“عرض محاولة للنسيان”.. رواية لـ “حمدي البطران” تحكى قصة شاب جندته الجماعات الإرهابية
رواية “عرض محاولة للنسيان” للمؤلف حمدي البطران، الصادرة عن دار غراب للنشر والتوزيع القاهرة 2022، الرواية حوالي 250 صفحة، من القطع المتوسط، تدور أحداثها على لسان البطل، وهو إرهابي سافر للقاهرة للعمل هناك وتم تجنيده، وقام بعمل عملية إرهابية بتفجير سيارة شرطة، وقتل جندي حراسة وسرقة سلاحه وتسليمه للأمير، وقام الأمير بمكافئته بتسفيره الى أفغانستان للجهاد بناء عن طلبه، بجواز سفر وبطاقة مزورة.
في الوقت بدأت الشرطة في البحث عن منفذي عملية تفجير سيارة الشرطة. وفي أفغانستان يكتشف اللعبة السياسية ’ فيعود لمصر ومنها لبلده الأصلية دراو، ومن هناك يفكر في الهرب الى السودان، والعمل في التجارة متنكرا. حتى لا تقبض عليه الحكومة وتقدمه للإعدام، ويستقل النهر الى هناك، وخلال سفره تتداعي له الأحداث كلها، ويشعر بالندم، ويتلقى رسالة من زميل له حاول تفجير قطار ركاب في الصعيد. ويتضح من خطاب زميله أن مشاعر الندم التي سيطرت عليه.
يتحدث البطل عن قريته، والده، الذي كان يعمل في تجارة الجمال من ام درمان لمصر من خلال درب الأربعين. وطفولته بعد وفاة والده، ومشاعر الحرمان والفقر الذي عاش فيه. ويتحدث عن شقيقته التي تزوجها عربي كهل وارسلت اليه تستغيث به ليعيدها الى مصر، ويتناول زملاءه وتجنيده، والحوادث التي ارتكبها هو وزملاءه، ويحكي عن فترة عمله في القاهرة في بيت سفير سابق، ويتآمر عليه ويرسل أسماء ضيوف السفير وترتب الجماعة الإسلامية عملية لاغتيالهم بعد سفره لأفغانستان.
الرواية تكشف بالتفاصيل الدقيقة العالم الخفي والسري للجماعات الإسلامية التي انتشرت بمصر في فترة الثمانينات والتسعينات، وعلاقة افرادها التنظيمية بعضهم ببعض، ونظرتهم الى المجتمع من حولهم وتكشف عن خفايا هذا التنظيم السري الذي حير الحكومة في تلك الفترة. يقول في نهاية الفصل الأول:
” شعرت بحنين القاهرة التي عشت فيها فترة، وعاملتني المدينة كواحد من أبناءها المرضي، بسطت علينا يدها الحانية، واعتبرتنا نباتا من نباتاتها، ولم تلفظني، ولكن أنا الذي لفظتها.
سأحكي تجربتي معها حتى أستريح. سأحكي عن كل شيء، شقيقتي. أنعام. شربات. عبد الشافي. شكري. مخلص. باكينام. عطوان. شعلان. ومدينة كابول. كنت قد قررت أن أتركهم وشأنهم، واطوي صفحاتهم من ذاكرتي، ولكنني سأفتح تلك الصفحات من لأجل أن أنساها. إنني أريد أن أضع كل واحد منهم، رجلا كان أو امرأة، في مكانه الصحيح الذي رأيته فيه وعرفته من خلاله. سأحكي عن كل منهم، وسأبدأ معكم من بداياتي الأولي”.
ويقول في موضع آخر: ” كنت أرتعش من شدة البرد. وخيل إلي أن هناك سيارات مدرعة تجوب كل جسدي وتدهسه، كما جابت المدرعات شوارع المدينة التي أفاقت من نومها مذعورة علي أصوات الرصاص الذي انطلق, قبل أن تنطلق مئات الحناجر في مسجد سيدي جلال الدين الأسيوطي بألف تكبيرة وتكبيرة، وغرقت المدينة في الدماء، التي ملأت النفق وتجمعت أسفله.
ونامت الجثث كأضحيات جماعية, قدموها قرابين علي مذابح خطاياهم الكبرى، ومع ذلك فلم تمتص الأرض ولا الأسفلت دماءهم الطاهرة , التي سالت بجوار المسجد الملاصق للكنيسة، وتصاعدت منه ابخرة طازجة لها حمرة قانية وكثيفة، كتلك الدماء التي سالت قبل ألف عام عند كربلاء, التي رفضت رمالها أن تمتص الدماء الشريفة، التي سالت يوم الحزن العظيم , ولكن دماءه كرم الله وجهه جفت, وجفت قبلها دماء أعدل حكام المسلمين.
وبعدها احتدم الصراع والنزاع، ورفعت المصاحف علي أسنة الرماح , وتجمعوا في الظلام الذي قبع في جوف المدينة , التي كانت تبكي زعيمها، الذي حرر الأرض , وفتح الأفواه ألتي كانت مكممه، وملأ جيوب اللصوص والقوادين بالدولارات, وصفقنا له , وقبله صفقنا للزعيم الذي جاء باليهود علي الشاطئ الآخر للقناة، والذي أجبر الملك علي التنازل عن عرش أجداده، وجده الفاتح الأعظم، الذي حكم البلاد بشارب مفتول، ولسان أعجمي، وكرباج عتيق.”
ويقول في نهاية الرواية: ” اكتشفت وحدي أن اللعبة التي غرقنا فيها لذيذة ومسلية في أن واحد، فقد كنت دائما ارفض العناد، وأرفض التحدي، وارفض أن اجاري عبد الشافي. ولكنني تحت وطأة الحاجة، وجدت أن السقوط عندي أهون من العناد الذي ورثناه عن الأجداد، الذين ماتوا كمدا، وهم يشاهدون بأعينهم سوط مملوك أرعن يهوي علي الأجساد السُمْر، وبدأت أتأهب للعودة، وكانت أنباء قد وصلتني بأن عبد الشافي سيغادر، ومعظم من كانوا مع أحمد شاه مسعود، دون سبب واضح.
عرضت الفكرة على زملائي فنصحوني بعدم البقاء في مصر والسفر إلي السودان متنكرا. وربما كانت تلك الرحلة محاولة للنسيان”.