الشاعر زكريا رضى: طلاسم إيليا أبو ماضى أقل وحشية من اطروحات أدونيس (حوار)

قصيدة النثرية تقصى العمودية والتفعيلة

النظرية النقدية العربية محفوفة بالمكاره والشهوات

فراغ الكبار  لن يسده أحد إلى يوم القيامة

الأنوثة قارة في القصيدة وإن قالها شاعر

زكريا رضى أحد النقاد والشعراء البحرينين الذين دخلوا إلى عالم النقد الأدبي من بوابة الشعر الوثيرة تمامًا مثلما دخلها من خلال الصحافة الأدبية والثقافة العامة وحضوره الطاغي في الندوات والملتقيات واللقاءات الثقافية المتنوعة.

لديه العديد من المطارحات الفكرية حول ماهية النقد الأدبي وضرورته العربية والعقل الجمعي للأمة وطريقة تعاطيه مع مشكلاته وخطاياه، وكانت له العديد من المناظرات مع المفكرين والصحفيين والشعراء والتي كانت تنتهى دائمًا بفتح الأسئلة وإثارة القضايا والدفع بالعقل إلى التفكير ثم التفكير.

موقع “مباشر 24” التقى زكريا رضى وأجرى معه حوارًا حول العديد من القضايا الثقافية والفكرية المطروحة على الساحة.. وإلى نص الحوار..

النقد الأدبي إلى أى مدى أصبح متأخرًا عن الإبداع؟

علينا أن نلوي عنق السؤال ناحية سؤال مركزي وأساسي هل أمكن للعقل النقدي العربي بناء نظرية نقدية عربية محكمة البناء واضحة المعالم بينة المنهج؟ في الدرس النقدي العربي ” أؤكد على كلمة عربي ” كي نشتبك باللغة كهوية معرفية ونقدية وكمنبع نظري وإبداعي لايمكنك  أبدًا غض النظر عن جهود عمالقة النقد العربي وعراب النقد العربي بالخصوص وعميده طه حسين ومن تتلمذ على يديه من بعده كـ سهير القلماوي والأساتذة الكبار الذين ترسموا درب النقد كصلاح فضل وجابر عصفور ولكن هل يمكن تلمس ملامح هذه  النظرية النقدية العربية الخالصة، التي ابتكرها العقل النقدي العربي؟

مع غض النظر عن جهود التأسيس العربي النقدي التراثي من جهود عبدالقاهر الجرجاني في كتابيه أسرار البلاغة ودلائل الإعجاز وجهود من سبقه كقدامة بن جعفر في كتابه نقد الشعر والآمدي في كتابه الموازنة بين الطائيين فإننا مع لحظات التمرحل التاريخي للعقل النقدي العربي سنلاحظ هذه الحالة التي تحول فيها النقد العربي من النقد التأصيلي وسبر أبنية اللغة إلى النقد التطبيقي والمتأسس على نظريات النقد الحديث كما طرحت في المناهج النقدية الغربية من بنيوية وأسلوبية وتفكيكية وسيميائية.

أبدع العقل النقدي في الحقل التطبيقي بما لا مزيد عليه بل لربما تجاوزت هذه التطبيقات النقدية والممارسات  النظريات الأم التي انطلقت تلك التطبيقات على هدي مناهجها ولكن بقيت مساحة ( النظرية النقدية) المتأسسة على فلسفة ورؤية خاصة كونية للغة واسعة وبحاجة إلى ترسم ملامح الطريق ربما لدبنا محاولة جسورة واستثنائية وابتكارية على الصعيد النقدي العربي والاشتغال في حقل النقد الشعري العربي الحديث تجلت إسهامات الدكتور علوي الهاشمي في سكونه المتحرك وتلك البنى الثلاثية التي اشتغل عليها بنية اللغة وبنية المضمون وبنية الأسلوب.

ولكن بقدر ما تتيحه هذه العجالة فإن الطريق إلى النظرية النقدية العربية محفوف بالمكاره والشهوات أعني شهوة البحث العنيده التي تغري الممارسة النقدية بأن تلج وتقتحم غيابة جب النص وتستجلي مكامنه النصية والأسلوبية.

هل جيل النقاد الحالي يملأ الفراغ، أم أنه لا يتواكب مع حركة الشعر ما بعد الجديد؟

لئن عنى هذا السؤال بالفراغ هو فراغ الساحة النقدية من أقطابها فإني مؤمن إيمانًا تاما بأن الإبداع نقديا كان أم نصيا هو نسيج ذاته ويتسم بالفرادة فإذا مات شاعرٌ أو ناقد ثلم النقد ثلمة لايسدها شيء إلى يوم القيامة لأن لا ندّ للفرد من حيث هو في فرادة إنتاجه وفرادة نصه فطه حسين لا يتثنى ولا ينكرر وجابر عصفور هو جابر عصفور وصلاح فضل هو صلاح فضل وحده نعم ما هو مطلوب اليوم مطلوب من هذا الجيل الجديد الذي ورث الدربة والتمرس النقدي من جيل الآباء لكي يكمل المسيرة وتتواصل الحياة هكذا تتناص التجارب وتتوالد وتتخلق

كيف تلقيت قصيدة النثر وهل انت راض عنها أم أنها شوهت الشعر العربي ؟

-بحسب ما تلقيناه من خبرات نقدية من أستاذتنا الكبار وأخص بالذكر  الدكتور حلمي مرزوق والدكتور صلاح فضل رحمهما الله والدكتور علوي الهاشمي فالمستقبل في الأفق المنظور هو لقصيدة النثر لا أقول أن قصيدة النثر أقصت العمود ولكن المتغيرات الاجتماعية والهزات الفكرية التي طالت أنظمة اللغة ومنها القصيدة ماعاد العمود الشعري بقادر على استيعابها والتعبير عنها مثلما كان يعبر عنها شوقي وحافظ إبراهيم والجواهري والمتنبي سيبقى العمود شامخا ومهابا لكنه سيبقى تراثا شعريا بالتأكيد ستستفيد منه قصيدة النثر في بنيتها الشعرية والمجازية لكن الأسئلة الكونية الكبرى مثلما كانت حاضرة في طلاسم إيليا أبي ماضي إلا أنها في أدونيس أكثر سؤالا وأكثر إيغالا وأكثر توحشا.

يقال ان قصيدة النثر جاءت من عباءة العجز عن فهم واستيعاب اوزان الخليل وعروضه واسعة المدى.. ما رأيك؟

تقول سهير القلماوي (أن الجدال في الشعر المرسل والشعر المقفى ليست من مسائل الحساب والمنطق بل هي مسألة حسّ أنا أسمع نغما يعجبني وأنا تسمع نفس النغم فلا يعجبك) ، ولدت القصيدة قبل أوزان الخليل ويوم أن قال امرؤ القيس مكرَ مفرّ مقبل مدبر معا كجلمود صخر حطه السيل من عل  لم يكن يعلم ما البحر الطويل وما تفعيلاته وما خببه وما مشطوره ومجزوؤه  ومثلا بمثلا القصيدة كائن لغوي أولًا وهي ابنة الحياة والتجربة فيوما تراها بوجه مفعّلٍ ويوما تراها ناحلة الوزن .

هل تتفق معي بأنه لم يعد لدينا شعر للمرأة وآخر للرجل وآخر للشباب والكهول؟ هل شباب الشعر في روحه ام في عمر كاتبه؟

لعلك ترمي إلى تجنيس الشعر ( من ذكورة أو أنوثة ) وجندزته قل لي لو قريء عليك شعر الخنساء دون أن تعلم أنها الخنساء فهل ستعرف أن هذا شعر امرأة ؟ ما لم تشر هي عن نفسها بضمير الأنوثه ؟ عموما القصيدة كما تقول الشاعرة البحرينية حمدة خميس ( كل جسدٍ كون / كل قصيدة أنثى ) الأنوثة قارة في القصيدة حتى وإن خرجت من فم شاعر فحل كالمتنبي ولا أظنك تغفل عن قوله بأبي الشموس الجانحات غواربا.. اللابسات من الحرير جلاببا.

كيف ترى حركة التجديد في الشعر البحريني بعد حقبة قاسم حداد ورفاقه وصولا الى كريم رضي وجيله؟

لو خليت خُربت ولو وضعنا قارئة الفنجان مع أغاني شعبولا مثلا لكان ظلم في الميزان ذاته وفي أداة الوزن لا في الموزون لا شك أن قاسم حداد اختط مساره في القصيدة الحديثة بكده وتعبه وعصارة تجربته وبرؤيته الكونية للغة الخلاقة تلقائيا فإن الجيل الذي أتى بعد قاسم.

ومن بينهم الشقيق الشاعر كريم رضي وشعراء آخرون كأحمد رضي وأحمد العجمي وأحمد السّتراوي والشاعرة فاطمة محسن يحملون خشبة شعرهم على ظهرهم بانتظار  ناقد يصلبهم عليها أي بانتظار حركة نقدية تواكب هذا المنتج وتبدأ في طرح أسئلتها عليه وفي استنطاق مدلولاته، دخلت معترضة كثير من التجارب الخواء والزبد الجفاء لكن سيبقى دائما ما ينفع القاريء ويمكث في ذاكرته ويستعاد في مخيلته.

زكريا رضي من أنت ؟

كائن طفيلي أتعلق بالنص كالطحلب ويوم أن أخترقه أتكاثر فيه وأتناسخ، بطاقة تعريفية، زكريا رضي، ناقد من البحرين، مجاله في نقد السرد تحديدا له عدد من الاوراق النقدية في مجال السرد منها سحق الزعفران ( قراءة نقدية في رواية الآخرون لصبا الحرز) السخرية ومكر الخطاب ( قراءة نقدية لمجموعة مرايا القصور لابراهيم راشد الدوسري، الشخصية المرجعية في رواية عمر بن الخطاب شهيدا للروائي البحريني عبدالله خليفة.

وقراءة نقدية للمتتالية السردية الهامات للقاص البحريني أحمد حجيري، الحوارية المؤجلة في رواية بدر الإبراهيم حياة مؤجلة، محرر ثقافي بمجلة البحرين الثقافية ، عضو بأسرة الأدباء والكتاب البحرينية.

اقرأ ايضًا:

أحمد السلوم: ندعم شباب رواد الأعمال بالتمويل ودراسات الجدوى(حوار)