كمال الذيب: دور المثقف اقتصر على واجهة لامعة لسلطة و مريدين (حوار)

– الدولة والدولة المضادة كوميديا مجتمعية باكية
– كثير من المثقفين هربوا عن الساحة واختفى تأثيرهم
– المجتمع في أمس الحاجة للمثقفين وقوتهم الفاعلة

لم ينع المثقف العربي ولم يمش في جنازته، لكنه امتدحه حتى إشعار آخر ووجه له اللوم إلى أجل غير مسمى.
ذهب بظروفه المستحيلة إلى مثواه الأخير، ودفن في عجالة من أمره كل الآم السنين، ثم يجلس يفكر ويفكر، كيف يا ترى ومتى يقوم المثقف العربي بدوره الملغي هكذا بدأ المفكر والأديب والصحفي الكبير كمال الذيب حواره مع موقع” مباشر 24″ راثيًا أوضاعنا الثقافية ومجتمعاتنا الهشة وزوايا رؤيتنا الغامضة.

لقد قلت في إحدى مقالاتك المنشورة بتاريخ 26 يونيو 2022 ” أنه لم يبق من المثقف سوى تمثال في متحف أكاديمي وأصبح لا يتجاوز كونه وجهة لامعة لسلطة أو لمريدين.. ماذا كنت تعني بذلك؟

ما كنت أعنيه قلته، وهذا يعني أنني أرى المثقف من زاوية غياب الصوت، من سكوته وابتعاده عن الحراك اليومي للمجتمع، وأراه بظلاله السلبية على الأوضاع السياسية والاقتصادية والثقافية، وما يتعلق بأي دور عقلاني فاعل ومؤثر.
أسماء كبيرة من المثقفين تتوارى اليوم عن الساحة، تبتعد عن الإعلام والثقافة، أو تبتعد عنهم الصحافة والإعلام، ما أدى من حرمان المجتمع من التأثير الفاعل للفكر المستنير والخبرات المهمة، فيما يحتاج إليه المجتمع، من كل صوت عاقل وكل فكر جاد بل وإلى كل ما يجد على الجانب الآخر من أشباه المثقفين بكل ممارساتهم التافهة والمستشريه التي يتسع نطاقها يومًا بعد الآخر.

وهل سيختفي المثقف تمامًا؟ وهل سيستغني عن المجتمع ويستغنى المجتمع عنه؟

إن المجتمع سيبقى في أمس الحاجة للدور الفاعل لقوى المثقف الحية بقدراته الاستطلاعية لنصائحه السباقة، ولفكره العميق، النخبة المثقفة التي غابت عن المجتمع، هذه القوى لابد لها وأن تعود لساحة التأثير والتنوير، وأن تبتعد عن أي ترفع أكاديمي أو أي هروب باسم عدم التنازل أكثر فأكثر، ليس مفهومًا تواري هذه القوى عن الأنظار وليس معروفًا بالضبط لماذا نأت هذه الطبقة الحية بنفسها عن الحياة السياسية والاجتماعية.
ليس مقبولًا هذا الاحتماء ببعض الأنشطة القطاعية المعزولة التي تبتعد بها عن قضايا المجتمع الرئيسية خاصة تلك التي تهم الناس وتحتاج إلى تحليل وتوضيح للرؤية ومقاومة التفاهات.

ما الذي يمنع المثقف برأيك من القيام بهذا الدور؟

أفهم أن هناك موانع بل محاذير، خاصة بالنسبة لعلاقة المثقف بالكتابة اليومية للناس مثلًا، بسبب الحاجة الملحة إلي تبسيط المعقد أو مواجهة الأفكار السائدة، لكن لنتذكر أيضا أن أفضل الدراسات وأروع المقالات التي تنشرها الصحف العالمية الكبرى اليوم هى لكبار المفكرين والمثقفين والفلاسفة.

إن أهم الإسهامات التي يتم من خلالها توجيه الرأي العام يتم من خلال هؤلاء وبصفة أكثر خصوصية تصدير المفاهيم المختلفة والخلاقة للمجتمع، هو ما يحددد بالتالي مستقبل الناس في تلك البلدان وتصويب خبراتهم، لذلك لا ينبغي أن يقتصر دور المثقف على الانغماس في العمل الأكاديمي بعيدًا عن تحولات الواقع وتجاذباته وإشكالياته.

بل ينتظر أن يكون للمثقف دور ريادي في تحليل الواقع الذي يعايشه ويشكل فيه قوة نقد إيجابية ومنصة اقتراحات فاعلة، فالتاريخ ينبئنا بأن المثقفين هم الذين أسهموا في إحداث التحولات الكبرى للأمم والشعوب، أو حتى بالتمهيد لها أو توجيهها لتصب بالنهاية في الوعى الجمعى.

هذا الكلام يعني أن المثقفين هم الذين يغيروا التاريخ ولا يكتبوه فقط؟

بالطبع لا، دعوتي تعتمد على ضرورة استنهاض قوى العقل في مواجهة الخواء والفوضى والتافهة والتدني والهشاشة، ذلك لأن التاريخ يتغير عندما تتحول الأفكار إلى ارهاصات مجتمعية فاعلة وإلى مشروعات غير قابلة للنهوض بالكتلة الحرجة للمجتمع.
للمثقف رسالة ودور، وإن فقدت هذه الرسالة وذلك الدور ، ببوصلتيهما فإن توجيه المجتمع سيصبح في مهب الريح.

لم تتحدث عن دور الدولة والدولة المضادة في هذا الصدد؟

هذا السؤال جاء متأخرًا بعض الشئ حيث أن الدولة رفعت يدها تمامًا في بلادنا العربية ولم تعد تلعب أي دور في عالم الثقافة بمفهومها الشامل وليس بقوتها الناعمة المتمثلة في الأفلام والمسلسلات والأغاني الهابطة.

أما الدولة المضادة فقد انقسمت على نفسها وانشطرت إلى شيع وقبائل، أخطرها على المجتمع تلك التي تخوضها تيارات وتمارس سطوتها عليها جماعات وتحارب بالنيابة عنها مليشيات.

أما الدولة التنويرية والتي أرتأى المثقفون أن الإنزواء أو الهروب المؤقت أو التخلي عن المواقع الوثيرة من الممكن أن يساعده على ترقيع الثوب ولملمت المتناثر من الجهود مما قد يعيد المثقف إلى دوره الطليعي الطبيعي ليساهم في إعادة البناء وترميم الآيل من الأفكار وتعويض المجتمع عن حقبة مظلمة لم يكن للمثقف فيها أي دور فاعل أو مؤثر في الناس.

اعتدنا أنك تنهى معظم مقالاتك في الصحف بهمسة أخيرة .. ما هي الهمسة التي تحب أن تنهى بها حوارك؟
أرقد يا صديقي في صمتك الأخير فلم يعد من حولك ما يستحق الكلام.. اغمض عينيك وارحل ولا تخلف وعدك بالموت.

اقرأ ايضًا:

الروائية سلوى بكر: رواية ” ليل ونهار” تكشف الجانب السرى في عالم الصحافة (حوار)