سعيد شيمي يروي أصعب لحظات الخوف في التصوير

يحكي المصور سعيد شيمي الكثير من الأحداث في كتابه “حكايات مصور سينما.. الغريب والخفي أثناء عمل الأفلام”، عن تصويره للحظات غريبة من عالم الأفلام.

يقول سعيد شيمي:” التقدم التكنولوجي في السينما والتصوير سهل أشياء كثيرة وذللها؛ لا شك في ذلك. كانت هناك أمور صعبة التنفيذ في وقتها، وما سأحكيه هو كيف تحايلت بأبسط الطرق لأصنع بيني وأنا مربوط على باب مفتوح لطائرة هيلكوبتر- وبين ما يحدث على الأرض من أحداث لغة تواصل وتفاهم في اللقطات.

كان المشهد مطاردة سيارتين وأنا أتابعهما بالطائرة في فيلم (منزل العائلة المسمومة) إخراج الصديق الفنان محمد عبد العزيز، قررت أن أرتدي حذاءً أحمر وتكون الإشارات المتَّفَق عليها هي حركة الحذاء الأحمر وساقيَّ المتدليتين، فإذا حركت قدميَّ معًا مثل بندول الساعة يسارًا ثم يمينًا يعني أن اللقطة ناجحة، وسننتقل إلى اللقطة الثانية.

أما إذا باعدت ساقيَّ عن بعضهما ثم ضممتهما يعني أني أريد إعادة اللقطة فالتي تمت لا ترضيني، وبالطبع التفاهم مع قائد الطائرة كان يتم أولًا بأول من مساعدي الحبيب شريف إحسان، ولم يكن عندي حذاء أحمر، فاشتريت من (باتا) حذاء رياضيًّا أبيض (كوتشو)، وصبغته بالحبر الأحمر، وكان خير دليل لتنفيذ التواصل واللقطات.

ويضيف:” ولكن ليس دائمًا يتم تنفيذ اللقطات بهذه السهولة من الطائرات، ففي مرة سافرت من أسوان إلى معبد أبو سمبل مربوطًا على الباب فوق بحيرة ناصر، كل هذه المسافة؛ حيث طلب المخرج مني ذلك حتى أكون مستعدًا لأي لقطة تعجبه أصوّرها، ووجدت ماءً غزيرًا وأرضًا شاسعة خصبة لا تُستَغَل، وثروة سمكية لا حدود لها، وتماسيح؛ أعتقد أن عددها أكثر من تعدادنا، ولكُم أن تتخيلوا اتساع البحيرة!

ويواصل:” ومن ذكرياتي مع هذا النوع من التصوير الهوائي بالطائرة ما حدث أثناء تصوير دير (سانت كاترين) من الجو في سيناء.. كانت اللقطة المقترحة من المخرج الإنجليزي أن تستعرض الكاميرا من الطائرة قمم الجبال التي على يسار الوادي الذي فيه الدير، حتى نصل إلى الوادي ودير سانت كاترين في داخله أسفل، فتبدأ الطائرة تهبط من فوق الدير حتى مسافة معقولة.

هذه هي اللقطة المقترحة التي يريدها المخرج، ولقد استوعب وفهم قائد الطائرة المطلوب تمامًا. كان مع المخرج الإنجليزي مصوّر رفض ركوب الطائرة الهليكوبتر الحربية تمامًا، فاستعانوا بي. كانت حجة المصوّر الرافض أنه إن لم تكن هناك طائرة خاصة للتصوير وقائدها مدرّب على ذلك فإن اللقطة لن تنتج وبالتالي رفض العمل.

ويكمل:” ركبنا الطائرة من مطار سانت كاترين واتجهنا إلى الجهة المطلوبة وأنا مربوط على باب الطائرة جهة اليسار.

قال لي قائد الطائرة إنه سيهبط بشكل منحرف معوّج بحيث يكون مكان الكاميرا التي أحملها من الباب الأيسر دائمًا فوق الدير. الدير مُحاط بالجبال حوله، فهي تمثل قوسًا وهو في قلبه، والطائرة من النوع الحربي الثقيل حاملة الجنود والعتاد، وأظن أنها كانت M8 روسية الصنع.

(وقبل أن أحكي ما تم أثناء التصوير يجب أن أقص أن سائق السيارة الميكروباص التي نقلتنا إلى سانت كاترين تحايل عليَّ طوال طريق السفر أن يركب معنا الطائرة، فهو لم يركب أي طائرة في حياته، وبالفعل أخذت له تصريحًا بالركوب، فالطائرة واسعة وكبيرة وتتسع للكل).

ويختتم:” بدأنا التصوير على قمم الجبال في لقطة متسعة بانورامية (ترافلنج) بالطائرة في غاية الجمال، وخاصة مع سقوط الشمس على الجبال؛ جعلها تتجسم بين الظل والنور، حتى وصلنا إلى فتحة الجبال والوادي الذي فيه دير سانت كاترين، وبدأت تهبطُ وتهبط، وتهْبط. اقتربنا جدًّا من الدير واللقطة كانت ناجحة جدًّا، وقائد الطائرة فهم المطلوب تمامًا، لكن فجأةً غير قائد الطائرة الاتجاه بعنف فمالت الطائرة بشدة فوجدتُني ناظرًا إلى الجبل القريب جدًّا من الطائرة.

وخلال ثوان بمناورة بارعة ارتفعت الطائرة وابتعدت عن الجبل الذي كدنا نرتطم به. بصراحة: كانت ثواني رعب؛ قلت فيها الشهادة واستعددت للموت، ولا أعلم ما حدث للباقي داخل الطائرة، فصوت المحرك كان عاليًا. ارتفعت الطائرة بفضل الله ثم بإدارة قائدها المحنك الماهر، ثم سمعت بكاء سائق السيارة الميكروباص وصراخه، وصدرت منه رائحة كريهة، (عملها) وفقد السيطرة على نفسه، وامتلأت الطائرة بالرائحة!.