حمدى البطران يكتب: شدو لارين والكتابة بالحواس

اهدتني الدكتورة فتحية الفرارجي، أستاذ الادب والنقد الفرنسي ورئيس قسم اللغات الأجنبية كليه التربية جامعه طنطا روايتها ” شدو لارين “.كاتبة وشاعرة.
ونشرت قبل روايتها تلك كتابها الرائع” بين النيل والسين” وهو عبارة عن رحلة القاهرة لباريس الساهرة. وديوان شعر بعنوان” صهيل الخيول وألبابها”.

كما صدرت لها بالفرنسية كتاب عن فترة دراستها بالسوربون بفرنسا، وهو رسالتها التي أعدتها للدكتوراه، عبارة عن رؤية اجتماعيه وأخلاقية في العمل الروائي التيبو عند الكاتب الفرنسي روجيه مارتان دو جار ورحلة في النقد التكويني والاجتماعي وتلقي النص الأدبي.

ثمرة الدراسة بفرنسا وسيمنارات جامعة السوربون ومدرسة المعلمين العليا ودراسة مخطوطات العمل منذ مولده وزياره لبيت الكاتب. رحله أكاديمية هامه للدارسين والباحثين.

كما حصلت على جائزة أفضل امرأة عربية لعام ٢٠٢٠ والتي نظمها المنتدى العربي الإفريقي للتدريب والتنمية على هامش المؤتمر الدولي لمواجهة العنف والتمييز ضد المرأة في الدورة الخامسة للمنتدى والتي أقيمت في شرم الشيخ.

ونعود لرواية شدو لارين، الصادرة عن المكتب العربي للمعارف بالقاهرة عام 2021، وقد ستوقفني العنوان، لولا ان تفضلت الدكتورة بشرحه لي، واخبرتني أن العنوان عبارة جميلتين. شدو بمعنى غناء، ولارين هو اسم بطلة الرواية لارين اسم من اسماء مفاتيح الكعبة وداخل الرواية نطقه جارودي بالفرنسية وصارت الملكة وله معاني عديده تنعكس من خلال سمات بطله الرواية.

الرواية لا تمضي بسلالة كالروايات العادية، ولكن نحتاج لقراءات آخري للوقوف على خط سير الرواية ومحاولة الوصول للرسالة أو المضمون الذي تحمله، ولكن نجد أنفسنا أمام كتابة موغلة في الرومانسية. واستدعاء لذكريات ماضية، تعيش في الذاكرة وتحاول أن ارجاعها بما يعرف بتيار الوعي، أو سيل الوعي المتدفق، وهو الانسياب المتواصل للأفكار داخل الذهن أو جريان الفكر باطنيا وذهنيا ويدخل في إطار هذا التيار الكثير من التغييرات والتقلبات والتدفق والتفاعل بين الماضي والحاضر.

ونجد له أمثلة عربية عندنا في مصر، مثل كتابات أدوار الخراط، برائعته ” رامة والتنين”, ونجيب محفوظ من “اللص والكلاب”، ومن الأجانب فرجينا وولف من خلال ” السيدة دالواي.

والرواية للكاتب جيمس جويس بعنوان” عوليس” والكاتب الروسي ديستوفسكي “الإنسان والصرصار “وهو نوعً من كتابة الحوار أو المونولوج الداخلي للشخص، لذلك غالبًا ما تكون الجمل غير متوافقة، والأفكار غير مترابطة، يكون من الصعب معها متابعة النص والمشاعر والأحاسيس التي تكون متداخلة في النص، وتحتاج الروايات المكتوبة بهذا النوع من الكتابة الى كاتب له ذهن متوقد وشعور مرهف.

وقدرة على التحكم في النص حتى لا يتلاشى منه قبل الإمساك بحبكة روايته. كما ينبغي ان يكون الكاتب على درجة من الوعي بالتاريخ والجغرافيا والثقافة العامة. كما تحتاج لقارئ من نوع خاص يتمتع بقدرة على التركيز الشديد، وقوة ذاكرة فضلا عن سرعة الاستيعاب، الرواية تتضمن أربعة فصول هي: إنه المايسترو الالكتروني.

انه الحلم الافتراضي بصمة القلب، جزوع حورية الماضي. تشكا دار السلام، ويتكون كل فصل من عدة عناوين فرعية، يبدأ الفصل الأول بعنوان (ن) أي حرف النون، وتمضي الرواية بتهويمات صوفية تتغني بهذا الحرف وتقول فيه ” وصارت تلك اللحظة هي تلك النقطة المركزية، التي توسطت حرف النون، نقطة لها نفوذ، نقطة لها قوة، اندفعت بذاتها وكأنها حجارة ألقيت في بحيرة ساكنة، فخلقت من حول تلك النقطة دوائر أكثر اتساعا، لم تحملها إلى الأعماق، بل ولدت فيها فضاءات بعيدة، وكأن كل حرف عين في الجبل كبيوت نيوزيلاندا، تكسو الخضرة أبوابها المستديرة، وعيون المياه التي عن يمينها ويسارها.

وعندما تصل لشاطئ مرسى مطروح تتغنى روحها بجمال المكان قائلة: طافت تحت قباب الخيام، من شاطئ لشاطئ وتبحث في همس الخيام، تبحث عن تلك اليد التي قبلتها، ويتردد في اذنيها، وحشتني لمسة عينيك أنت، ومع كسرة التاء انكسر شيء ما داخلها وتحاول تضميدها بفتحها وتنادي: اين انت؟

ونحاول مع صفحات الرواية الاستدلال على مضمون يشي ما بداخلها. لنكتشف أننا إزاء فتاه غضة تكتب يومياتها بطريقة سرية، تتخيل حبيب مزعوم وتناجيه بأرق العبارات، مما يجع لوالدها يعتقد ان بنته لديها حبيب تناجيه فينبه أمها لذلك حتى تراقب ابنتها.

من خلال سطور الرواية نكتشف ان لارين لديها مرآتين، أو جانبين أو هكذا قادها خيالها، مرآة البنت والأنثى، عليها الكُحل والعطور الراقية وكل ما يخص التجميل والعناية بالأنوثة والجسد. ومرآة أخرى لجانبها الآخر من أوراق وأدوات كتابة وكراسات رسم عليها القلم والحبر وألوان مختلفة الأحجام إنها تلون سطورها بالأسود، وترسم رموش سطورها بالتشكيل، وتضع الظلال لما وراء الكلمات، اين كتاباتها تعبر عن انثوية حقيقية تشملها كلها، وتحاول التعبير عنها بكل سواء من حيث العناية بنفسها أو العناية بمذكراتها.

تسير الرواية ما بين جيل يكتب رسائل غرامية، وجيل يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي، وهي مفارقة تستعصي على الفهم إذا كانت من تمارس الكتاب هي نفسها من تعبر عن احاسيسها من خلال وسائل التواصل.

تعرج الرواية من خلال سطورها على بعض عيوب المجتمع ومشكلاته. مثل قضايا الشباب المحبط ووقوعه نهبا لعصابات الاحتيال واستغلال حلم السفر للخارج. وخطورة الجهل والخرافات والعديد من الموضوعات التي يمكن للقارئ أن يلمسها.

كما تستعرض الكاتبة قدراتها كإمراه لها باع كبير في المأكولات وجولات الرحلات والتخييم فتقول” قررت ان تأكل المردم، ولحم الضأن المطهي في بطن الرمال، وعلى شاطئ بحيرة تحيطها الجبال، وجفونها كثبان رملية ناعمة، تسدل عليها قصاصات مساء في نعومة الطحالب على الصخور.
ولأن الكاتبة شاعرة فقد كان للشعر نصيبه داخل سطور الرواية، حتى وإن كان الشعر منثورا في اغلب سطور وصفحات الرواية، وكأنك تقرأ ديوان شعر وليس رواية رومانسية. فتقول: “تسحب الرمال اقدام القدر، وتعلو أصوات الأمواج فوق صوتها الداخلي، وتعلو نشوة الأحاسيس فوق كل الحروف، وظلت تمتد ألسنة النيران الملتهبة. وهي تبتعد وتبتعد عنها بقوة، حتى بحثت عن بيت بعيد، تمتد من نوافذه ايادي البحر، تهدهدها وتنحنو عليها، وتضمها أصوات الموج في غياب الحبيب، وتغسل دموع وجهها، فتتطاير وتتناثر في قبلاتها على جميع خلايا وجدانها”.