أحمد فراج يكشف كواليس اكتشافه الشيخ الشعراوي

كتب: السيد خليفة

أذكر أن المرة الأولى التي استضفت الشيخ الشعراوى فى أواخر الستينيات، كان موضوع اللقاء من الثلاثة الذين خلفوا في سورة التوبة، في غزوة تبوك، وقلت للشيخ الشعراوي: إذا استطعنا أن نروى هذه القصة كما جاءت فى السيرة، فلن تبلغ أفضل من ذلك، لأنها قصة رائعة ترويت بطريقة بالغة الروعة.

 

وحسب ما جاء في كتاب “حوارات مع مشاهير المحاورين” للكاتب عبدالله زلطة كانت استضافت الشيخ الشعراوي الأولى ومعه الدكتور عبد العزيز كامل يرحمه الله، والذي عين فيما بعد وزيراً للأوقاف ونائباً لرئيس الوزراء ووزيراً لشئون الأزهر، وقد فوجئت بأن الشيخ الشعراوى يقدم هذا الموضوع كما لو كان يقرأه من صحيح مسلم أو من كتاب من كتب السيرة بالحرف الواحد، فكان شيئًا رائعاً، وكان في ذلك الوقت يشغل الشيخ الشعراوي وظيفة مديراً لمكتب شيخ الأزهر.

 

وعندما كنت متوجهاً لمقابلة شيخ الأزهر الشيخ حسن مأمون لتحديد موعد تسجيل معه وقبل أن التقى به كان لابد أن أقابل مدير مكتبه الشيخ الشعراوى، وبعد جلسة قصيرة معه أحسست أنني أمام عالم عظيم، وأن هذا الرجل يمكنه أن يقدم شيئًا للناس.

 

وقال “الإذاعي أحمد فراج” أود أن أركز على نقطة مهمة لابد أن يراعيها كل محاور في الإذاعة أو التليفزيون، فالبعض يتصور “خاصة في البرامج الدينية” أنه من الأفضل لبرنامجه أن يستضيف أشخاصاً كل منهم يختلف رأيه عن الآخر، وهذا ينعكس على البرنامج بالسلب لابالإيجاب، أقول لكل محاور “هات ناس تحب بعض، إذا استعنت بأشخاص في نفس أي منهم أشياء دفينة تجاه الآخر، لن يكون برنامجك موفقاً، لكن إذا ساد التفاهم والاحترام والتقدير بين ضيوفك، لابد أن ينعكس ذلك انعكاساً ممتازاً على البرنامج، وهذا أمر كنت أراعيه جدا في ندواتي وبرامجي الحوارية.

 

وقد جمعت بين الشيخ الشعراوي والدكتور عبد العزيز كامل رحمه الله لأنه رجل فاضل ويسعده أن يكون مع إنسان يدخل التليفزيون لأول مرة، ويمكنه أن يساعده ويسانده، ولم يكن التليفزيون منتشراً في ذلك الوقت، وعندما أذيع البرنامج ورأى الناس الشيخ الشعراوي، علق الكثيرون منهم قائلين: «والله دا فيه راجل هايل طلع راجل عظيم.

 

وقد ظهر الشيخ الشعراوي كمتحدث على شاشة التلفزيون مع بداية حلقات الاسراء والمعراج، التي كانت انطلاقة كبرى له ولم يسجل بعدها حلقات فبعد هذا التسجيل الأول سافر إلى الخارج لمدة عام كنت خلاله أنتظره بشوق، فعندما عاد إلى مصر، سجلت معه حلقات الإسراء والمعراج التي كانت حديث الناس في مصر والعالم العربي والاسلامي، وقد أصدرتها في كتاب بعد ذلك مع الأستاذ محمد المعلم يرحمه الله صاحب “دار الشروق” وطبع منه آلاف النسخ.

 

الشيخ الشعراوي يختلف في تقديمه كمتحدث تليفزيوني عن كل القواعد التي يجب أن تتبع في تهيئة الضيوف ومناقشة الموضوع مع هؤلاء الضيوف قبل التسجيل وتحضير الأسئلة ومراجعة الإجابات مع المتحدثين الشيخ الشعراوى قانون نفسه، حيث كان له قاعدته الإعلامية، وأنا مكتشف هذه القاعدة، اكتشفت أن الشيخ الشعراوى لا يحتاج لتدخل كبير من جانبي معه، كنت أطرح القضية وأتركه يتحدث لا أتدخل إلا في حالات نادرة بكلمة واحدة، كان أذكره بكلمة حتى يظل على طريقه الذي يسير عليه في حديثه، ولكن لو تدخلت كثيراً، فسوف أشتته، طالما أن المتحدث لا يحتاج إلى أن ترده أو تذكره أو تصويه أو تسدده، دعه يستمر، ولذلك فإنني في بعض الحلقات كنت أطرح القضية كلها على الشيخ الشعراوى ولا أتكلم إلا في آخر الندوة وأتركه ينطلق لا أتدخل إلا بكلمة أشعر أنه يحتاجها ليسترسل في حديثه حتى أنه كان يقول لي: “كانك في تعدى” وكانت الكلمة بمثابة تعديل مسار حتى لا ينفرط العقد هذه الكلمة كانت ضرورية، لكن ليس الهدف منها إثبات وجودى كمدير الندوة هذا الوجود يتمثل في ترك المجال الضيف أن يتحدث.

 

كنت أتكلم مع الشيخ الشعراوى فى الموضوع قبل التسجيل ونتناقش حول بعض جوانب الموضوع،

كانت تتم هذه المناقشة في بيته أو أثناء سيرنا نتمشى فى الطريق إلى التسجيل في بعض شوارع القاهرة،

وكنت أرفض أن يتكلم الشعراوي بالتفصيل عن الموضوع، لأنه لو تكلم لما استطاع أن يعيد هذا الكلام مرة أخرى في البرنامج، ولذا فقد كنت أقول له إننا سنتكلم في كذا وكذا دون التطرق لأى تفاصيل.

 

قبل التسجيل بدقائق كان لابد أن أفجر فيه شيئًا وهو أن أقول له معنى أتوهم أو أعتقد أو أرجو أن يعجبه، فإذا تصادف وأعجبه، فلابد أن يضيف إليه عشرات من المعاني يحتشد لها نفسياً، وعلى سبيل المثال، أذكر أنني قبل بدء تسجيل إحدى الحلقات التليفزيونية من الصيام، قلت له: يا مولانا ألا ترى أن الآية القرانية الكريمة التي تقول: “ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون” ( البقرة – ۱۸۸) قلت له: هذه الآية التي جاءت بعد أيات أحكام الصيام، تبدو وكأنها لا علاقة بينها وبين ما سبقها من آيات فإذا به يقدم شرحاً جميلاً موجزاً وافياً وبليغاً لهذه الآية قال: إن هذه الآية جاءت لكي يعرف الناس أن الصيام ليس فقط الامتناع عن الأكل والشرب بل أيضا الامتناع عن أكل أموال الناس بالباطل.

 

وأضاف فراج أذكر أننى كنت بالنادى الأهلى، وإذا بي أفاجأ ببائع فول سوداني يقول لي: “هو دا الراجل اللي نفهمه بصحيح كان ذلك في بداية ظهور الشيخ الشعراوى بأحاديث الإسراء والمعراج، كما أذكر أنني كنت جالساً ذات مساء مع الأساتذة الدكاترة عبد المنعم القيسوني وإبراهيم بدران معا وأحمد زندو، وإذ بهم جميعاً يتوقعون أن يكون لهذا الرجل شأن كبير في مجال الدعوة الدينية، علمًا بأن الشيخ الشعراوى لم يكن معروفاً في ذلك الوقت لدى عامة الناس وكان من تعليق الدكتور القيسونى يرحمه الله، أن هذا الرجل هو الذي يحسن الحديث إلى المثقفين.

 

وأكمل إن الشيخ الشعراوي داعية من طراز فريد يتفرد بأسلوب استطاع به أن ينفذ إلى قلوب الناس ومقولهم في أن واحد، فإذا سألت عوام الناس عن رأيهم فيما يقدمه في أحاديثه تصلك الإجابة بأن هذا هو الشخص الذى يستطيع أن يتحدث إلى أمثالنا، وهذه الإجابة نفسها تحصل عليها أيضاً إذا سالت مثقفاً عن رأيه في أسلوب الشعراوي.

إقرأ أيضا.. «شهر المرأة».. 16 فنانة تشكيلية في معرض “كون” بجاليري آرت هاب