“الشخصية الوطنية المصرية”.. قراءة جديدة في تاريخ مصر

يمتد تاريخ مصر الاجتماعي إلى عصور سحيفة تصل إلى أكثر من ستين قرنا وهي مسافة زمانية قياسية بالمقارنة مع التاريخ الاجتماعي لابد لأي بلد من بلدان العالم وحتى بالمقارنة مع بعض المناطق الأخرى التي ظهرت فيها حياة اجتماعية مبكرة مثل أراضي ما بين النهرين ميسو بوتاميا فإن؟ كلمات بدأ بها الكاتب الدكتور طاهر عبد الحكيم كتابه “الشخصية الوطنية المصرية” الصادر عن الهيئة العامة للكتاب.

وقال المؤلف في مقدمة الكتاب إن الظروف المحلية الجغرافية والطبيعية أعطت لتاريخ مصر الاجتماعي استمرارية ضمن إطار اجتماعي تاريخي واضح الملامح لم تتوفر للحياة الإجتماعية في أراضي ما بين النهرين.

وأكمل في كتابه الذي يقع في 240 صفحة، فالصحراء التي تحد الوادي الزراعي من الشرق والغرب والبحر الأبيض الذي يحده شمالا وشلالات النوبة جنوبا أعطت للحياة الاجتماعية التي نشأت في مصر حدود الميكانية صارمة وواضحة على عكس ميسوبوتاما التي لم يكن هناك اية حدود واضحة تفصل بينها وبين الأراضي التي تمتد من حولها سواء إلى الشمال أو إلى الغرب أو إلى أو حتى الشرق.

وبينما النيل منتظم الفيضان فإن الدجلة لم يكن كذلك ولذا فإنه بينما كان من الممكن زراعة وادي النيل داخل مصر ضمن نظام رين واحد فإن المساحات التي كان يمكن زراعتها ضمن نظام واحد في ميسوبوتاميا كانت محدودة.

وبينما النيل نهر سهل الملاحة في الإتجاهين شمالا وجنوبا فإن الدجل على العكس نهر مضطرب ولذلك فإن الدولة المركزية التي قامت في مصر قبل نهاية الألف الرابع قبل الميلاد كان في إمكانها أن تستمر وأن تحافظ على الوحدة السياسية للبلاد بصرف النظر عن تغير الاسر التي سيطرت على تلك الدولة المركزية.

أما مسيو بوتاميا فإن الوحدة القاعدية فيها كانت المدينة الدولة وكانت هذه المدن في حروب مستمرة ورغم أنها كانت تتوحد من حين لآخر بقوة السلاح إلا إن تلك الإمبراطوريات التي كانت تتشكل من هذه الوحدة لم تكن تدوم فقامت وسقطت إمبراطوريات أوروبا وبليونية ونيونيو.

ولقد حظيت الحقب المختلفة من تاريخ مصر سواء كتاب أو كتاريخ إجتماعي باهتمام العديد من الباحثين من الممتازين مصريين أو غير مصريين وقدم كلا منهم دراسة أو دراسات رائدة إلا أن تلك الإستمرارية التي اتسم بها تاريخ مصر الاجتماعي لم تحفظ الدارسين بعد على تقديم دراسات تتناول هذا التاريخ كوحدة.

فهناك دراسات عن الحجم المختلفة لمصر القديمة الدولة القديمة أو الوسطى أو الحديثة وهناك دراسات عن مصر الهليانية وعن مصر الرومانية وعن مصر العربية أو الإسلامية وعن الدول المتعددة التي توالت على مصر أموريين ومحابسين وطولونين واخشد وفاطميين وأبوبيين ومماليك وعثمانيين.

وهناك دراسات عن حملة في مصر وعن مصر في عهد محمد علي أو في عهود أبنائه وهناك دراسات أخرى عن نسر الحديثة بداية بديا من الثورة العرابية إن لكل باحث منهجة ورؤيتة النظرية الخاصة للحقبة التي درسها وتصوره الخاص للتاريخ الذي ينطلق منه في معالجة الحقبة للمعين لذلك ظل تاريخ مصر الاجتماعي مفتقدا إلى معالجة شاملة تتعامل معه كوحدة متطورة ونحدد ما هو ثابت وما هو متغير في هذا التطور والعوامل المؤثرة سلبا أو إيجابا في هذا التطور.

ضفاف النيل في مصر

وفوق كل شيء تحدد المكونات الأساسية لتلك التشكيلة الإجتماعية التاريخية التي نشأت منذ الآف السنين على ضفاف النيل في مصر وكيف تعاملت هذه المكونات الأساسية مع ظروف سياسية واقتصادية مختلفة الأمر الذي يساعد على فهم الحركات الحركة التاريخية لهذه الجماعة من الناس التي سكنت مصر منذ فجر التاريخ أي في كلمات ظل تاريخ مصر الاجتماعي مفتقدا من نظرية متكاملة نفس تفسر تطوره.

ولقد أثار الثورة 23 يوليو 1952 مجموعة من القضايا الهامة كانت معالجتها تتطلب تتبعها في كل مراحل تاريخ مصر.

قضية الاصلاح الزراعي وأهمية

فقضبة الإصلاح الزراعي وأهميته لتطور مصر إقتصاديا وإجتماعيا أثارت مشكلة الأرض الزراعية فوضع الباحث إبراهيم عامر دراسته عن الأرض والفلاح عام 1958 حاول فيها أن يتبع التطورات.

ويرجع الفضل إلى هذا البحث أنه كان الأول من نوعه الذي حدد مرحلتين ملكية من أرض في مصر الأول وقت كانت الأرض ملكيا مطلقا للدولة وإنعدام الملكية الفردية لها والمرحلة الثانية هي ظهور الملكية الفردية للأرض بعد قانون المقابلة الذي أصدره الخديوي إسماعيل عام .
1871 .

كما أنه كان البحث الأول الذي اعتبر ظهور الملكية الفردية للأرض بداية لظهور البرجوازية المصرية من حيث تحول الأرض إلى سلعة تباع وتشترى ومن ثم أصبحت الأرض رأس مالا يضر دخلا أو ينتج فائض قيمة وهي إستنتاجات يسلم بها وينطلق منها كل الباحثين المصريين المحدثين.
اصلاحات محمد على في مصر

كذلك كان هذا البحث أيضا هو الأول الذي رفض الآراء التي وصفت مصر في مرحلتها القديمة بأنها كانت إقطاعية على نمط الإقطاع الأوروبي مستندا في ذلك إلى الفاروق بين إنعدام الملكية الفردية حيث الأرض كلها كانت ملكا للدولة المركزية في مصر وبين الملكية الفردية التي هي أساس الإقطاع الأوروبي.

إلا أن الباحث إضطر أمام الإصلاحات التي أدخلها محمد علي عام 1805 لـ 1840 بعد العام بعد إلغاء نظام الإلتزام واضطر أن يتصور نمطا جديدا من الإقطاع أسماه الأقطاع الشرقي ليصف به نظام الأرض في عهد محمد علي رغم أن ملكية الدولة المركزية للأرض وهي منطق أساسي من منطلقات البحث لم يطرأ عليها أي تغيير.

ورغم الأهمية الكبرى لهذا البحث وموقعه الرائد في دراسة تاريخ مصر الاجتماعي إلا أنه ظل محصورا في تتبع شكل ملكية الأرض دون أن يتطرق إلى آثار ذلك على حركة المجتمع المصرية الإجتماعية والثقافية والسياسية وفي عام 1977 .

وتعتبر الدراسة محاولة لتاكيد صحة هذا الإطار النظري المستمد من بعض كتابات ماركس عن نمط الإنتاج الإسيوي.

أن الدراسة بدأت تاريخ مصر بالفتح العربي منتهية للخمسينيات لهذين السببين كسرت هذه الدراسة عن أن تقدم رؤية متكاملة لتاريخ مصر الاجتماعي كوحدة مستمرة متطورة كما كسرت أن تقدم نظرية لتطوير للتطور مصر الاجتماعي؟

ولكن ستبقى دراسة الدكتور صبحي وحيدة تحتل مكانا خاصا في الفكر المصري المعاصر من زاوية أنها كانت أشبه بما أني فزت مبكر للأتجاه التكنوكراطي الذي استولى على السلطة من خلال حركة الضباط الأحرار في 13 23 يوليو .1952

من هنا كانت ضرورة البحث الحالي كمحولة لفهم عملية تشكيل البنية القومية في مصر وتطورها على أكمل على أمل استكمال الجهود السابقة وسد الثغرة في الفكر المصري المعاصر وليس هذا حكما مسبقا بكفاءة هذا البحث بقدر ما هو إجابة عن السؤال لماذا هذا البحث.

تشكيل البنية القومية في مصر

يعالج هذا البحث تشكيل البنية القومية في مصر نقصد بالبنية هنا مجموعة العوامل الاقتصادية والاجتماعية وتعبيراتها الادارية والثقافية والسياسية التي في مجموعها وفي مجموعة العلاقات المتبادلة بينها كقل وبين بعضها البعض شكلت تلك الظاهرة الاجتماعية التاريخية في مصر،

وكيف تطورت هذه البنية عبر التاريخ وما هي القوانين التي حكمت عملية التطور هذه وما هي العوامل الذاتية والخارجية التي أثرت سلبا أو إيجابا على هذا التطور هذه البنية هي بنية اجتماعية بطبيعة الحال.

ولكن هذا البحث أثر أن يعالجها كبينيا قومية نظرا لأن العامل القومي ونقصد به الوعي بالذات ككيان واحد متماسك والنزوع لتأكيد الذات في مواجهة ما هو خارج عنها اتخذ طابع الظاهرة وكان ملموسا بدرجة قوية في كل مراحل تطور المجتمع المصري بل أن هذا العامل القومي كان بمثابة الدرع الصدفي تتحصن داخلة الشخصية القومية المصرية في مواجهة عوامل خارجية صونا لنفسها أو في محاولاتها للتحرر أو للتطور نحو أوضاعأ فضل.

ولذلك سنجد ما يمكن أن نسميه بالمؤسسات القومية ظاهرة متكررة في التاريخ المصري فلقد كانت ديانة أوزيريس أشبه بمؤسسة قومية في مواجهة كهنة آمون حينما أصبحوا كهنة وحكاما وملاكا في أن معا وكانت الكنيسة المصرية مؤسسة قومية في مواجهة تواطئ الكهنة
آمون مع الغاز والمقدوني ثم في مواجهة الرومان والبيزنطيين كما كان تعامل تميز قومي يحفظ الذات القومية في مواجهة الموجة الكوزوموبوليتية التي سادت شرق البحر المتوسط في ذلك الوقت.

وفي الوقت الذي كانت تفتقد فيه مثل هذه المؤسسات القومية كانت الثورات الفلاحية هي التعبير القومية عن فرض عن رفض السيطرة الأجنبية كما كانت هناك حركة العلماء في مواجهة السيطرة المملوكية العثمانية وبعد ذلك كانت هناك الحزب الوطني الأول أحمد عرابي والحزب الوطني الثاني مصطفى كامل ثم حزب الوفد ثم الحركة القومية التي كان يقودها جمال عبد الناصر بصرف النظر عن تعدد اشكالها التنظيمية مصر على ذلك.

فإن هذا البحث لا يمثل محاولة لكتاب التاريخ مصر السياسي الاجتماعي بقدر ما يمثل محاولة لإعادة قراءة التاريخ من منظور جديد وفوق كل شيء فإن أقصى طموح لهذا البحث هو أن يكون دعوة لإعادة دراسة تاريخ مصر من زاوية استمرارية ومن زاوية أنه تاريخ مجتمع وشعب وليس مجرد تاريخ حكام.