شاعرات: شعراء اليوم فشلوا في التأثير على الناس ولم يتغن أحد بقصائدهم

اختفت القصيدة أم غاب تأثيرها؟ خرجت ولم تعد أم أنها أصبحت غير موجودة في الأساس؟ الأسئلة مطروحة والإجابات متناثرة والأثر المفقود لا أثر له، القصيدة العربية غاب تأثيرها بل أنها غابت عن الوعى وذهبت مع الريح، وأصبح من الصعب إعادتها مرة أخرى إلى حضن وعيها الجمعي.

هكذا تحدثنا جميعًا وبصوت مرتفع عن أزمة القصيدة العربية بل عن أزمة العقل العربي والوجدان المصري، لم يصبح لدينا الآن أمل دنقل جديد، ولا محمود درويش في ثوب فلسطيني مزخرف، ولا صلاح عبد الصبور على مسرح مأساة الحلاج، ولا حتى أحمد عبد المعطي حجازي في مدينته القاهرة التي لم يكن لها قلب.

أصبح لدينا فُتات متناثر من قصائد غير مكتملة النمو ومخلوقات لم تنجح الحضانات في إعادتها مرة أخرى إلي الحياة، القضية كبيرة وكارثية، والنفق معدم إلى أقصى حد.

موقع “مباشر 24” فتح الملف الأسود للقصيدة المنتهية صلاحيتها والمتلقى الفاقد للأهلية، والتقى عدد من الشعراء الذين فتحوا النار على المرحلة.

رضا أحمد: علينا ألا ننظر للشعر بعيدا عن الثقافة العربية

من جانبها، تقول الشاعرة رضا أحمد: اعتقد ان هذا القول به ظلم بين لحقب طويلة تصل إلى نحو ٦٠ عامًا مر خلالها الشعر بالكثير من التحولات والتطور والتجارب الحقيقية التي كسرت الرتابة في القصيدة العربية من ناحية البنية الفنية والأغراض الفكرية والجمالية.

وأكمل: الأمر الذي ابتعد بالشعر عن الخطابة وصرخات التحرر والمدينة الحلم والشاعر النبي والفارس وصاحب الأبيات الرنانة في المحافل الوطنية الأحزاب السياسية، وعلينا ألا ننظر إلى الشعر بعيدًا عن الثقافة العربية وما مر بها من تحولات سياسية واجتماعية وتقنية.

وأضاف أن القصيدة في الستينيات كانت تقرأ بين الأصدقاء أو على صفحات المجلات والجرائد بشكلها الغنائي وموضوعاتها الزاعقة سواء كانت رومانسية أو وطنية وغيرها ومثل كل مصباح يضيء غرفة معتمة ينتقل الضوء من عين إلى أخرى إلى أن يصبح مزاجًا عامًا بسبب الندرة وبسبب تكاثف الظلام والحاجة إلى شيء يحفظ في القلوب ويجري على الألسنة لمواجهة الاحتلال أو العزلة والاغتراب الاجتماعي والهجرة الداخلية إلى المدن أو للسمر بين الأصدقاء على المقاهي أو الصالونات الثقافية فكانت هذه القصائد الجذوة التي يتجمعون حولها، حبة الضوء التي يضعونها تحت أعينهم لتنير هذا الليل الطويل.

وتضيف إنما في هذا الزمن تقرأ القصائد على مواقع التواصل الاجتماعي وتهتم بالتفاصيل اليومية الاغتراب الإنساني ووقع التجارب والخيبات على التشريح النفسي والاجتماعي للأقراد والمجتمع، وبين مئات المنشورات والتغريدات يلفت النظر وهج ما، وكل محاولات الالتفاف حوله، تعمل على ابتكار تعريفا له والإمساك به ومحاكمته ووضعه في قوالب تقاضيه مثلمًا يحدث مع قصيدة النثر التي تستعصي على بعض العقليات التي اعتادت القصيدة التقليدية المقفية الموزونة بسبب الذائقة ربما وبسبب تاريخ محنط في المدارس والجامعات تبنى القصيدة الخليلية كتعريف أبدي للشعر.

ونوهت لذا فحين تكتب قصيدة حديثة فأنت تواجه عدة ازمات منها كراهية مبيتة من البعض للشكل الجديد وتجاهل مؤسسي ونقدي وجهل بعض الجمهور بتطور حركة الشعر وأيضا وصم اجتماعي للشاعر من السينما والدراما، يجعلونه هذا الكائن المستلب البعيد عن الواقع والخطيب الضائع بين شكله الرث ودورة أفكاره البالية المنفصل عن الواقع داخل خطبته الرنانة الهائم في زحام نفسه.

وتواصل:”  كل هذه المتغيرات ربما أفادت الشعر من حيث تطوير بنيته الفكرية والمعرفية والجمالية وجعلته في متناول جميع القراء وربما الأكثر قراءة لأنه أصبح مجاني وغير نخبوي ويعبر عن إنسان العصر الحديث بكامل همومه وأحزانه، ربما علينا أن نوضح ماذا نقصد بالتأثير فالشعر فن كتابي من رأيي يؤثر في وعي المتلقي الجمالي والفكري لا يغير الواقع ولا يحرر الأوطان ولا يحقق الأمنيات ولا يقود الجيوش.

وتابعت: ولكنه يساهم في تشكيل وعي المتلقي لمواجهة أزماته وهذا الدور لم يتخل عنه الشعر لا قديما ولا حديثا ولا يختلف بشكل معياري إلا حسب جودة القصيدة من الناحية الفنية والجمالية أيضا هذا محل خلاف حسب الذائقة والتراكم المعرفي والجمالي للتعاطي مع الكتابة.

إيمان ماجد: الشعراء المعاصرين لم يحظوا بنفس الشعبية

بينما تقول الشاعرة إيمان ماجد:” يعتبر الشعر من أهم المظاهر الثقافية التي تعبر عن تاريخ الشعوب وحضارتها، ويعد الشعر العربي من أعظم الأدبيات في العالم، حيث أثرى الأدب العربي بأشعاره المميزة وأصبح يحتل مكانة مرموقة في قلوب الناس، ومع ذلك، يبدو أن الشعراء المعاصرين لم يحظوا بنفس الشعبية والتأثير الذي كان لشعراء الماضي، مثل محمود درويش وأمل دنقل و بيرم التونسي و أحمد فؤاد نجم وغيرهم من الشعراء الذين لمع اسمهم وذاع صيتهم.

ورغم أن هناك العديد من الشعراء المميزين في الوقت الحالي، إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا اختفى تأثير الشعراء مثلما كان من قبل؟

وتضيف:” يعود هذا الانحسار في تأثير الشعراء إلى العديد من العوامل، ومن أهمها التغيرات الثقافية والاجتماعية التي شهدناها في العقود الماضية، فمع التطور الكبير في وسائل الاتصال والإعلام والترفيه، يبدو أن هناك اهتمامًا أقل بالشعر والأدب بشكل عام.

كما يبدو أن هناك تركيزًا أكبر على الأدب الحديث والنثري، الذي يعكس الحياة العصرية والواقع الذي يعيشه الناس، ويعد أكثر قربًا للشباب. ومن المحتمل أن يعود السبب الرئيسي لاختفاء تأثير الشعراء المعاصرين إلى عدم قدرتهم على التكيف مع هذا التغيير الثقافي والاجتماعي، وعلى تقديم شعر يعكس هذا الواقع الجديد، فمازال التخبط بين القديم والحديث يخلق فجوة كتابية، مما جعل القصيدة الآن في حالة معاناة بسبب الخلط والمزج الغير منضبط موسيقيا و تكنيكيا وقصيدة النثر مازالت تجاهد لتحظى بلقب شعر ..

وتواصل:” علاوة على ذلك، يبدو أنه في زمننا الحالي، يوجد عدد أقل من الأفراد الذين يعتبرون الشعر جزءًا مهمًا من حياتهم، وبالتالي يتراجع ال اهتمام بما يكتبه الشعراء. فالعديد من الناس لا يستطيعون تفسير أو فهم الشعر بسهولة، وهذا قد يؤدي إلى انحسار الاهتمام بهذا الفن الراقي..

وتكمل:” يبدو أن هناك تركيزًا أكبر على التكنولوجيا والاستهلاك، وعلى الأمور الدنيوية، مما يجعل الناس ينسون المعاني الروحية والفلسفية التي تحملها الشعر.

وربما يكون هذا النقص في التركيز على الأمور الروحية والفلسفية هو سبب آخر يشرح انحسار تأثير الشعراء في العصر الحالي، بالرغم من ذلك، لا يزال الشعر يحتفظ بمكانته الخاصة في الثقافة العربية، ويظل شعراء الماضي مصدر إلهام للأجيال الحالية والمستقبلية، ورغم أن تأثير الشعراء قد يكون أقل بعض الشيء في الوقت الحالي، فإنه لا يزال يمثل نبراسًا للتعبير الفني والأدبي الراقي..

وتؤكد:” ولعل من أهم الحلول للحفاظ على تأثير الشعراء وإعادة إحياء الاهتمام بهم هو دعمهم وتشجيعهم، وتقدير الجهود التي يقومون بها في تعبيرهم عن الواقع والتعبير عن الجمال والحب والأمل.

وأوضحت أنه يمكن ذلك عن طريق إقامة مهرجانات شعرية ومسابقات شعرية منظمة بعناية وبالاضافة إلى نشر قصائد الشعراء على وسائل التواصل الاجتماعي نسعى لخلق منصة لهم في وسائل الإعلام، وتحفيز الشباب على قراءة الشعر والاهتمام به ولاسيما الشعراء أنفسهم حيث يجب أن يتبنوا أساليب جديدة للتعبير عن الواقع الحالي وتقديم قصائد تعكس أفكار الجيل الحالي ومشاعره وآلامه والابتعاد عن التغني بالحب والذاتية .

وأشارت إلى أنه عليهم أيضاً توسيع قاعدة جماهيرهم من خلال الابتكار في أساليب التعبير والإلقاء، والبحث عن منصات جديدة للتعرف عليهم ولتعزيز تأثيرهم ونفوذهم.

واختتمت حديثها قائلة:” إن تغيرات العصر والتكنولوجيا قد تؤثر على الشعر وفنون الأدب الأخرى، وقد يحتاج الشعراء المعاصرون إلى التكيف مع هذه التغيرات وإيجاد طرق جديدة لجذب الجمهور والتعبير عن الواقع الجديد الذي نعيشه، فالشعر فن عظيم وجزء لا يتجزأ من تراثنا الثقافي والأدبي، الذي يجب الحفاظ عليه ونقله للأجيال القادمة كنصب تذكاري للروحانية والإنسانية والجمالية التي تحملها هذه الكلمات.

مروة مجدي: هناك حالة إحاط في المشهد الشعري العربي

وفي السياق ذاته، عقبت الشاعرة مروة مجدي عن غياب تأثير القصيدة العربية قائلة:” دعنا نسأل في البداية ماذا يعني تأثير الشعراء؟ وأين الشعراء في الأساس ليؤثروا؟ الشعراء الشباب للأسف يعانون من التهميش المتعمد من نفسهم أولا ثم من القراء والناشرين، لا ألوم أحدا بل أقول وجهة نظري.

وأضافت أن الشاعر الحقيقي الآن يتعمد التواري خلف قصائده، والبعد عن الأضواء ربما لاحباطه من المشهد الثقافي العربي وما آل إليه من متلقٍ لم يعد يرغب سماعه وقارئ يجري وراء الروايات فقط، وناشر لا يطبع سواها، ومشاهير السوشيال ميديا الذين اقتحموا الساحة الشعرية عنوة وأطلقوا خواطرهم زعما أنها الشعر لأنها تجلب ملايين المشاهدات.

وأكملت: بسبب كل ذلك يجلس الشاعر منعزلا تارة، ومتأملا تارة آخرى لا تشغله سوى قصيدته وتسويتها على نار هادئة، والزمن خير منصف.

وأوضحت الشعراء موجودون وتأثيرهم سيكون قويًا وحاضرًا؛ فقط يحتاجون إلى قلب يبحث عنهم ويفتش عن قصائدهم؛ يحتاجون إلى ذات متبحرة في معاني قصائدهم حتى تعطي التأثير المطلوب والذي لم يعد محصورًا في ندوة أو فعالية أو حفل توقيع، فهم لن يقدموا أنفسهم لك، لن يقنعوك بجدوى سماع صوتهم.

وتابعت: أنت من تحتاج إلى التنقيب حتى تعثر عليهم فتجد ذاتك لكن أين الناشرون والنقاد والإعلاميون، أين المؤتمرات الشعرية والندوات الجماهيرية والمحافل الفنية منهم، أين الدولة التي تفتح ساحة جوائزها لهم؟ لن تجد.

اقرأ ايضًا:

عدنان يوسف: مصارف البحرين تعزز أمنها السيبراني وتكافح «الهاكرز».. (حوار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى