الروائية سلوى بكر: رواية ” ليل ونهار” تكشف الجانب السرى في عالم الصحافة (حوار)

-إشكاليات المرأة كثيرة وهناك تركة نسائية تعمل عليها (حوار)

–  البشموري تطرح أسئلة العصر والتاريخ المسكوت عنها

–  الشباب يلجئون للرواية لمغرياتها الكثيرة

سلوى بكر روائية حفرت مجراها وسط متناقضات العصر، نشأت في حى الزيتون شرق القاهرة، وانتمت لنفسها قبل أن تنتمي سياسيًا لتيار أو أدبيًا لتوجه.

ترى دائمًا أن القصة القصيرة هى عروس الرواية، والرواية هى مفترق القصيد، منذ نعومة أظافرها وهى تكتب وتنشر وتتحرك من مقهى إلى مقهى، ومن منتدى إلى أخر، ومن كتاب إلى كتاب حتى أصبحت السيدة التي تكتب الرواية بوعى كامل الأوصاف.

وتدور أعمالها الأدبية والروائية حول المرأة والمهمشين، صدر لها العديد من الروايات والأعمال الأدبية، أبرزها: “ليل ونهار”، “مجموعة قصص”، “البشموري”ثم حصلت على العديد من الجوائز منها: جائزة الإذاعة الألمانية، وجائزة محمود درويش، ومؤخرًا حصلت على جائزة الدولة التقديرية، موقع ” مباشر 24″ التقى بالكاتبة والروائية سلوى بكر.. وإلى نص الحوار..

في البداية.. لماذا تدور أعمال سلوى بكر الروائية والأدبية حول إشكاليات المرأة  والمهمشين؟

الغالبية العظمى من النساء في مصر والعالم العربي هن من الطبقات الفقيرة الكادحة، هن من الأرامل بسبب الحروب والصراعات الكثيرة في منطقتنا العربية، فالنساء هن مؤسسة زوجية سواء اللواتي لم يلحقهن قطار الزواج أو بسبب الطلاق، وغياب الزوج إلى آخره.

فأنا معنية بالسواد الأعظم من النساء، ذلك النوع من النساء الذي لا يستدعى كتابة الرجل، فالرجل يكتب كأديب أو كاتب عن الحبيبة والعشيقة، والمرأة الجميلة، والتى هو في حالة منفعة معهاـ كزوجة وأبنه، ولذلك في الأدب لا نجد كثيرًا الكتابة عن الأخت، والأخت في كتابة الرجل عادة ما تكون بملامح سلبية نراها حقودة، شريرة، تغار من الزوجة الجميلة، وما إلى ذلك من سلبيات.

وأنا أكتب عن إشكاليات المرأة، لأن إشكاليات النساء في عالمنا العربي كثيرة متنوعة، وهناك تركة إنسانية كبيرة تعمل ضمن المرأة وتنتج هذه الإشكاليات.

وأما عن المهمشين، فالقراء عادة هم من المتعلمين ومن الطبقات الوسطى التي تتآكل الآن، ولكن الخطاب يكون موجه لهؤلاء للنظر في أمور تبدو عادية بالنسبة لحياتنا، فمهمة الكتابة هى النظر إلى الأشياء التي تبدو اعتيادية بعين غير اعتيادية، وأوصف الأوضاع داخل المجتمع، ولا أقدم حلول ولكنى أضوء على المشكلات الإنسانية، وأبرزها.

هل ترين أن المرأة ظُلمت في الرواية العربية، من حيث التحديات التي تواجها والضغوط التي تتعرض لها؟

الكتابة تاريخيًا الرواية والقصص والإبداع الأدبي قام به الرجل بحكم تقسيم العمل الاجتماعي بين الرجل والمرأة، والمرأة منوطة بإنتاج وظائف الحياة من الحمل والرضاعة وما حول ذلك، والرجل يصنع العالم، فالكتابة تاريخيًا قام بها الرجل، والكتابة تاريخيًا قدمت من منظور الرجل، وعن عوالم الرجل، وكان جزء من عوالم الرجل دائما النساء، إذن إشكاليات المرأة الحقيقة لم تكتب على نحو عميق، ومن منظور المرأة إلا عندما كتبت المرأة.

ومثلًا إذا عدنا إلى عمل من الأعمال وهو ” أريد حلا” للكاتبة حسنة شاة، الذي تحول إلى فيلم سينمائي، فهذه الإشكالية لم يكتب عنها الرجل بل كتبت عنها المرأة، كتبت عن مشكلة المرأة المهجورة التي لا يعاقبها الزوج ولا يطلقها، فإذن هذه الإشكالية هو أن الرجل الذي كان كاتبًا معظم الوقت، وعبر عقود طويلة وسنوات طويلة، والآن هناك كم من النساء يكتبن وبالتالي أصبحت إشكاليات المرأة الحقيقية تتقدم في الأعمال الإبداعية، فالمسألة ليست مسألة ظلم أو عدم ظلم، فهى مسألة لها أسباب وجذور وسياقات تاريخية يجب التعامل معها.

“مجموعة قصص” هل استغرقت وقتا طويلا لكتابتها حيث أنها تضم مجموعة من المفردات اللغوية؟

اللغة الأدبية والروائية هى ترسم الشخصية، تعبر عن عوالمها، فاللغة هى بمثابة الألوان بالنسبة للرسام، فالرسام الذي لا يعرف العلاقات اللونية جيدًا، فهو لا يقدم عملا جيدًا حتى لو كان موهوبًا، وأيضا الكاتب عليه أن يعرف الدلالات اللغوية على نحو جيد، يعرف المستويات اللغوية على نحو جيد حتى يستطيع أن يستخدمها في رسم شخصيته والتعبير عن مرجعيتها، والتعبير أيضا عن خطاباته، فالكاتب في النهاية يصور عالمًا ويجسد عالمًا بهدف إنتاج خطابات للقارئ حتى يستطيع أن يجسد خطواته.

وأنا أرسم كل شخصية بلغة تناسبها، والمسألة في الكتابة ليست عامية أو فصيح، فأكتب معظم الأعمال بفصيح العامية، فمثلا نقول في العامية “معلش” وفى العامية نقول أيضا ” ما علينا” واختار ما يناسب الشخصية، فاللغة هى اختيار ضروري لرسم الشخصيات وعوالمها ومرجعيتها.

الإبداع هو إعادة إنتاج العالم، يعني مجمل الخبرة الإنسانية الموجودة عند المبدع سواء كاتبًا أو رسامًا، فهو يعيد تشكيل العالم، يعيد خلقه بطريقة أو بأخرى من علاقاته، تجاربه الشخصية، التقائه بناس.

وماذا عن رواية ” ليل ونهار” ؟

تجسد جانب من عالم الصحافة والإعلام وهو الفساد الكذب والنفاق والمصالح التي تحرك هذا العالم، فهى بها جانب من هذا العالم، هناك شخصيات في العمل تنسحب على عوالم شخوص موجودة في الحياة.

والدافع لتأليفها هو تبيان ما سارت إليه أحوالنا الآن، وتبيان ضلوع الإعلام الورقي وغير الورقي في تزييف وعى المواطن وحجب الحقائق عنه.

وهل وجود شخصية زاهر كريم ترمز لشئ معين في رواية” ليل نهار”؟

زاهر كريم رمز للرأسمالية المصرية منذ بدايات القرن العشرين، فهذه الرأسمالية التي حاولت أن تقدم نهضة قومية من خلال الصناعة، وإنشاء صناعة سينما، فكان هناك رموز من الرأسمالية المصرية التى حاولت تعمل صناعة  نسيج، وأشياء كثيرة قومية تنهض الوطن، وهذه الرأسمالية في نهاية القرن العشرين وحتى الآن هى انتهت، وأصبح هناك رأسمالية هشة كرغاوي الصابون، تفعل أمور ليست هادفة، فموت زاهر كريم موت رمزى لهذه الرأسمالية التي نشأت مع بدايات القرن الماضى، وحاولن إحداث نهضة داخل مصر.

لماذا تم استخدام مفردات تشبه كتابات المقريزي في رواية “البشموري”؟

الكاتب يحق له كتابة ما يشاء في التاريخ وعلم الفلك، وكل مجال، فالبشموري هى رواية تتساءل عن التاريخ وليست تاريخية، فهى تعيد طرح أسئلة في التاريخ، وهى كتبت بلغة العصر الوسيط، وهى تبدو صعبة بالنسبة للقارئ المعاصر، فالقارئ المعاصر يتحدث بلغة، ويقرأ بلغة ميسرة، تتعلق بعصره بسبب الإعلام والتعليم وبسبب أشياء كثيرة أخرى.

فاللغة العربية غنية للغاية، وتتطور وفقا لمعطيات كل عصر، فعندما أكتب بلغة العصر الوسيط عن شخصيات من العصر الوسيط، فالهدف هو أن أجسد هذه الشخصيات وفقا لعوالمها.

ما الدافع من وراء كتابة رواية البشموري؟

أوضاع البشموريين وثورتهم، فهى ثورة امتدت في عصر الولاة حتى عصر العباسي الأول في زمن الخليفة المأمون، هذه الأحداث وهذه الثورة شبه مسكوت عنها تاريخيًا، فلم يكتب عنها تاريخيًا، لأن التاريخ الإسلامي العربي، والتاريخ المصري المسيحي القبطي سكتوا عن هذه الثورة لأسباب تتعلق بمصالح الدولة العربية الإسلامية من ناحية، ومصالح الكنيسة المصرية القبطية من ناحية أخرى.

فالكنيسة القبطية جرمت هذه الثورة، وكذلك المؤرخين المسلمين العرب، فالثورة شبه مسكوت عنها تاريخيًا رغم أنها امتدت من القرن السابع حتى القرن التاسع الميلادي يعني حوالى 200 سنة كانت تهب وتخقض حتى بلغت ذروتها في عهد الخليفة المأمون.

هل تغير عصر الكتابة منذ الستينيات عن العصر الحالى مع ظهور وسائل التواصل الحديثة؟

ليس هناك تغيير مع ظهور الإلكترونيات، ولكن المهم مضمون الكتابة، وكيف هى الكتابة؟ فهى المعيار الأساسي، فلو نص مكتوب على ” الفيسبوك” واليوتيوب جميل أحسن من خمسين نص مكتوب في الورقي.

من وجهة نظرك.. هل وسائل التواصل الحديثة أحدثت حالة من العزوف عن القراءة بسبب انشغال الناس بالصورة والصوت؟

بالطبع لا، فهى نقلت القراءة الورقي إلى الوسيط الإلكتروني فقط ” الكتاب الإلكتروني”، ولكنها لم تؤدى إلى حالة عزوف.

لماذا يلجأ الشباب خلال الفترة الأخيرة إلى استخدام نوع واحد من الأنواع الإبداعية وهو “الرواية “؟

لأن الرواية عوالمها تقدم مغريات مثل الجوائز، والأموال، والبرستيج، فالكتاب يحب أن يطلق عليه روائي، ويشار إليه بالبنان ويقولون  إن هذا اصبح روائي، ويعطى وضع أدبي إن جاز التعبير فهذا شباب كثر لجئوا إليها، ولكن الجاذر الأساسي في الموضوع هو وجود مأزق تعبيري داخل المجتمعات العربية.

اقرأ ايضًا:

أغنية ” ولعانة ” للفنان أحمد مكى تتخطى الـ 4 مليون مشاهدة عبر يوتيوب