أحمد فرحات يكتب: أدب الاعتراف

دعاني صديق وهو أستاذ كبير في كلية الآداب أن أثير قضية أدب الاعتراف (العربي)، فراجعت المادة المكتوبة والمسموعة والمرئية عند العرب وغيرهم من غير العرب فهالني ما قر في ضميري النقدي والأدبي.

ما أسهل أن نطلق المصطلح الغربي ثم نسعى إلى تأصيله عند العرب، والنبش عن مدلوله لدينا حتى بلَي عنقه، وتطبيقه على أدبنا قسرا. حقا فما أظرف ذلك من عنقاء مُغرِب، ومن سفاد الغراب!

ظهر مصطلح “أدب الاعتراف” عند الغربيين لدى جان جاك روسو وأوسكار وايلد وأندريه جيد، بمعنى أنه مصطلح غربي النشأة والدلالة، وقد يلقى إقبالا لديهم، فثقافتهم وحضارتهم وأيديولوجيتهم قد تسمح بذلك دن حرج أو خجل.

ولأننا ننقل كل ما يدور في الغرب دون وعي فقد أراد منظرو النقد العربي استغلال شيوع المصطلح وألصقوا به “أيام” طه حسين على أنها اعترافات، والواقع أن كتب السيرة الذاتية هي منجم ضخم لأدب الاعتراف، وأمه وأبوه، فاغترفوا منها ما يشير إلى تأصيل المصطلح عربيا، وأضافوا إليها اعترافات لويس عوض، ورواية الخبز الحافي لمحمد شكري، وتوسعوا في ذلك أن نجيب محفوظ أخذ من تجربته الشخصية حين خلق شخصية (عطية) في الجزء الثالث من الثلاثية الشهيرة له، واكتشفنا فيما بعد أنها هي في الحقيقة زوجته الحالية وتزوجها بنفس الطريقة التي كتبها في الرواية!!

والحق أن المرء إذا تحقق له نبوغ ونجاح كبير فإنه يتذكر لحظات ضعفه وانكساراته في الحياة فيلجأ إلى تفاصيل هذه الانكسارات ليظهر تمكنه وقوته في مجابهة الحياة وقسوتها. أما اعترافات لويس عوض التي أثارها في حوار مع رجاء النقاش فقد اعترض عليها ذووه فحذفها في طباعته الجديدة في كتاب مستقل.

يبقى تأمل العمل الروائي لرجل أو امرأة وهي منطقة حذرة وقلقة، فالرجل أو المرأة إذا تناول عملا روائيا أو شعريا فإن النقاد سرعان ما يتهمونه بسيرته الذاتية في تناول شخصية من الشخصيات، وهذا أمر لا مفر منه، فقد يتأثر الروائي بحياته الشخصية وسيرته ولكنه لا ينبغي أن يقول أن هذه الشخصية أو تلك تعنيني أنا، ولكنه تطفل من النقاد الذين يمارسون فعل العوام ويتفقدون تفاصيل التفاصيل من الحياة الخاصة لهذا أ ذاك.

إن ما يسمى بأدب الاعتراف هو في جوهره فضائح تنشر علنا، دون داع حقيقي إلى ذلك، وليظل الأمر قابعا في الضمير أو داخل أعماق الأنا الفاعلة، حتى إذا صرح المبدع بأنها تعنيه هو، فأحيانا لا يخجل المبدع من ذكر فضائحه الخاصة، للتباهي والزهو بأنه كان يوما دونجوان.

.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى