محمود الشربيني يكتب: في كواليس المسرح الثقافي مشاهد لايراها الجمهور

 

أعلنت وزارة الثقافة اسماء الفائزين بجوائز معرض القاهرة الدولي للكتاب هذا العام ،في الفروع والمجالات الابداعية المختلفة .في الرواية والقصة والشعر والموسيقي والترجمة الخ، كانت الوزارة شكلت لجان تحكيم لفرز اعمال المتقدمين لنيل الجوائز ..والذين قاموا بدورهم في القراءة واختيار الاعمال الفائزة.

لكن السؤال هو هل هؤلاء المتقدمين بالفعل والذين حصلوا على الجوائز هم وحدهم الذين يستحقون جوائز عن ابداعهم ؟هل هذه هي اهم الكتب التي صدرت هذا العام بالفعل ؟ هل هناك امكانية أن يكون هناك معرض للكتاب من دون مشاركة كل الكتاب والشعراء والمبدعين في هذا العرس الثقافي العربي الدولى؟ هل كانت هناك فعاليات ثقافية تحتفي بشاعر من وزن حسن طلب؟

لو أن دولة اخرى لديها حسن طلب ما تركت فرصة معرض دولي كهذا من دون أن تقول للعالم أن لديها شاعرًا من هذا الوزن وبكل هذا التاريخ الشعري الممتد منذ بداية السبعينات عندما قدمه لأول مره الناقد المرموق رجاء النقاش .كيف يمر معرض للكتاب من دون الاحتفاء به وإقامة ندوة علي شرف مسيرته الشعرية الفريدة ؟ ماذا عن حضور ومشاركة روائى وكاتب من وزن عمار على حسن ؟ عمار صدر له هذا العام رواية جديدة له تضاف إلى رصيد أعماله المتميزة ( عرب العطيات، مجموعة قصصية..حكاية شمردل، رواية الأبطال والجائزة، قصة للأطفال.أحلام منسية، مجموعة قصصية.جدران المدى، رواية.زهر الخريف، رواية.شجرة العابد، رواية.سقوط الصمت، رواية ) وهي رواية “احتياج خاص”، عن الدار المصرية اللبنانية.

كما صدرت له ايضا مسرحية “غريب الحارة” والتي بحسب ناشرها احمد فتحي صاحب دار معجم طُبعت ورقية لمعرض الكتاب. أحمد فتحي سبق له طرح هذه المسرحية إلكترونيا على موقع “أبجد”.

ويقول إنها كانت من الأكثر متابعة من قبل القراء. فكرة المسرحية أنه في الوقت الذي ينتظر فيه كثيرون مجيء الإمام المهدي، جاءنا ابن خلدون من الموت، ليشهد ما يعاني منه مجتمعنا.
-كيف يمنع كتاب ترويض الاستبداد لـ “انور الهواري”-الذي يبدو أن إسمه يسبب ارتكاريا مثل اسم عمار على حسن- من العرض في صالات المعرض ؟من يقول أن ديوان شعر لمسعود شومان مثل “مجروح كأني أوضه عالشارع ” لا يتم اختياره كديوان موازي للديوان الفائز هذا العام ؟ بل كيف لا يفوز كتابيه المهمين “الحكاية الشعبية عند البجا ” والذي يتناول الشعر الشعبى فى منطقة حلايب – أبو رماد – الشلاتين- دار بتانة ودراسته الأخري فى الأنثروبولوجيا الثقافية فى حلايب – أبو رماد – الشلاتين) المعروض فى جناح الهيئة المصرية العامة للكتاب وهذان الكتابان ضمن مشروع دراسته للمناطق الحدودية فى مصر ..كيف لا يعرف المبدعون بأمرهما، اللهم الإ المتابعين للمؤلف والمبدع مسعود شومان؟

لو أن الوزارة أنصفت وابتكرت أفكارًا جديدة لكانت شكلت لجنه خاصة مهمتها اكتشاف اهم الكتب والدواوين والقصص والروايات التي لم يتقدم اصحابها للمزاحمة علي الجوائز. ويتم الاعلان عنها وعن مبدعيها، ولو بشكل من أشكال التكريم والحفاوة ؟والحقيقة انه ليس حسن طلب وعمار والهواري وشومان فقط من وجب الاحتفاء بكتبهم في عرس كهذا يحتمل عشرات المبدعين المصريين ، وانما هناك كتب أخري منها على سبيل المثال الكتاب الجديد للناقد الدكتور محمد عبد الباسط عيد بعنوان “خباء الشعر والنقد قراءة في شعر امريء القيس” الصادر عن دار العين، وهو كتاب مدهش ومذهل يستحق التنويه والتقدير ..لو أن لدينا مثل هذه اللجنة لكانت اعمال عمار على حسن في صدارة الاعمال التي تحظى بالتقدير الفعلى.

ثمة أسئلة أخري في هذا السياق ،على رأسها وفي قمتها كيف أصدرت هيئة الكتاب رواية “رقص الابل” للروائي المبدع فتحي امبابي دون أن يقدم عنها ناقد او روائي أو كاتب تحليلا ورؤية نقدية في المعرض .. ولا أقصد هنا الندوة التي أقيمت للكاتب ضمن فعاليات المعرض ، وإنما لو أن هناك جائزة للمعرض يضطلع بإنشائها جهاز او لجنة خاصة.

تبرز اهميتها كرواية تصب في تحقيق الهوية الثقافية والوطنية لوادي النيل لكان ذلك عملا مؤسسيا بامتياز يليق بوزارة الثقافة المصرية وبمعرض دولي كمعرض القاهرة الذي كان يوما المعرض الثاني في العالم بعد معرض فرانكفورت . خماسية النهر لفتحي امبابي صدر عنها حتي الآن ثلاث روايات :نهر السماء، عتبات الجنة..رقص الإبل ، وهذه الأخيرة تدور أحداثها في مديرية كردفان بوسط السودان، حيث تقع أحداث الثورة المهدية، والحرب بين القوات الحكومية المصرية وجيش الأنصار، وفي قلبها قصة حب تسحقها العبودية.

– أيضًا لم اعرف أن معرض الكتاب احتفي بعودة الكاتب الكبير ابراهيم عبد المجيد من رحلته العلاجية الطويلة ، حيث استأنف نشاطه الابداعي وقدم رواية جديدة هذا العام بعنوان حامل الصحف القديمة تعرض في مكتبة دار الشروق وجناحها في معرض الكتاب .
كيف تغيب عن جوائز معرض الكتاب اشعار محمود قرني ، ربما لم يقدم جديدًا هذا العام ، فماذا عن محمد السيد اسماعيل ، المبدع والناقد المتميز الذي قدم للمكتبه خلال العام الفائت العديد من الدراسات المهمة ، مثل شعرية شوقي ، ونقد الفكر السلفي وديوان تدريبات يومية ، وقبل أيام صدر ديوانه الأخير -السادس في مسيرته الشعرية- بعنوان ” يد بيضاء فى آخر الوقت ” والصادر عن دار أروقة”؟
وأخيرًا وليس آخر كيف لا تكون روايات المبدع مختار عيسي من بين هذه الروايات المحتفي بها ؟ واشعاره المتفردة ؟ لقد صدر له مؤخرا رواية حمالة العطب عن دار النابغة .. وهي “الجزء الرابع ختاما لرباعية روائية تضم : ” غلطة مطبعية ” و ” استربتيز ” و البئر السوداء “؟!
لو أن لدي المعرض كشافاً لهذه الاعمال ولهؤلاء الشعراء، لأنصف القائمون عليه ، ولفكروا في وسيلة يمكنهم بها أن يلقوا الأضواء على عدد من أروع وانبل واهم مبدعي مصر ، التي تم تجريفها من كثير من المبدعين، وتأمل في تواصل أجيالها ، لكي تظل راية ثقافتها خفاقة ومضيئة.
الحقيقة أن وزارة الثقافة ومنذ عهود سابقة وهي لا تستطيع العبور بنا من انفاقنا المظلمة، رغم أنها احدي جسورنا للعبور الى المستقبل مع التعليم والاعلام.لم تستطع وزارة الثقافة أن تعمل على مشروع ثقافي حقيقي، يكافح عتمة وظلمة المشروع الإرهابي للجماعه الإخوانية، ولم تستطع بأجهزتها استثمار الإبداع المصري والفكر المصري في مقاومة جذور التطرف والارهاب والعمل على تراجعه وانحساره .. بل لم يكن لها مواقف مضيئة إلى جانب شعراء اتهموا باتهامات تقودهم إلى السجن، مثل اتهام شاعرة كأمينة عبد الله بازدراء الأديان ومحاولة ارهابها بحيث لا تسطع في أي محفل ثقافي تابع للوزارة.

كما لم تستطع أن تواجه ازمات صناعة الكتاب بعد اشتعال اسعار الورق، وخلافا للاعمال القديمة التي صدرت قبل أعوام وتباع بأسعار زهيدة، جاءت كتب هذا العام حارقة للجيوب ، فاسعار الكتب الجديدة في هيئة الكتاب تتراوح بين مائتي وأربعمائة جنية للكتاب الواحد وتلك مشاهد يراها الجمهور وتحرق قلبه قبل جيوبه ،بعكس المشاهد الأخري السابقة التي لايراها الجمهور ولايعرف عنها شيئا، اللهم الا المتابع الدؤوب لمجريات الأمور في المشهد الثقافي الحالي.