شعراء عن غياب التخصص في الأدب: الأسماء تبرز من الإجادة في الشعر أو النثر

كتب الكثير من الأدباء في أجناس كثيرة من الأدب، فكتب العقاد الشعر والرواية وكتب طه حسين وتوفيق الحكيم وغيرهم، وبالرغم من ذلك برز بعدهم جيل آمن بالتخصص، فكتب نجيب محفوظ في الرواية والقصة القصيرة، وكتب محمد حافظ رجب القصة، وكتب يوسف إدريس القصة والرواية، وكتب صلاح عبد الصبور وأمل دنقل وأحمد عبد المعطي حجازي وغيرهم الكثير في جنس واحد من الأدب، وتلا ذلك جيل السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات ليؤمن بنفس الفكرة .

وفي الألفية الجديدة وجدنا رواج الرواية وظهور القصة الومضة والشعر الهايكو، فتخلى الكثيرون عن التخصص ليكتبوا في ألوان شتى من الأدب، فاتجه الشعراء للرواية ، واتجه الروائيون للشعر والمسرح، وغيرها من الأمور، وللوقوف على هذه المسألة اتجه موقع “مباشر 24 ” للعديد من الشعراء والادباء ليوضحوا ملابسات الأمر.

محروس بريك: تتطلب تنشئة أدبية عالية

يقول الشاعر والاكاديمي محروس بريك:” قليل من الأدباء من استطاع أن يمتلك ناصية الصناعتين كلتيهما (الشعر والنثر) نحو العقاد والرافعي على سبيل المثال، لكن البراعة في الفنين معًا تتطلب تنشئة أدبية عالية واطلاعًا واسعًا وموهبة من نوع خاص، وأكثر المنشغلين بالكتابة في شتى الفنون لم يُنَشَّؤوا تلك التنشئة الخاصة، ولم تسعفهم قرائحهم للإجادة في كلا الضربين على الدرجة نفسها، وكثيرًا ما يَؤُول الأمر إلى الإخفاق في الأمرين معًا، فيظل كثير من هؤلاء الأدباء قابعين في المنطقة الرمادية لا هم بالشعراء المبرّزين ولا هم بالكُتّاب المجيدين،  في حين يبرع بعضهم في أحد النوعين ويخفق في الآخر؛ فتجد الشاعر الكبير يصوغ المعنى شعرًا فيبلغ به غاية الحسن، فإذا ذهب يصوغه نثرًا صار كلامًا نازلاً رديئًا، وكذلك الناثر العظيم يستطيع أن يأسر القارئ بسرده، فإذا حاول أن ينظم المعنى نفسه في بيتٍ من الشعر جاء بكلام غثٍّ مرذول.

ويضيف:” وفي السنوات القليلة الماضية حتى يومنا هذا صار لوسائل التواصل الاجتماعي سطوتها، واستطاع كل كاتب أن يخاطب متابعيه في أي وقت من ليل أو نهار، وانخدع كثير من أوساط الموهوبين وضعافهم بكثرة المتابعين، فصاروا يكتبون في كل فن، وهم أبعد ما يكون عن كل تلك الفنون التي يدعون الانتساب إليها.

ويواصل:” لقد أجاد الروائيون الكبار أمثال نجيب محفوظ لأنهم انشغلوا بالرواية فحسب وأخلصوا لها ووهبوا لها أعمارهم ولم يلتفتوا عنها إلى غيرها من الفنون، وكذلك أجاد الشعراء الكبار أمثال أحمد شوقي لأن الشعر كان مشروعهم الأدبي الذي وقَفُوا عليه حياتَهم. وعلى الرغم من ذلك كله ما زال بيننا من الأدباء من يجيد شاعرًا ويجيد ناثرًا لكنك تكاد تحصيهم على أصابع اليد الواحدة أو على أصابع اليدين على أبعد تقدير.

مروة نبيل:” المسألة اختلاف لا تبرير

فيما تقول الشاعرة مروة نبيل:” غاب التخصص لأن هناك أجناس أدبية مُحددة في تاريخ الأدب؛ نفترض- جدلا- أن في الكتابة الأدبية تَخصُّصات على غرار العلم؛ فنصف “الشعر” و”الرواية” كتخصصين رئيسيين مُنفصلين، كانفصال علمي “الأحياء” و”الفيزياء النووية” مثلا. ثم ينبثق من “الشعر” شِعابٌ؛ مثل شُعبة القصيدة العمودية، والنثرية، والشذرة، والومضة. وتنبثق من “الرواية” شُعبة القصة، والقصة القصيرة، والقصة القصيرة جدا. وعلى غرار العلم أيضا تظهر إلى حيز الوجود تخصصات “بَيْنيَّة”؛ فتظهر روايةٌ لشاعر. أو يظهر ديوانٌ شعري لأحد الرواة؛ فيُرهقنا البحث عن مُسمى جديد لهذا الإنتاج الأدبي البَيْني؛ ويشتد الاختلاف على درجة الأصالة والجودة لهذا الإنتاج.

يبدو أن المسألة هنا مسألة (اختلافٍ) لا (تَبرير)؛ فبالمعنى الدقيق؛ لا يُمكننا الحديث عن تخصُّص في الكتابة؛ لأن الكتابة- أساسًا- قلعة الحُرية والتجريب. بَيْد أننا نعرف أن هناك أصول، ومتون، وفلسفة خاصة لكل جنس أدبي؛ هي التي تُجنِّس الأديب نفسه؛ والعلاقة بين الأخير وهذه الأصول علاقة نزوع ومُحاكاة واسْتيلاد؛ علاقة تحتاج قبل أي شيء إلى الزمن؛ الذي يولِّدُ خبرةً تصقل الفطرة أو الموهبة. يكتشف الأديب نفسه عندما يكتب نصًا جميلًا من دون قصد؛ تلك هي “التجربة”، التي تشتد وتقوى، وتُحدِّد اتجاه ذاك النٌزوع المُضْطرِب.

محبةً في الكتابة؛ وبحثًا عن إلهام؛ يقرأ الأدباء مُختلَف النصوص؛ فيحرصُ الشاعر على قراءة الروايات؛ ويُواظب الراوي على قراءة الشعر. الصادقُ منهم فقط؛ يعرف سلفًا حقيقة نزعته الأدبية؛ وهي تَستَلِبُ إيمانه وانتباهه كُليَّا. ولكن؛ قد تخضع المسألة للمصادفة؛ فيكتب شاعر روايةً عجز أن يتجاهلها حين حضرت في ذهنه؛ وباتت تُلِّحُ عليه. وقد يبوح الراوي بأبيات شعرية أو بعض القصائد. في هذه الحالة لابد أن تكون الرواية ممتازة، وأن تكون القصائد عظيمة؛ وإلا صار التخصص البَيْني في الأدب مجرد بحث عن الإمتاع الشخصي، ومحبة في الظهور. وبطبيعة الحال؛ ولحسن الحظ؛ لا يتسامح التاريخ مع الأعمال الضعيفة وإن ذاعَ صيتها. كما يتجاوز الدور الثقافي للأدب حد الإمتاع الشخصي، والرغبة في الظهور.

أسامة البنا:” ليست فكرة واقعية

فيما يقول الشاعر أسامة البنا:” يدرك معظمنا أن تعدد كتابات الأجناس الإبداعية لدى الكاتب ليس أمراً مستحدثاً خارج أوداخل وطننا العربي والأمثلة والأسماء كثيرة جداً . فكرة الإخلاص للجنس الأدبي الواحد ليست واقعية خاصةً الآن فى ظل تماهي الأجناس الأدبية داخل النص الواحد . ولكن المتغيرات والمستجدات التي فرضها واقعنا الإبداعي فى السنوات الإخيرة أربكت كثيراً المفاهيم والقناعات لدى عدد من الكتاب الموهوبين وغير الموهوبين .فمثلا الكتابة للطفل صارت غنيمة لكتاب لا يمتلكون معطيات ومقومات الكتابة للطفل التي يظنها بعضنا أنها الأصعب ، لإنها كتابات ونشر بلا ناقد راصد وبلا رقيب فعلي فى ظل المجاملات التى نعرفها جميعاً.  كتب البعض انطباعاته عن كتابات من حوله فاعتبرها هو ومن حوله أنها النقد دون أن يدرك أدواته .فرسخ لنفسه ورسخ له من حوله أنه ناقد فى الوقت الذي انعزل فيه الناقد الدارس لأسبابه . . كتب البعض خواطر ساذجة فوجد من يهلل له وهلل لنفسه وصار لديه جنس أدبي يضيفه لرصيده..

ويضيف:” طرح صديق من قبل سؤالاً للجميع نعرفه كلنا منذ زمن ونتداوله دائما بلا ملل وهو : لماذا تكتب ؟ فأعجبني رد بديع وصادق جدا و هو : لم أجد ما أفعله فكتبت.. هذه إجابة بالرغم من كونها حالة ليست عامة لكنها كاشفة جدا، لإنها تطرح مضمون إشغال المكان الشاعر فى وقت الفوضى، وجميعنا رصد حالة هروب الشعراء للرواية فى وقت ركود تلقى الشعر ونشره وجوائزه السخية، إذا أنت أمام كاتب يكتب بمعطيات المشهد والوقت وليس إيماناً بفكرة المشروع ولو أكمله لذاته المبدعة العاشقة.

ويواصل:” أما عن نفسي فأنا صنيعة المجاز وليونة اللغة حتى فى كتاباتي المسرحية . لست مشغولاً بفكرة (سوق الكتابة ) ودفعت من قبل لأجل نشر مجموعتين شعريتين ، ولو ضمنت الفوز بمبلغ جائزة سخية فى الرواية لن أكتبها ، وهذه قناعات قديمة جداً بالنسبة لي لإنني فى الأساس قارئ استدرجته القراءة لكتابة الشعر والمسرح، حتى المسرح أراه دائما جزءا من روح الشعر.

اقرأ أيضًا..

الروائية سلوى بكر: رواية ” ليل ونهار” تكشف الجانب السرى في عالم الصحافة (حوار)