روائيون ونقاد يكشفون أسباب الخلط بين الكتابة الشعرية والروائية فى الأعمال الأدبية

في فنون السرد، لا يمكننا أن نغفل السير والملاحم التي جاءت كتابتها شعرًا، هذا ما أكد عليه عدد من الروائيين والشعراء؛ حيث اعتمدت نصوص النثر المركزية أبنية التخييل والتمثيل والمجاز في داخلها، وأن هناك ثمة إتفاق انه ليس هناك خلطاً بين الكتابة الشعرية والروائية فى الأعمال الأدبية العربية فى المجمل.

فى السطور التالية موقع “مباشر 24” أحال التساؤل أو الفرضية التالية إلى عدد من المبدعين فى محاولة لفض الاشتباك حول أسباب الخلط بين الكتابة الشعرية والروائية فى الأعمال الأدبية.

الشاعر أسامة جاد: الرواية ابنة الثورة الصناعية في معظم تعريفاتها

من جهته،قال الشاعر والمترجم أسامة جاد، إن في تذييله لمسرحيته الشعرية “مأساة الحلاج” أجاب صلاح عبد الصبور على سؤال المسرح الشعري بقوله إن المسرح نشأ شعريا، وأورد ما نصه: نشأ المسرح شعريًّا. وأغلب الظن أنه سيعود كذلك، رغم غلبة الطابع الاجتماعي النثري منذ أواخر القرن التاسع عشر. ولكن الإيماضات الشعرية التي تتخلل المسرح النثري الآن تؤذن بعودة الشعر إِلَى المسرح. وليس الأسلوب النثري المحكم -كما قال أحد النقاد– إلا محاولة للاقتراب من الشعر في تركيزه وموسيقاه.

وتابع: ومع التنبه لتنوع التناولات لمسألة موسيقى الشعر فإن إشارة عبد الصبور إلى تركيز الشعر مسألة ذات أهمية هذا عن المسرح، أما عن النثر بمفهوم “الصناعتين” لأبي هلال العسكري، فقد اعتمدت نصوص النثر المركزية أبنية التخييل والتمثيل والمجاز في داخلها، ومنها المستقر في التراث العربي من كتب الشروح والرسائل وغيرها، كما كان النثر الفني لونا من روح الشعر، وانظر إلى طواسين الحلاج أو منطق الطير للسهروردي.

وأضاف وفي فنون السرد، لا يمكننا أن نغفل السير والملاحم التي جاءت كتابتها شعرا، كما في الإلياذة والأوديسة أو في السيرة الهلالية وما عداها من عيون في التراث الإنساني.

وأستطرد، وصحيح أن الرواية فن حديث، وهي ابنة الثورة الصناعية في معظم تعريفاتها، ولكنها وهي كذلك ابنة الأدب، وهو القبة التي تظلل كل فنونه، بما يسمح بأن تتماهى الحدود بين فن وفن، حتى بلغنا اهتماما بالفنون التي تنشأ عند تخوم هذا الفن من جهة وذاك من جهة أخرى.

وعموما، فالشعرية في لغة الرواية ليست خلطا بمعنى سلبي للتعبير، وإن جاز أن ندعوها وسما أو أدائية، فكما صح أن يستعير الشعر تقنيات السرد وخطاب الحكاية في نصوصه، ككان ذلك مدعاة أكبر لاستعارة الشعرية كخصيصة أدبية تسم السرد الروائي وضفي عليه حساسية أكبر وقدرات تعبيرية تزيد من فاعلية التخييل.

وأختتم تصريحاته قائلاً :”وفي النهاية فالمعول دائما عليه ليس مجرد وجود الشعرية في السرد الروائي، بقد ما هو كيفية هذا الوجود الشعرية واتساقيته مع مقتضيات النص”.

هوشنك أوسي: سببين وراء الخلط بين الكتابة الشعرية والروائية

قال الشاعر والروائي الكردي السوري البلجيكي هوشنك أوسي، أعزو هذا الخلط، إلى سببين رئيسين. الأوّل: انفتاح الرّواية، كجنس أدبي، على بقية الأجناس الأدبيّة الأخرى، وفي طليعتها؛ الشِّعر. والثّاني: إنّ قصيدة النّثر، الشّديدة الحساسيّة والهشاشة والبساطة، لديها من الطّاقة والمرونة بحيث يمكن أن تتداخل مع السّرد، وتخصّبه. لكن، الزّيادة من الجرعة الشّعريّة ــ النّثريّة في السّرد الرّوائي، يجعل مقام النصّ ملتبسًا؛ أهو شعر أم سرد؟

وتابع: وبصرف النّظر عن الخوض في مدى صواب تعبيرات ومفاهيم كـ”شعرنة السّرد” أو “سردنة الشّعر”، في ظنّي وتقديري؛ إنّ التّجريب النّاجم عن الدّهاء والخبرة والمراس والاحترافيّة العالية، سعيًا وراء الجديد والتجديد، هكذا نوع من التّجريب، من الطّبيعي أنّه سيطرح أسئلته التي يفترض بحركة النّقد الإجابة عليها. فالتّجريب الواعي الليئم المحنّك، في مقدوره تطوير النصّ الأدبي، والأخير، قادر على تطوير نصوصه النقديّة، وحركة النّقد وأدواته ومفاهيمه.

وأشار إلى أنه في تقديره، هناك مسرحية شعريّة، لكن لا يمكن أن يكون هناك رواية شعريّة، بحيث يكون الوصف والحوارات كلها مبنيّة وفق نظام القصيدة العاموديّة، وبحور الشّعر وتفعيلاته. وإذا حدث ذلك، فسنكون إزاء ملحمة شعريّة، وليس رواية، طبقًا للفهم الحديث المعروف عن الرّواية كجنس أدبي. بمعنى آخر، البناء يحدد هوية وخصال وهيكل الرّواية، بينما “الإكساء اللغوي” ونسبة اللغة الشعريّة فيه، يضيف إلى الرّواية جانبًا تزينيًّا، وحساسيّة ومناخات تخيّليّة جذّابة.

وتابع، في تقديري، الشّعر شعر، والسّرد سرد. ولأنّني أكتب الشّعر والرّواية، فالخطوط بين الجنسين بالنّسبة لي واضحة. وما عدتُ أميلُ إلى تهجين السّرد، عبر ضخّ الشّعر فيه، فوق ما تحتمله طاقة السّرد. يمكن توظيف القصائد في الرّواية، كقصائد، وليس مندغمة في السّرد. تبزر روايات سليم بركات، كمثال جلي على طغيان الشعر على السرد، إلى درجة الاستبداد. هناك من يفتتن بهكذا طريقة في الكتابة، ويرونها مقدرة وطاقة فائقة، لا يمتلكها أي روائي كان. لكن، الحق أن كتب التراث بخاصة منها المتعلقة بالتصوف والسير، فيها ما فيها من تسرب وتغلغل لغة الشعر داخل السرود.

وأختتم تصريحاته قائلًا: أن في الرواية نحو إزاء شبكة معقدة من القصص. والقصة تحتمل الإيحاء بمقدار معين. بينما الشعر، أجوده ما كان موحيا، وليس مباشرا مسطحا مخبرا. يعني؛ السرد يخبر، بينما الشعر، يوحي، يلمح، ويفتح أفقا لاجتهادات التأويل. الشعر في السرد كالملح والتوابل، إن زاد أفسد.

الروائي حسين عبد الرحيم: الخلط جاء نتيجة طبيعية للاستسهال من قبل بعض النقاد

ويرى الروائى حسين عبد الرحيم، إن مفردة الشعرية فى الرواية ليست فى حالة انفصال عن متن أية رواية، ولكن اللغة الشعرية مصطلح أصطلح على تسميته منذ أكثر من ستة عقود فى أعمال بعينها عند كتاب من الغرب ومن الشرق ومن الشمال الإفريقي، على سبل المثال وليس الحصر هناك متون شعرية عند مرسيل بروست فى عمله الاعظم” البحث عن الزمن الضائع” حيث تكمن الشعرية بكافة تجلياتها وطبقاتها ومغزاها المؤهل للكثير من التأويلات.

وأشار إلى أن هناك مثلا نصوص شبه شعرية عند “هيرمان هيسه” فى رواية ” روس هالدا” وعند مالك حداد الجزائرى العظيم فى رواية ” ليس فى رصيف الأزهار ما يجيب”، وهناك أعمال للتونسى محمد الأشعرىن وهناك بعض الأعمال لإبراهيم عبد المجيد فيها بعض المتون الشعرية فى الكتابة وتحديدا روايته “بيت الياسمين”.

وأضاف”عبد الرحيم”، هناك لغة شعرية مكثفة عند عزت القمحاوى فى غالبية أعماله، أى انه ليس هناك رواية شعرية رغم وجود رواية شعرية، واحيانا ما يتعمد الروائى أن تتصدر غلاف روايته “رواية شعرية”، ولكن هذه الشعرية بشكل عام تكمن فى بنية الرواية سرديا وفنيا وتقنيا وبنية، ولكن فى اللحظة الآنية تجلى هذا المصطلح منذ سنوات مثله مثل مصطلح “زمن الرواية” وهى مصطلحات مائعة أو غير محددة، وتحديدًا فى الشهور الأخيرة تم اجترار هذا المصطلح ” الرواية الشعرية” كنتيجة طبيعية للاستسهال من قبل بعض النقاد والكتاب.

وأكمل: وكان اخرهم منذ اسبوعين على مواقع التواصل الاجتماعى ووجه بالعديد من الانتقادات والسخرية والتهكم، ولهم كل الحق كل من هاجموا هذا المصطلح، لأنه الشعرية والشعر والرومانتيكا والرمزية والتعبيرية والتفكيكية والبنوية وكل هذه المصطلحات المرتبطة بالنقد الثقافى أو الفلسفى او الروائى موجودة فى متون أعمال عظيمة فى الشرق والغرب على سبيل المثال عند مصطفى لطفى المفلوطى، وسعيد الكفراوى، ولكن مسالة وصول النقد الى هذا الحال من الاستسهال هو الذى جعل الغلبة من الذين لا يعون ماهية الرواية او ماهية الشعرية ولا ثمة معرفة فنية أو جمالية لمفهوم الرواية، خيل لهم أن هناك رواية شعرية ورواية غير شعرية.

وأختتم تصريحاته قائلاً:” ومسألة وجود الللغة الشعرية فى أية رواية مرتبطة بطبيعة وايقاع وحدث وموضوع وتقنية أية رواية يكتبها المؤلف او الكاتب واخيرا هناك الكثير من الأعمال النقدية فى مسار النقد الثقافى والمعرفى والروائى قد طرحت منذ أكثر من ثلاثة عقود وكان أخرهم ” ما يسمى شعرية الرواية” عند كتاب مثل التونسى محمد الاشعري، وهناك اكثر من دراسة قدمت لنقاد كبار فى مؤتمر الرواية فى دوراتها الثلاث او الاربعة الاخيرة”.

اقرأ ايضًا:

الشاعر زكريا رضى: طلاسم إيليا أبو ماضى أقل وحشية من اطروحات أدونيس (حوار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى