحت وطأة القهر العائلي، والضغوطات الأسرية مما أوقع البطلة في منطقة المابين، وهي منطقة قلقة بين الوعي واللاوعي.

وتعد رواية (مقتل دمية) نموذجا جيدا للرواية النفسية، ورواية تيار الوعي، من حيث توظيف المنولوج الداخلي للبطلة، فهي رحلة لا عبر المشرق والمغرب؛ بل هي رحلة عبر الداخل النفسي الرحب، فالنفس مدارها، والحلم وسيلتها، وتقلبات الخاطر أداتها، فكل ملاك يلقاها ينقلب شيطانا رجيما.

والملاحظ في الرواية النفسية أن الروائي في سبيل عرض آرائه الذاتية والجماعية والتغلب على الضغوطات النفسية يستلهم طريقة خاصة تسمى حكاية الباطن النفسي، يسخر لها مخزونه الثقافي وإلمامه المعرفي بنظريات فرويد وتفسيراته دون أن يظهر ذلك في عمله؛ بل يستطيع القارئ استكناهه بجلاء وشغف.

ومن الروائيين الذين اعتمدوا الآلية النفسية كأداة أساسية لبناء رواياتهم محمد حسن عواد في رواية (موت صغير) حيث توغل السارد في شخصية ابن عربي الذاتية وسبر أغوار نفسه العميقة، ورواية (فسوق) لعبده خال، وغيرهم ممن اتخذ السرد الباطني مدخلا لشخصياته المنتقاة بعناية، سواء كانت تاريخية معروفة لدى المتلقي، أو اجتماعية يسلط عليها السارد كاميرته الذاتية لتبيان ملامحها وتخومها النفسية الباطنية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى