«كان حديث أهل القرية».. حكايات الشيخ راغب مصطفى غلوش

 

ولد القارئ الشيخ راغب مصطفى غلوش قارئ المسجد الدسوقي في بدسوق يوم 5/7/198 بقرية برما أراد والده أن يلحقه بالتعليم الأساسي ليكون موظفا كبيرا ولكن تدبير الأمور بيد الخالق جلت قدرته فالكتاتيب كثيرة بالقرية والإقبال عليها ملحوظ وملموس وكان الناس في ذلك الوقت يهتمون بتحفيظ أبنائهم القرآن ليكونوا علماء بالأزهر الشريف لأن كلمة عالم لا تطلق في نظرهم إلا على رجل الدين وخاصة إمام المسجد الذي يلقى خطبة الجمعة.

إشارة الأقارب

ولحكمة لا يعلمها إلا الله أشار أحد الأقارب على الحاج مصطفى غلوش بأن يأخذ ولده راغب ويسلمه لأحد المشايخ المحفظين لكي يحفظه القرآن ولأن النازع الديني موجود بقوة في قلوب أهل الريف أمثال الحاج مصطفى جعلته يوافق على هذه الفكرة وصرح لابنه راغب بالذهاب إلى الكتاب بعد انتهاء اليوم الدراسي ولكن الموهبة أعلنت عن نفسها فكان الطفل الصغير ابن الثامنة حديث أهل القرية وخاصة المحفظين والحفظة وكان لجمال صوته الاثر الواضح في شدة اهتمام سيدنا به وإسداء النصح له والمراقبة الدائمة لأنه توسم فيه الخير وتوقع له مستقبلا زاهرا بين مشاهدير القراء وكان ذلك سببا في تفوق الطفل راغب في حفظ القرآن الكريم قبل سن العاشرة وبعد حفظه التام للقرآن جوده بالأحكام على يد الشيخ عبد الغني الشرقاوي بقريته برما.

وفي الرابعة عشرة من عمره ذاع صيته بالقرى المجاورة حتى وصلت مدينة طنطا معقل العلماء وتوالت الدعوات وانهالت عليه من القرى والمدن القريبة من قريته في شهر رمضان.

وفي عام 1953 بقرية محلة القصب بمحافظة كفر الشيخ وكان سنه 15 سنة كانت المهمة شديدة الصعوبة في البداية كيف يحتل المكانة المرموقة وسط جو يموج بمنافسات ضارية بين جهابزة تربعوا على عرش التلاوة في هذه البقعة بوسط الدلتا والوجه البحري وخاصة محافظة الغربية التي نشأ فيها الشيخ راغب في ظل وجود عملاقين فيها على مقربة منه الأول الشيخ مصطفى إسماعيل والثاني الشيخ محمود خليل الحصري وكل منهما نشأ في إحدى قرى طنطا والتي إحدى قراها قرية برما منشأ الشيخ راغب.

الشيخ مصطفى إسماعيل

لم يعبأ  القارئ الشاب والفتى الطموح بما يسمع وما يرى من احتدام للمنافسة التي أشعل فتيلها الشيخ مصطفى إسماعيل القارئ الفذ فكان لزاما على الشيخ راغب أن يبحث عن العوامل التي تساعده على الوقوف على أرض صلبة وقواعد متينة من خلالها يستطيع أن يلبي دعوة ربما يصادفه فيها واحد من هؤلاء ففطن إلى أن المجد لا يقبل من تلقاء نفسه وإنما يجب على طالبه أن يسعى إليه بالجهد والعرق والمثابرة فبحث الشيخ راغب عن شيخ متين في علوم القرآن يتلقى عليه علمي التجويد والقراءات فاتجه إلى قبلة العلم القرآني بمدينة طنطا والتحق بمعهد القراءات بالمسجد الأحمدي وتولاه بالرعاية المرحوم الشيخ إبراهيم الطبليهي.

يقول الشيخ راغب ووقفت لأن أجعل من وجود الشيخ مصطفى إسماعيل بمنطقتنا دافعا ومثلا أعلى فحاولت تقليده واتجهت إلى مدينة طنطا بحثا عن عالم قراءات فوجهني أحد المعارف إلى رجل بالمعهد الأحمدي اسمه المرحوم الشيخ إبراهيم الطبليهي الذي علمني التجويد والأحكام السليمة وقرأت عليه ورش وأهلنى لأن أكون قارئا للقرآن الكريم قراءة صحيحة وكان الالتحاق بالمعهد الأحمدي الفضل الأكبر في أن أقرأ القرآن كل يوم بالمقام الأحمدي وخاصة بين أذان العصر والإقامة فالتف الكثيرون من حولي بفضل الله دخلت قلوبا كثير من الناس وخاصة لأنني كنت أقلد الشيخ مصطفى في أدائه الرائع المحبب لدى الناس جميعا ودعيت للسهر بمعظم قرى محافظة الغربية وعرفت بالمحافظات المجاورة مما جعلني أثق بنفسي تمام الثقة بالجهد والعرق والصبر والحرص الشديد على القرآن وتلاوته بالتزام وتقوى.

استطاع القارئ الشاب راغب مصطفى غلوش أن يصنع له مجدا وهو صغير قبل أن يبلغ 18 حتى جاء حق الدفاع عن الوطن وطلب للتجنيد وأداء الخدمة الإلزامية الوطنية والتي لابد عنها ولا مفر منها تقدم للتجنيد عام 1958 وكان سنه 20 عاما تم توزيعه على مركز تدريب بلوكات الأمن المركزي بالدراسة.

قوات الأمن المركزي

يقول الشيخ غلوش عن هذا الأمر:” نظرا لالتحاقى بقوات الأمن المركزي بالدراسة كنت أتردد دائما على مسجد الإمام الحسين رضي الله عنه لأصلي وأتطلع لأن أقرأ ولو آية واحدة بأكبر مساجد مصر والقاهرة وأشهرها وكنت حريصا على تقديم نفسي للمسؤولين عن المسجد حتى تتاح لي الفرصة لأقرأ عشرا أو أرفع الأذان في هذا المسجد الكبير فتعرفت على شيخ المسجد الحسيني المرحوم الشيخ حلمي عرفة وقرأت أمامهم ما تيسر من القرآن فأعجب بى جدا

وذات يوم أفصحت له عما أتمناه وطلبت منه أن يسمح لي بالأذان وقراءة 10 قبل إقامة الصلاة فقال لي يا راغب إذا تأخر الشيخ طه الفشني فسيكون لك نصيب وتؤذن العصر وتقرأ العشر فدعوت الله من كل قلبي أن يتأخر الشيخ طه الفشني وكأن أبواب السماء كلها كانت مفتحة فاستجاب الله لي وتأخر الشيخ الفشني واقترب موعد الأذان فقال لي الشيخ حلمي جهز نفسك واستعد وقال لملاحظ المسجد خذ راغب علشان يؤذن فأخذني وأوقفني بجوار الشيخ محمد الغزالي رحمه الله حتى انتهى من إلقاء الدرس.

تقليد الشيخ مصطفى اسماعيل

وبحلول موعد أذان العصر وكان وقتها الشيخ مصطفى إسماعيل يضيف عبارة في آخر الأذان ويقول الصلاة والسلام عليك يا نبي الرحمة يا ناشر الهدى يا سيدي يا رسول الله فكنت أؤذن كما لو أن الشيخ مصطفى هو الذي يؤذن كل ذلك وأنا مرتدي الزي العسكري الذي لفت أنظار الناس إليه وكان هذا في رمضان والصوت في الصيام يكون رخيما وناعما وجميلا عذبا وقرأت العشر وبدأت بسورة الحاقة فانقلب جو المسجد إلى ما يشبه سرداقا في ميدان واندمجت في التلاوة بتشجيع الناس لي والله يفتح عليك الله يبارك فيك ثاني الآية دي وقرأت آيات أكثر من مرة بناء على طلب الموجودين بالمسجد ووصل وقت التلاوة إلى أكثر من نصف ساعة وعدت إلى المعسكر وفرحتي لا توصف وزادت ثقتي بنفسي مما جعل القائد يسلمني مسجد المعسكر كمسؤول عنه طوال مدة خدمتى وللح.

ق كان القائد يسمح لي بالخروج في أي وقت فكنت أتردد كثيرا على مسجد الإمام الحسين واشتهرت به وفرحت بذلك تماما لأنني أقرأ بمسجد يقرأ السورة به المرحوم الشيخ محمود خليل الحصري ويؤذن به المرحوم طه الشيخ طه الفشني ويلقي الدرس به والخطبة المرحوم العالم الجليل الشيخ الغزالي إنه لشرف عظيم يتمناه كل من هو في سني وكل من هو حافظ للقرآن، حسبما ذكر أحمد همام في كتابه “سفراء القرآن”.