كتب: السيد خليفة
اعتاد المسلمون في كل بقاع الأرض، قبل أذان المغرب في شهر رمضان سماع صوت المدفع الذي ينطلق قبيل موعد الإفطار، ولكن المصريين يتمتعون بميزة خاصة في مسألة مدفع الإفطار، وعندما يصيح المدفعجى “مدفع الإفطار اضرب” يبدأ المسلمون في كل مكان بالجلوس حول موائد الإفطار، وقد ارتبط ذلك في الذاكرة المصرية بالدفء الأسرى، والحنين للشهر الكريم بتواجد الأصدقاء والأحباب.
وحسب ما جاء في كتاب “أصل الكلام” للدكتور حسام شاكر، فإن المدفع له حكاية طريفة، فالصدفة هي بطلة القصة، وقد اختلف الرواة في تأريخ حكاية مدفع رمضان، فتقول إحدى القصص التي وردت عن أصل المدفع: إن خوشقدم الذي تولى حكم مصر في ١٤٦١م الذي كان يلقب بالظاهر أبى سعيد.
أول إطلاق لمدفع الإفطار
و كان يجرب مدفعاً جديداً أهداه له أحد الولاة، وتصادف ذلك وقت غروب الشمس فى أول يوم من شهر رمضان، ومع إقبال العلماء وأهالى القاهرة على قصر والي البلاد لتناول الإفطار، اغتنموا الفرصة ليعبروا عن شكرهم بتنبيهه لهم بإطلاق المدفع، وعلى ما يبدو أن الحاكم قد أعجب بالفكرة فأصدر أوامره للجنود بإطلاق مدفع الإفطار يومياً وقت أذان المغرب طوال شهر رمضان.
ولم تكون هذه هي الرواية الوحيده، فقد ازدادت الروايات والتي منها: أن “محمد على باشا” والى مصر ومؤسس حكم الأسرة العلوية، كان مهتماً بتحديث الجيش المصرى، وبنائه بشكل قوى لكي يمكنه من الدفاع عن مصالح البلاد.
وأثناء تجربة قائد الجيش لأحد المدافع التي تم استيرادها من ألمانيا، انطلقت قذيفة المدفع وصادفة وقت أذان المغرب فى اليوم الأول من شهر رمضان، حيث تسببت في إسعاد الناس الذين اعتبروا ذلك أحد أهم المظاهر للاحتفاء والاحتفال بهذا الشهر الكريم، وتم استخدام المدفع بعد ذلك فى التنبيه لوقتى الإفطار والسحور.
هل الخديوي إسماعيل هو من استقدم أول مدفع إفطار؟
وذكرى في قصة أخرى أن “الخديو إسماعيل “هو من استقدم هذا المدفع وضرب وقت المغرب وعندما ذهب إليه الناس فى اليوم الثاني لم يجدوه فأخبروا ابنته الأميرة فاطمة لتتحدث مع الخديوى بأن يجعل المدفع إعلانا بالإفطار وقد حدث فسمى بمدفع الحاجة فاطمة.
إلا أن الرواية الأكيدة هي ما ذكرها الدكتور على الطايش أستاذ الآثار والفنون الإسلامية بكلية الآثار، جامعة القاهرة في بعض المواقع الإليكترونية والتى يقول فيها: ترجع رواية الحاجة فاطمة التي ذكرت عن مدفع الإفطار إلى عام ٨٥٩هـ، ففى العام نفسه كان يتولى الحكم في مصر مملوكي يدعى “خوشقدم”.
وكان جنوده يقومون باتجربة المدفع الجديد الذي جاء هدية للسلطان من صديق ألماني، وكان الاختبار يتم أثناء غروب الشمس، فظن المصريون أن السلطان استحدث هذا التقليد الجديد لإبلاغ الناس بموعد الإفطار.
وعندما توقف المدفع عن الإطلاق ذهب العلماء والأعيان لمقابلة السلطان لطلب استمرار عمل المدفع في رمضان فلم يجدوه، فالتقوا زوجته التى كانت تدعى “الحاجة فاطمة “فنقلت طلبهم إلى السلطان، فوافق عليه فأطلق بعض الأهالى اسم “الحاجة فاطمة “على المدفع، واستمر ذلك إلى الآن.
«القانون لا يسمح بذلك».. أسرار طرد طاقم فيلم الشيطان يعظ من كندا
وفي عهد “الخديو إسماعيل” كان التفكير في وضع المدفع فى مكان مرتفع حتى يصل صوته لأكبر مساحة من القاهرة واستقر في جبل المقطم، حيث كان يحتفل قبل بداية الشهر الكريم بخروج المدفع من القلعة وكان يحمل على عربة ذات عجلات كبيرة، ومن ثم ويعود يوم العيد إلى مخازن القلعة مرة أخرى.
مكان مدفع الإفطار
ومرت الأيام والمدفع يتنقل من القلعة إلى المقطم إلى أن قالت هيئة الآثار: إن طلقات المدفع تهز جدران القلعة والمسجد فنقل إلى جبل المقطم، ثم إلى ساحة مدينة البعوث الإسلامية، ثم إلى القلعة إلى أن صار صوته المسجل يعلن بقدوم الإفطار.
وانتقل من مصر لشتى الدول، لدرجة أنهم أطلقوا على جبل بالسعودية جبل المدافع حيث يطلق من عليه مدفع الإفطار لبلة العروق كما يطلقون عليها هناك، وفي البحرين وبعض دول الخليج يطلقون على المدفع “الواردة”، فكان الناس يقولون ثارت الواردة، بمعنى أطلق المدفع.
وقد أوكلوا للمدفع هيئة إشراف يترأسها أحد شيوخ الدين لتحديد وقت الإفطار والإمساك وعندما يحين الوقت يصدر توجيهه للجندى المصاحب له: “ارم” وقد ترجع الكلمة إلى جزء من الآية القرآنية “ومَا رَميتَ إِذ رَمَيْت وَلَكِنّ الله رَمى” “الأنفال: ۱۷”.
تعددت الروايات والأسباب وتبدلت الطلقات، فبعد أن كانت طلقات نارية حية صارت طلقات فشنك نسمعها في المذياع والتلفاز.
اقرأ ايضًا:
«قرأ عليه آيات الذكر الحكيم».. حكايات الشيخان محمود البنا والشعراوي