أسرار طرد طاقم فيلم “الشيطان يعظ” من كندا

في كتابه الذي صدر في ثلاثة أجزاء عن دار الهالة للنشر والتوزيع تحت عنوان ” حكايات مصور سينما.. الغريب والخفي أثناء عمل الأفلام ” يحكي مدير التصوير الشهير سعيد شيمي عن تفاصيل منع طاقم تصوير فيلم “الشيطان يعظ” من التصوير في كندا.

الشيطان يعظ

يقول سعيد شيمي:” عملت مع أشرف في فيلم (الشيطان يعظ) الذي عُرض عام 1981، ولاقى نجاحًا كبيرًا، وحصل على العديد من الجوائز.

أشرف إنسان طموح وأراد أن يخرج الفيلم المصري من دائرة المحلية إلى العالمية، ففكر في عمل فيلم موضوعه يصلح لمصر والخارج معًا، ولهذا استعان بالصديق الكاتب مصطفى محرم؛ واختارا قصة (الغريب) للكاتب ألبير كامي لتمصيرها؛ لتلائم هذا الطموح بعرض الفيلم محليًّا وعالميًّا.

ولهذا تم تصوير الفيلم بالكامل في أجواء غريبة علينا بكندا في مقاطعة قريبة من مدينة (مونتريال)؛ فيها غابات شاسعة وبحيرة كبيرة ناتجة عن ذوبان جليد الشتاء، واختار فندقًا صغيرًا أشبه في طرازه بالكوخ الكبير؛ يصلح لأحداث الفيلم، وهكذا ظهر فيلم (المجهول) إلى الوجود.

وتم إنتاجه ببطولة متميزة لعمالقة التمثيل في مصر: سناء جميل، عادل أدهم، نجلاء فتحي، عزت العلايلي وسمية الألفي.

تم تصوير الفيلم في صيف 1981، المكان ساعد بشكل كبير في انطلاق الملكات في إبداع الصورة.

وكان معي لمساعدتي زوجتي أبية فريد -الأستاذة في المعهد العالي للسينما- ورافقنا ابني شريف -البالغ من العمر حينها تسع سنوات- وسافر معي أسطى الإضاءة فوزي لبيب، وعم محمد قناوي مصوّر الفيلم الفوتوغرافي.

كما استعنت من كندا بعاملين: أحدهم في الكهرباء والثاني على الشاريو المؤجَّر من هناك.

حلمي رفلة

بدأنا العمل بروح التحدي بهدف أن يكون مستوى الفيلم يخاطب الجمهور الغربي بجانب المصري والعربي، وسهّل لنا الأمور الإنتاجية والتصاريح هناك الدكتور في القانون منير رفلة، وهو ليس غريبًا عن صناعة الأفلام، فوالده المنتج المخرج حلمي رفلة؛ الذي اشتهر بعشرات الأفلام الناجحة.

كما أن منير رفلة نفسه في شبابه عمل مع والده في إنتاج الأفلام قبل هجرته إلى كندا للهروب من قصة حب عرفها كل الوسط الفني وقتها. حبٌّ شديد ولكن مستحيل ومن طرف واحد لممثلة شهيرة جدًّا، وبالرغم من أنها طُلِّقت من نجم أصبح مشهورًا عالميًّا.

عرّفنا هذا -الجنتل مان- منير رفلة على قوانين العمل في كندا ونتيجة عدم تنفيذها وكسرها، وأن العمل يستمر في اليوم ثماني ساعات؛ تتخللها ساعة راحة، ولا يتوقف العمل بعد الثماني ساعات، لكن يستمر وتُحسَب الساعات الإضافية بأجر جديد. لكن أهم شيء بعد انتهاء يوم العمل أن لا تبدأ اليوم التالي إلا بعد مرور 12 ساعة، وذلك للحفاظ على صحة المواطن وإعطائه وقتًا كافيًا للراحة… وبالفعل كان يوم العمل في التصوير يمر، ويتم بهذا الشكل النموذجي، ولكن اقترح بعض العاملين في الفيلم من المصريين أن نصوّر قبل اﻟ12 ساعة راحة، وقبل حضور العاملين الكنديين ومديرة الإنتاج الكندية كسبًا للوقت والإنجاز، وخاصةً أن معنا أسطى الإضاءة فوزي، ويمكن مساعدته في تحضير المشهد، فتحمسنا للرأي وعملنا بهمة بالفعل، وبدأنا التصوير باكرًا، وعند حضور العمالة الكندية عملوا بشكل عادي، وكأن لا شيء حدث.

 

لكن فجأةً وأنا أضبط اللقطة الجديدة وعيني في الكاميرا أظلمت الصورة، رفعت رأسي فوجدت سيدةً ضخمةً ممتلئة الجثة ترتدي بنطلون جينز وفانلة تيشيرت بيضاء؛ وكأنها إحدى نساء فيلليني الأسطوريات. وقفت أمام عدسة الكاميرا بالقرب وطلبت مني ألا أصور أي شيء، وطلبت مقابلة المسؤول عن الفيلم، فأخذتها إلى أشرف فهمي الذي كان يشرح الأداء للفنان عادل أدهم.

عرّفت هذه السيدة أشرف بمركزها القانوني في النقابة -يسمى هناك اتحاد- وأمرته بترك الأراضي الكندية هو والعاملون المصريون خلال 72 ساعة، وإلا سيُطبَّق عليه القانون والعقوبة الشديدة. هو فقط كمسؤول، أما باقي العاملين فسيسافرون خلال هذه المدة. ثم تركت المكان، ونبهت على العمال ومديرة الإنتاج بوقف العمل تمامًا في الفيلم.

أُصِبنا جميعًا بالإحباط وبالذهول على ما حدث فجأةً أمام أعيننا وسمعنا، فنحن مع الأسف في بلادنا نقابتنا مهملة، ولا تحمي أي فرد من أعضائها، ونحن غير معتادين على هذه الجدية في تنفيذ القوانين عمومًا.

منير رفلة

اتصل المخرج بمنير رفلة في المنزل لكنه لم يرد، فكان القلق لساعات حليفنا، ثم نجح في الاتصال به، فقد كان في محاضرة في جامعة كيبك فهو أستاذ فيها، وهي المقاطعة الفرنسية الوحيدة في كندا، وغضب جدًّا منير رفلة من تصرفنا بالرغم من تنبيهنا من قبل، ففي كندا ليس هناك (معلش) أو (آخر مرة) أو (معرفش) وغيرها من الأعذار. القانون وتطبيقه على الكل سرُّ تقدم هذه الدول واحترام أفراده لذلك.

وعد أشرف أنه في الغد سيذهب لمعالجة المشكلة قدر الإمكان.

ليلة البؤس

أمضينا ليلةً في غاية البؤس، إن لم ينجح منير رفلة مع اتحاد السينمائيين الكنديين فإن أشرف فهمي سيتكلَّف خسارةً مادية فادحة، فلقد أنهينا أكثر من نصف الفيلم في هذا الموقع الساحر. وعندما عرفت الفنانة الكبيرة ما حدث بكت بشدة خوفًا ألا يكتمل الفيلم وهي تلعب فيه دورًا مميَّزًا جميلًا، ثم نمنا في انتظار ما يحمله الصباح لنا من أخبار.

حضر منير رفلة بسيارته ومعه مندوب من الاتحاد يحمل حقيبةً وجلسا مع أشرف فهمي، ووقع أشرف على أوراق كثيرة بموافقة منير رفلة، وقال مندوب الاتحاد: «يمكنكم الآن استكمال التصوير»

عرفت فيما بعد أن منير رفلة استغل نقطة أن أشرف فهمي لم يمضِ كأجنبي على معرفته بالقانون الكندي في تشغيل العمالة، ولذلك استغل هذه النقطة وطلب من الاتحاد أن يذهب مع مندوب ليوقع أشرف على معرفة القانون الكندي، وهكذا نجا الفيلم ليكتمل في كندا بالكامل.

اقرأ أيضًا..

«ضرب رأسه بالحائط».. القصة الكاملة لاستبدال أحمد زكي بعادل إمام في فيلم الحريف