“رسالة الإمام” والشعر.. من الأحق بالبيتين؟! 

 

مع بداية عرض أولى حلقات مسلسل “رسالة الإمام”، الذي يتناول السيرة الذاتية للإمام الشافعي، نال هجومًا شديدًا من قبل المتابعين والنقاد.

هذه الانتقادات وجهت للعمل قبل حتى عرضه، فكانت في بدايتها طبيعية، كون أي عمل ينال نصيبه منها، لكنها زادت مع عرض الحلقة الأولى، والتي تناولت بيتان من الشعر منسوبًا للإمام الشافعي وهما…

وتضيقُ دُنيانا فنحسَبُ أنَّنا

سنَموتُ يأساً أو نَموت نَحيبا

واذا بلُطفِ اللهِ يَهطُلُ فجأةً

يُربي منَ اليَبَسِ الفُتاتِ قلوبا

القائمين على المسلسل وقعوا في خطأ جسيم، لإن هذه الأبيات قالها الشاعر السوري “حذيفة العرجي” وليس الإمام الشافعي.

كان على صناع المسلسل مراجعة تراث الشافعي بشكل أكبر، لإن الأعمال التاريخية وخاصة التي تتناول الجوانب الدينية؛ يجب أن تكون لها معاملة خاصة، لإنها تعتبر مرجع للمشاهدين، ولنا في مسلسل “عُمر” عبرة، والذي يتم الاستشهاد به بشكل مستمر من قبل صناع المحتوى عبر منصات التواصل الاجتماعي المختلفة.

مسلسل عُمر بدوره نال ما نال من الانتقادات والتي لا تزال مستمرة حتى الآن.

الشاعر السوري قرر بدوره اتخاذ الإجراءات القانونية ضد القائمين على العمل، وذلك من خلال منشور له عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك.

لكن السؤال الأهم، لماذا وقع صناع العمل في هذا الخطأ؟

في البداية نحن هنا لا ندافع عن صناع العمل أو نتهمهم، نحن نشرح الموضوع بشكل موضوعي، للوصل إلى بداية هذه الإشكالية.

 

كما الحال مع البيتان التي قالهم الشاعر السوري “حذيفة العرجي”، هناك اثنين آخرين ينسبان للإمام الشافعي؛ للشاعر السعودي “عبدالعزيز الجاسر” وهما:

قُل للَّذي مَلأ التَّشاؤُمُ قلبَهُ

ومَضَى يُضَيِّقُ حَولَنا الآفَاقَا

سِرُّ السَّعَادَةِ حُسنُ ظَنِّكَ بالذي

خَلَقَ الحياةَ وقَسَّمَ الأَرزَاقا

 

أغلبنا قد قراء هذه الأبيات الأربعة أو سمعهما علي الأقل، صفحات مواقع التواصل الاجتماعي مليئة بهم، فنجدهم مجتمعين معاً على الدوام هكذا:

وتضيقُ دُنيانا فنحسَبُ أنَّنا

سنَموتُ يأساً أو نَموت نَحيبا

 

واذا بلُطفِ اللهِ يَهطُلُ فجأةً

يُربي منَ اليَبَسِ الفُتاتِ قلوبا

 

قُل للَّذي مَلأ التَّشاؤُمُ قلبَهُ

ومَضَى يُضَيِّقُ حَولَنا الآفَاقَا

 

سِرُّ السَّعَادَةِ حُسنُ ظَنِّكَ بالذي

خَلَقَ الحياةَ وقَسَّمَ الأَرزَاقا

إذا نظرنا لهذه الأبيات الأربعة من الناحية الشعرية، فسنجد أن القافية والموسيقى تكاد تكون متقاربة، فلا يستطع القارئ العادي، وفي أغلب الأحيان المتخصص أن يلتمس الفرق بينهم، بل إنك الآن إذا سألت أي أحد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي عن قائل الأبيات الذي نظمها الشاعر السعودي “عبدالعزيز الجاسر” فسيخبرك أن الشافعي هو من قالها.

الخطأ الذي وقع فيه صناع مسلسل رسالة الإمام، والذي وقعنا فيه قبلهم، هو أننا نجمع الأبيات مع بعضهم وننسبهم كلهم للإمام الشافعي.

وهنا نقف جميعًا صامتين، فلا ندري من جمع هذه الأبيات مع بعضهم البعض، أم كيف نسبهم للإمام الشافعي وهو لم ينشد أيًّ منهم.

مسلسل رسالة الإمام عمل تاريخي، وهذه النوعية من الأعمال قد اختفت بشكل شبه كامل من على الشاشة، وهذه خطوة جيدة من صناع العمل أن أعادوا إحياء مثل هذه الأعمال، نعم قد يكونوا وقعوا في الخطأ خلال أحداث المسلسل، لكن هذا لن يقلل أبدًا من قيمة العمل أو قيمة الإمام الشافعي في قلوبنا.

جميع الأعمال الفنية أو الأدبية أو حتى النظريات والفرضيات العلمية، تتعرض للنقد مهما بلغت دقتها، ونحن كما قلنا لا ندافع أو نتهم صناع العمل، نحن فقط نتناوله بشكل موضوعي لا أكثر.

فنحن إذا سألنا أي شخص من منتقدين المسلسل هل شاهدته، فستكون إجابته بكل تأكيد لا، فدعونا لا نحكم على شيء قبل رؤيته.

مسلسل “رسالة الإمام” هو البداية لإنطلاق الإعمال التاريخية، التي حرمنا منها منذ زمن، قد يكون هناك أخطاء، لكن دعونا لا نفشل العمل قبل الصناعة.

في النهاية نقدم كل الشكر لصناع المسلسل على ما قاموا به، ونرجوا أن تستمر هذه الأعمال ونراها بكثرة خلال الفترة القادمة، لكن الشيء الأهم الذي نريده هو مراجعة هذه الأعمال بشكل أكثر دقة، لإنها ستكون مرجع في يوم من الأيام للأجيال القادمة، كما هو الحال مع مسلسلات مثل “عُمر” و”الإمام” الذي يتناول السيرة الذاتية للإمام أحمد بن حنبل وغيرهم.

شاهد أيضًا.. «كان مصدرًا للسلام».. تفاصيل تولي الشيخ الرزيقي نقابة القراء

الشاعر البحريني على عمران: لم أعهد في الشعر شيئًا يسمى القصيدة النثرية (حوار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى