Site icon مباشر 24

أكاديميون عن الخلط في اللغة: التجريب ضرورة.. والرواية اقتمحت من قبل غير الموهوبين

الفنون والآداب كلها تتأثر بعوامل التطور والعولمة ولاشك ان القصيدة انفتحت على العولمة أكثر من الرواية فظهرت قصائد ومضة وهايكو وقصيدة النثر التي تنبع موسيقاها من الداخل ويسهل ترجمتها عن الشعر الموزون، وغيرها من الفنون التي واكبت حالة التطور في حياة البشر عموما.

لكن السؤال المطروح هنا هل تقويض الأجناس الأدبية وتفريغها من مضمونها هو من التطور؟، لا شك ان لكل جنس ادبي ما يميزه عن غيره، وحين يكتب الشاعر قصيدة فغنها يكتبها بروح القصيدة وبعرفته بعالم القصيدة، ولكن حين يقبل الشاعر على كتابة رواية فهناك الكثير من الخلط الذي يحدث، فالمجاز لا يستخدم كثيرا في الرواية، والتكثيف الشديد ليس من عوالم الرواية، والدوافع والتحولات للشخوص ليست من عالم الشعر، ومن هنا حصل الكثير من الخلط بين اللغة الشعرية والسرد وكيف تماهى هذا مع ذاك، موقع “مباشر 24” تحاور مع أكاديميين وشعراء للوقوف على هذه المسألة..

كاميليا عبد الفتاح: يعود إلى التيار الحداثي

تقول الدكتورة كاميليا عبد الفتاح الأستاذ المساعد في تخصص الأدب والنقد جامعة الباحة ، سابقا:” المقصود بشعرية الرواية اتسامها بخصائص لغة الشعر ، أعني : المجاز ، التكثيف ، الارتكاز على التخييل ، و – من ثم – التعبير بالصورة الفنية  لا بلغة النثر الصريحة الحادة ، فضلا عن شيوع الأسطرة ، سواء في الشخصية – الروائية – أو الموقف ، وغلبة الانثيال العاطفي ، وتوظيف تيار الوعي ، التدفق في الوصف  ، انزياحية اللغة  ، واستبطان الذات بما يضفي على السرد سمة غنائية كانت تعد من قبل من أهم سمات الاتجاه الرومانسي في الشعر .وقد أشيرَ إلى كل ذلك في طرح نقاد السرد بأنّ شعرية الرواية  تكون حين يكون الشغف بكيفية القول أبرز وأقوى من موضوع القول..

وتضيف:” ويُمكنُ أن نفترض أنّ جزءا كبيرا من عوامل هذه الظاهرة يعود إلى حرص بعض الكُتّاب على اتّباع  التيار الحداثي الذي يسمح بهدم وتقويض أبنية الأجناس الأدبية ، وينادي بانفتاح أفق التجريب إلى غير مدى  . هناك عاملٌ ثانٍ  – ومهم جدا – هو تحوّل بعض الشعراء – خاصة شعراء قصيدة النثر – إلى كتابة الرواية  ، فتعاملوا معها بصفتها قصيدة  تتسعُ  للتدفق العاطفي –  وتعدد الاحتمالات الدلالية للمفردة  –  لا بناءً معماريا مُحكما يستوجبُ التدقيق في كل عنصر من عناصره ، خاصة عنصر اللغة بما ينتج عنه من دلالات تتعلق برؤية الكاتب .

وعن هذه الظاهرة تواصل عبد الفتاح:” أرجأتُ الإشارة إلى سبب مهم يكمن وراء هذه الظاهرة ، وهو اقتحام عالم الكتابة الروائية من قِبل  غير الموهوبين  فيها ، بل – لنقل – من قِبل  غير المنتمين إلى الكتابة بأسرها  – وغير الجديرين بها – من الذين لا يرجون إلّا الجوائز المالية وحفلات التكريم و ( الترند ) ، فمثل هؤلاء يعجزون عن إحكام بناء رواية ، يعجزون عن التحكم بمسارات الأحداث والمواقف ومصائر الشخصيات  ، فلا يجدون  أمامهم  إلّا ترك أفكارهم تتداعى في ما يشبه الشكوى والتذكر والمناجاة . ومن المدهش – المؤلم – أنهم يجدون جمهورا ونقادا وحُكاما وجوائز وتقديرا واعترافا ، ويصبحون – بعد عدة منشورات في مواقع التواصل – من كبار كتاب السرد العربي المعاصر.

الضوى محمد الضوي:” التجريب ضرورة

يقول الدكتور الضوي محمد الضوي عضو هيئة التدريس‏ ب‏قسم اللغة العربية كلية الآداب جامعة المنيا‏:”الطاقة الإبداعية قابلة للتشكل في صور عدّة، سيما إن كانت هذه الصورة مندرجةً تحت إطار فن واحد، كالأدب، والقواعد العامة التي تحكم الأدب كما يُعَرِّفُها منظّروه هي مجموعة الخصائص التي تجعل من نصٍّ ما نصًّا أدبيا، ثم بعد ذلك توجد الفوارق النوعية بين نوع أدبي ونوع آخر.

ويضيف:” لكن القواسم المشتركة بين الأنواع الأدبية أكبر من غيرها، وعليه فإنه من حق الأديب أن يجرّب قدراته الأدبية في أكثر من شكل، كما أن الخصائص النوعية للأنواع الأدبية متحركة، دائمة التغير بتغير مفهوم الفن بين كل جماعة بشرية، في كل عصر، وعليه فإن ما يصنع جدّة الأدب، هو التجريب، ولا حَجْرَ عليه، فليتجه الروائي إلى الشعر، وليتجه الشاعر إلى القصة، وليتجه القاص إلى المسرح، ليكتب كل امرئ ما أراد، ولينتهِ بالتجريب إلى أشكال أدبية تتماهى فيها الفوارق بين الأنواع الأدبية.

ويواصل:”  لا بأس، لعلنا بالتجريب -الذي قد يفاجئنا بنتائج لا نرضى عنها كل الرضا- نجد لونًا أدبيا جديدا، ولعلنا نعرف مزيدا من الخصائص عن مكون أدبي معين، فالسردية في قصيدة النثر أو في القصيدة العمودية، أو في القصيدة الومضة، لها خصائص تختلف عن السردية في الفنون الحكائية في جوهرها، كالمسرح والرواية والقصة القصيرة وغيرها، وكثافة الصورة الشعرية في الشعر مختلفة عن غيرها في أي فن حكائي في جوهره، وغيرها، خلاصة الأمر أني أرى التجريب لا فقط حق لصاحبه، بل ضرورة، وما يجعلنا نحكم على عمل أدبي أو فني بأنه جميل أو غير جميل، لا سيره على القاعدة التي وجدناها لدى أسلافنا، بل تجانس مقوماته أو عدم تجانسها، وهذا هو المهم.

جعفر أحمد حمدي: الشعر أثبت أنه جدير باستيعاب كل القضايا

فيما يقول جعفر أحمد حمدي الباحث الأكاديمي في البلاغة والنقدالأدبي والأدب المقارن:” يظل الإنسان في حاجة إنسانية للشعر، فالشعر يتخطى كونه نوعا أدبيا، أو فنا من الفنون. يتجاوز حتى فكرة الريادة، وفكرة المقارنة بالأجناس الأخرى، هو بالفعل ضرورة إنسانية، ولكن كغيره من الضروريات يمكن أن يُقدم أو يؤخر.

ويضيف:” قديما كان الشعر في مقدمة كل شيء، به تعرف الناس تاريخها وأخبارها، وبه يُخلد ما يُراد خلوده، وبه يزهو الرجال، وتفخر الأقوام، فكان لسان حالهم، وسيف ضميرهم، مر كغيره من الأجناس بمراحل زهو ومراحل نضوب، ولكنه الأبقى والأخلد. وإذا ما رجعت لجوهر السؤال، فالإجابة تنقسم إلى شقين (الشعر، الشاعر)، الشعر تطور وواكب المتغيرات وأثبت أنه جدير باستيعاب كل القضايا وهو قادر على التعبير والتماهي مع كل الموضوعات، أما الشاعر فلم يعد بالقدر الذي كان عليه قديما، فقديما كان يُقدم ويُقدر الشاعر، والآن لا يستطيع الشاعر أن يكتفي بالشعر وحده، فتشغله ضروريات الحياة، وهنا يكون الشعر بالنسبة له ضرورة إنسانية ولكن ليس ضرورة معيشية، فالعيش يشغل الناس عموما.

ويواصل:” وهنا يتأثر الشعر بتأثر الشاعر، لكنه يظل الأقرب للتعبير عن الآلام والأمال الإنسانية، تجده في الأغاني سريعة الرتم، وتجده في الخطب وفي جدران المنشآت. لكن هل ظل خالدا كما في عصوره الأولى، أقول ساعدت البيئات قديما على إبراز دور الشعر وقبله الشاعر، وساعدت المجالس الأدبية في صورة المنشدين الذين يتغنون بالشعر على خلوده، وتكملة لجزء السؤال الثاني عن التغني بالشعر، ففي مقدمة ابن خلدون يقول: كلما اتسعت العمارة اتسعت الموسيقى، أي كلما كانت الدنيا رحبة كانت الصدور أكثر رحابة وأقدر استيعابا. الحياة هنا ضيقة، العمارة تحولت لعلب مصفحة، يناسبها رتم الأغنية السريع، يكفيها من الفصيح بيتين على الأكثر، ومن الشعبي ما لا يتجاوز الدقيقتين خلاف الموسيقى، لكن هذا لا ينفي وجود أصوات تتغنى بالفصيح وتحاول أن يرجع للشعر قدره، وإذا ظلت كهذا ربما سيعود للشاعر دوره المنشود، ويكون الأكثر تأثيرا كما كان في سابق مجده وعهده.

Exit mobile version