“الدين والمرأة والجنس”.. محظورات أدونيس لتحقيق الإبداع
في حوار لم تنقصه الصراحة وقبل ربع قرن من الزمان، كشف الشاعر والمفكر السوري الكبير على أحمد سعيد الملقب بـ”أدونيس” عن ملامح تلك القطيعة التي طالب بها شعراء هذه الأيام مع التاريخ، وذلك في حفل كبير بالرياض بمناسبة اليوم العالمي للشعر.
قبل ربع قرن كان يزور أدونيس البحرين، ويتحدث على هامش ندوة شعرية في فندق دبلومات البحرين في سهرة حتى الصباح مع الشاعر والكاتب أسامة مهران والشاعر البرفيسور الدكتور أحمد تيمور، والشاعر البحريني المعروف قاسم حداد.
وعلى هامش اللقاء تحدث مع الشاعر أسامة مهران، ردًا على سؤال: هل نحن متقدمون في الشعر؟ فرد أدونيس نحن لسنا متقدمين في أي شئ، وحتى نكون متقدمين في الآداب والعلوم والفنون لابد أن نكتب بأجسادنا ولا نكتب برؤوسنا، وعندما لم تكن الإجابة مفهومة أبدًا في ذلك الوقت.
سأله الكاتب الشاعر أسامة مهران عن مغزى الكتابة بالجسد؟
فإذا بأدونيس يلقي بكرة الثلج المتدحرجة في وجهه قائلًا: لا يجب أن نكتب بروؤسنا لأن الرأس العربية لا يمكن لها أن تبدع وتتقدم وتكتشف، طالما أن بها تاريخ وماضي يحمل خمسة محظورات هى: العادات والتقاليد، الدين، الجنس، المحظور السياسي، المرأة.
وهذه المحظورات مثلما أشار أدونيس هي التي تشكل موانع صناعية تعطل العقل العربي عن التفكير والابداع وينبغي مقاطعة الماضي بالكامل حتى يتم مقاطعتها وبالتالي تحقيق الإبداع المنشود.
وقال أدونيس طالما أننا غير قادرين على تحقيق الفصل الكامل بين تراثنا والواقع الذي نعيش فيه الآن فإننا لن نستطيع تحقيق أي تقدم علمي أو إبداع شعري.
وطالب الشعراء الذي كان يرافقني متهم آنذاك وفي نفس الجلسة الخاصة، طالبهم البروفيسور والشاعر المصري الكبير دكتور أحمد تيمور، طالبهم بعدم الإفراط في تناول التراث بل وإجراء قطيعة كاملة معه لأنه يعتبر مانع حصري للتفكير بحرية، وأنه لا إبداع أو تقدم من دون حرية.
كما طالبنا في الجلسة الخاصة نفسها بالا تسيطر علينا هواجس الارتباط بهذه المحظورات لحظة الكتابة حتي تستطيع التجربة الشعرية التعبير عن مكنونها باستقلالية وتجرد وليس بتبعية وخوف.
وكان أدونيس قد تحدث في مبحث كامل في أطروحاته للدكتوراه عن تثوير اللغة من دون أن يربط هذا المعنى بالثورات السياسية والاجتماعية المعاصرة، قائلًا:” بإن الشعر لابد أن يقام على أسس ومفردات جديدة وعلاقات لفظية لم تتحق من قبل.
بالإضافة إلى البحث عن شخصيات تستطيع الرد بين مواقفهم الحياتية غير التقليدية وتلك التي يتم التعبير عنها بصدق وموضوعية في النصوص الشعرية والأدبية.
وقد ارتبط جيل السبعينيات الشعري في مصر والعالم العربي بهذه الأفكار ارتباطًا كاثوليكيًا حتى أن بعضهم قد فهم هذا الطرح على أنه تركيب لا يمكن تفكيكه لتحقيق الثورة في اللغة، وأنه خلق لا يمكن تقليده ولو كره التقليديون.
الأمر الذي أدى إلى شعراء أمثال حلمى سالم وأمجد ريان إلى الكتابة الصادمة بمحمود نسيم رحمه الله، وأسامة مهران، إلى الكتابة عن المعنى والمغزى والتناقص الموسيقى الذي يصعب تفكيكه أيضًا.
ولم يكن الشاعر أمل دنقل مستريحًا لهذا النوع من الشعر، ولا الناقد إبراهيم فتحى إلا في أضيق الحدود، ولا حتى المفكر الكبير إدوارد الخراط الذي كان يرى أن هناك جيلًا يحاول التثوير للغة العربية والمواقف الحياتية كل على طريقته من أبناء هذا الجيل.
وقد أشار إدوارد الخراط بأن كل من أسامة مهران ومحمود نسيم يحاولا اكتشاف نسك موسيقي جديد خارج نظاق أوزان الخليل بن أحمد الفرهيدي، وذلك بعيدًا عن شعر التفعيلة الذي كان سائدًا بين شعراء الخمسينيات والستينيات، وأن هذا النسك الموسيقي يحتوى على ايقاعات داخلية يمكن أن تعوض الجرس الخارجي لموسيقى الشعر العربي التقليدية.