لماذا أختفى تأثير الشعراء على المجتمعات العربية ؟.. شعراء يجيبون
ثمة صحوة شعرية فى ستينيات وسبعينيات وصولا الى ثمانينيات القرن الماضى قادها عدد من الشعراء أمثال محمد عفيفى مطر، وعبد الرحمن الأبنودي، حلمى سالم؛ ومحمود درويش، وأمل دنقل، وغيرهم كثيرون ممن كانت قصائدهم يتغنى بها الناس وأهل الطرب؛ وهو ما تراجع مع العقود الأخيرة فى مجتمعاتنا العربية حتي أصبحت ظاهرة.. حيث يوجد فى بلداننا الشعر لكن لا تتغني به الحناجر وكان الشعر فقد تأثيره على المجتمعات العربية.
الشاعر مارك دوتي قال عن تاثير الشعر على المجتمعات “إن مشروع الشِّعر، على نحو ما، هو رفع اللغة إلى مستوى يمكن أن ينقل الطبيعة الدقيقة للتجربة الشخصية… عندما يكون الناس حقيقيين بالنسبة إليك، لا يمكنك أن ترسل طائرة إلى المبنى الذي يعملون فيه، لا يمكنك تجريف مخيم اللاجئين حيث يعيشون، ولا يمكنك قصف منازلهم أو شوارعهم بالقنابل العنقودية”.. ولعل كلمات “دوتي” يمكن أن نكتشف بعضاً من جوانب الظاهرة التى نبحث فيها.. ولعل كلمات ما سالناهم من شعراء تضىء بعضاً من الزوايا حول اسباب اختفاء تاثير الشعر على مجتمعاتنا:
سامح مجوب: الشعر مازال محتفظًا بحضوره الطاغي
فى البداية يرى الشاعر سامح محجوب ، أن يكاد يكون الشعر – من بين كل الفنون- الفن الذي مازال يحتفظ بحضوره الطاغي بل يكاد يكون الفن الوحيد الذي يمتلك ديالكتيكية التطور ذاتيًا ولم يحدث أبدًا اختفى كفن رغم ما قد يعتري المجتمعات من ردة وتراجع يؤثران بالضرورة على بنيته الفنية وخطابه الثقافي كما حدث له بمصر فى العصور( الأيوبي المملوكي والعثماني ) العصور التى لم تسجل-تاريخيًا – تواجدًا شعريًا يمكن التوقف أمامه ودراسته.
وأكمل: ورغم ذلك لم تخل هذه العصور تمامًا من أسماء (كابن نباتة والبوصيري والشاب الظريف وابن سناء الملك والبهاء بن زهير) وغيرهم من العلامات الشعرية التي وإن كانت مؤشرًا على حضور الشعر وتأثيره فهي بالمنطق ذاته تعدّ مؤشرًا على انحساره فى هذه الأسماء القليلة التي لم تتمكن من صنع تيارات شعرية تدفع بالشعر لآفاق جديدة مثلما حدث فى أواخر القرن التاسع عشر على يد البارودي وأحمد محرم واسماعيل صبري وشوقي وحافظ ومن جايلهم من الشعراء الذين كانوا بمثابة تحويلة كبرى فى تاربخ القصيدة العربية الذي ظل تأثيره وعدم تأثيرها مرتهنًا بالسياقات الاجتماعية الحاكمة لحركة الفن وتداوليته.
عدنان يوسف: مصارف البحرين تعزز أمنها السيبراني وتكافح «الهاكرز».. (حوار)
محجوب يرى أيضاً، أن السياقات التي صنعت طواطم شعرية كبيرة لم تكن بالضرورة الأعظم فنًا وإن كانت الأكثر حضورًا وشهرة وتأثيرًا وهذا ما يجيب عن السؤال الإشكالي فى الثقافة العربية؛ هل الشعر فن جماهيري ؟! أم أن الشعر والشاعر يحتاجان طيلة الوقت لسياقات تحقق لهما تواجدًا ومن ثمّ جماهيرية وتأثيرًا.
أحمد سويلم: غياب الأصوات التى تؤدى باللغة العربية الفصحى وراء عدم التأثير
أما الشاعر أحمد سويلم، رئيس لجنة الشعر فى المجلس الأعلى للثقافة، قال إن السبب وراء ذلك قد يعود الى غياب الأصوات التى تؤدى باللغة العربية الفصحى، ولعلنا نلاحظ إنحطاط شديد جداً فى الكلمات المغناة وأسلوب الغناء خاصة المهرجانات والبذاءات التى يرددها الذين طفوا على سطح الغناء؛ وبالتالى كأنهم يطردون العملة الجيدة من المجتمع ويناصرون العملة الرديئة.
واضاف”سويلم”، أن هناك ملاحظة أخرى ايضاً ان هؤلاء الذين يملؤون المجتمع بالغناء الردىء يرحب بهم فى البلاد العربية الأخرى ويتم منحهم الجوائز، وهو ما يدعونا الى ان لا نتسائل اين الشعر الآن، مؤكداً أن هناك نصوص كثيرة فى الشعر تستحق أن تغني لكن لا أحد يلتفت إليها بسبب طغيان الغناء الهابط والكلمات البذيئة، مؤكداً ان الأزمة ليست فى النصوص لكن الأزمة فى الأصوات القادرة على حمل اللغة العربية الجميلة وليس فقط على مستوى الطرب والمطربين، بل على مستوى الملحنين والتلحين متسائلاً اين الملحن الذى يحمل إمكانات فنية مثل عبد الوهاب والموجى والسنباطي وغير ذلك، مؤكداً ان الأزمة ليس فى الكلمات بل فى الكوادر التى انصرفت عن الطرب الجيد والمتع الى مخاطبة الغزائز.
سعيد شحاته: الشعراء هم الذين انصرفوا عن المجتمع وعاشوا في بروجهم
الشاعر سعيد شحاته، أكد أن المجتمع المصرى بل والعربي لم ينصرف عن الشعر.. الشعراء هم الذين انصرفوا عن المجتمع وعاشوا في بروجهم ظنًّا منهم أنهم في عصر يسمح لهم بهذا.. أو أن المجتمع سيبحث عن منتجهم كما بحث عن منتج الرواد.. الشعراء يقدرون الأمور للأسف الشديد بشكل خاطئ.. لأن العقول اختلفت والثقافات تبدلت والسوق يحكم الآن بمنطق المهرجانات وأكل العيش.. فالإغراق في البعد والتعالي والنظرة الفوقية من قبل البعض سيزيد الفجوة ويضع الشعراء في منطقة نائية بعيدة كل البعد عن مجتمعهم.
وأضاف، الإعلام هو الآخر ساعد بشكل كبير في هذا الشرخ العميق.. لأن الشعراء الجادين في أمس الحاجة لمنابر تدعمهم وتقدمهم بشكل لائق لمناهضة هذا العبث الذي نحياه الآن إذا كانوا يريدون التواصل مع الناس والتخلي عن شرنقة السمو وغريب اللغة ومستهجنها.. وقتها سيكون وجودهم إضافة.. لأن الشاعر والمثقف أهم بالتأكيد من مطرب المهرجانات إذا حصل على فرصة حقيقية..أهم على المستوى الرؤيوي والفكري والفلسفي والتنويري وعلى مستويات كثيرة.
وأختتم تصريحاته بالقول إن المجتمع في أمس الحاجة إلى المثقف المبدع.. والشاعر في أمس الحاجة إلى المجتمع.. لكن من يزيل الفجوة؟.. هذه هي المعادلة الصعبة.
أحمد الجعفري: الشعر يرتبط بالأحوال الاجتماعية رواجًا واضمحلالا
فى السياق ذاته، قال الشاعر أحمد الجعفري، إن الشعر هو منتوج وجداني يروج ويزدهر في المجتمعات التي تعلو فيها قيمة الإنسان وهو يرتبط بالأحوال الاجتماعية رواجًا واضمحلالا ويمكن اتخاذه مؤشرًا لقياس الحالة الوجدانية للأُمّة ، وقدرتها على العطاء والتأثير في محيطها ومن هنا فإن حضور الشعراء في المشهد السياسيّ والاجتماعيّ بحسب نصيبهم في هذا المشهد والذي تتيحه السلطة السياسية أو الظروف الاجتماعية (والأمر برُمته يرتبط أيضًا بالحريّات).
شاهد أيضًا.. أحمد السلوم: ندعم شباب رواد الأعمال بالتمويل ودراسات الجدوى(حوار)
وعليه … فإن غياب تأثير الشعراء في مجتمعاتهم يتوازى مع تهميشهم وتهميش الثقافة كعاملٍ أساسيّ في بناء الأمة، والتي اعتمدت السلطات في بلادنا على المادة الاقتصادية والاسمنتية التي لا تراعي الجوانب الوجدانية الضرورية لبناء الأُمم، فإن غياب تأثير الشعراء في مجتمعاتهم هو أمر مقصود من الدكتاتوريات السائدة التي تضيق بالشعر وأهله الذين يؤمنون بالحرية ويسعوْن لسيادتها.
اقرأ ايضًا:
روائيون ونقاد يكشفون أسباب الخلط بين الكتابة الشعرية والروائية فى الأعمال الأدبية