التاريخ السري لـ”المسحراتي” على مر العصور في الدول العربية
كتب: السيد خليفة
يزخر شهر رمضان المبارك بالكثير من العادات الموروثة التى لا يمكن استرجاعها أو استشعار مذاقها إلا في هذا الشهر، تغيب طول العام لتعود وتحيا في رمضان ومنها المسحراتي الذي يصيح اصح يا نايم وحد الدايم، وقوموا إلى سحوركم جاء رمضان يزوركم “أو ينادى على الناس بأسمائهم اصح يا عصام اصح يا إسراء”، ورغم ظهور الأجهزة الذكية والمنبهات، فإن المصريين يفضلون سماع طبلة وصوت المسحراتي في ليالي رمضان، ليطلونا من الشرفات والنوافذ عند سماع طبلته ويبدأوا بالتهليل لمناداته لهم بأسمائهم، وهناك بعض الأطفال الذين يسيرون خلف المسحراتي في القرى والأرياف وقد يجد المسحراتى مضايقة منهم كأن يردد الأطفال “أبو طبلة مراته حبلة” لكنه يقبل هذه المشاكسات ويزداد في قرع الطبل.
حكاية أول مسحراتي
وللحكاية أصل يرويه لنا الدكتور حسام شاكر في كتابه “أصل الكلام” فأصل المسحراتى يعود إلى أيام رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فقد كان الناس يعرفون وقت السحور بأذان بلال بن رباح، ويعرفون المنع بأذان ابن أم مكتوم، حيث كان هناك أذانان للفجر أحدهما لـ”بلال” قبيل الوقت الحقيقي للفجر، والثاني لـ”عبد الله بن أم مكتوم”، ففيما رواه البخارى ومسلم عَنْ ابْنِ عُمَرَ وعَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْهما أَنّ بلالا كَانَ يُؤَذِّنُ بِلَيْلِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِنَ ابْنُ أُمّ مَكْتُومٍ، فَإِنَّهُ لا يُؤَذِنُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ).
المسحراتي في عصر الدولة العثمانية
أما البداية الحقيقية لظهور المسحراتى بالطبلة فتعود إلى عصر الدولة العباسية خلال عهد الخليفة المنتصر بالله ويذكر المؤرخون أن والى مصر “عنبسة بن 11 إسحاق، هو أول من طاف شوارع القاهرة ليلاً في رمضان لإيقاظ أهلها ودعوتهم إلى تناول طعام السحور فى عام ۲۳۸ هـ/ ٨٥٣ مـ، بذهابه ماشياً من مدينة “العسكر” في “الفسطاط” إلى “جامع عمرو بن العاص”، ليصبح المسحراتي الأول، وهناك معلومات شبه مغلوطة على الإنترنت تقول: إنه عتبة بن إسحاق، لكن الصحيح هو عنبسة.
المسحراتي في العصور ما بعد الدولة العثمانية
أما عن “المسحراتي” فى العصور التي تلتها كان يحمل طبلة صغيرة يدق عليها مستخدماً قطعة من الجلد أو الخشب ومصطحباً معه طفل أو طفلة صغيرة مع شمعة أو مصباح لتنير له عتمة طريقه، وكانت النساء تترك له على باب منازلهن قطعة نقود معدنية ملفوفة داخل ورقة ثم يشعلن أحد أطرافها ويلقين بها إلى المسحراتى الذى يستدل على مكان وجودها من ضوء النار، فيدعو لأصحاب البيت ويقرأ الفاتحة، وقد انتقل عقبها المسحراتي لشتى البلاد العربية وفي بعضها يبدو أن نومهم ثقيل فقد كانوا يدقون الأبواب بالنبابيت، أما عن البعض الآخر فمن الواضح أنه مزجنجى فكان المسحراتى يطوف البيوت بالعيدان وينشد الأناشيد والأغاني الرمضانية.
حكاية المسحراتي في بعض الدول العربية
وفى الإمارات” كانوا يطلقون عليه أبوطبيلة، ومن عباراته الشهيرة “يا نايم الليل قوم اتسحر، قوم يا نايم قوم، قومك أحسن من نومك”.
وفى “المغرب” يحرص أهلها على الحفاظ على العادات الشعبية والتقليدية في الشهر الكريم ومن معالم هذا الإرث الرمضانى “النفار” باللهجة المغربية أو المسحراتى، ومصطلح النفار لم يأت محض صدفة وإنما جاء هذا الاسم نسبة إلى آلة النفخ النحاسية الطويلة الشهيرة، أما أصلها العربى بمعنى النفير، ويعرف في القواميس بالبوق الذي يضرب لينفر الناس، ويعجلهم للسفر والرحيل أو للجهاد.
أما في “غزة” فيأخذون من نضالهم ألفاظا للسحور فينادى المسحراتى فى غزة، “اصح يانايم والحصار زايل، رمضان كريم”.
أشعار الشيخ سيد مكاوي المسحراتي
أما عن مصر فقد ارتبط المسحراتي بأغانى سيد مكاوى وأشعار فؤاد حداد الشهيرة في ديوان المسحراتي التى يغنيها سيد مكاوى “اصح يا نايم وحد الدايم، وقول نويت بكرة إن حييت الشهر صايم، الرجل تدب مطرح ما تحب، وأنا صنعتی مسحراتى فى البلد سواح، واحتل المسحراتى في المجتمعات العربية مكانة تاريخية وثقافبة.
إقرأ أيضا.. نصائح مهمة للصائمين وأصحاب الأمراض في شهر رمضان