ماجد أبادير يكتب: “شجر الأربعين” بين الحاضر والمستقبل والعودة للماضي

الغربة والوحدة وسر العودة الي الماضي، ما بين حلم اللقاء وحلم النسيان، سلسة من الأحلام والأدوار الضائعة، شاعر يحاول ان يلحق الماضي بالحاضر ويتلمس طريق المستقبل من خلالهما، إن من خلال اجواء مرحلة الأربعين العمرية بما لها وما عليها بما حقق المرء قبل الوصول إليها أو فشل وأخفق.
وكلما تسير مركبته للأمام ولم تعجبه الرحلة يحن إلي الماضي مرة أخري بل ليكون هو أمنيته الوحيدة التي يستحيل تحقيقها، عيد عبد الحليم شاعر له أدواته ولغته وعمق جمله رغم بساطة مفرداتها وفرط حساسيتها وشاعريتها.
أخذني الديوان رغم انني سأقوم بقراءته مرات ومرات مثله مثل ديوانه العائش قرب الارض الذي اصطدته من بائع الجرائد وكان اخر نسخة لديه أيام ما كانت سلاسل النشر في متناول الجميع ..لافتح الديوان علي قصيدته ( صباح الخير يا محمد ) وهي قصيدة رثاء في أخيه الراحل وهي نفس تجربتي مع مايكل اخي الذي رحل عني بعد ان قمنا سويا بعملية زرع نخاع عام 2004 ولكن شاء الله وما قدر فعل رحل تاركا لي نص حلم قد حلمنا به معا.
وقد شرفت بالكتابة عن ديوان ( العائش قرب الأرض ) بمقال بسيط نشر في جريدة أخبار الأدب عند صدوره.
ديوان “شجر الأربعين” صادر عن دار أم الدنيا للدراسات والنشر والتوزيع، مكون من 100 صفحة.
من أجواء الديوان:
من ينقذ روحي مني ؟
في تسأئل يطرحه في اول سطر من الديوان وهذا التسائل يدل علي كم الصراع الذي يحمله الشاعر والذي لا يجد مفر منه سوي هذا السؤال الذي طرحه في المطلق وعلي الجميع.
ثم يأتي الأهداء ويحمل كم من الإحباط والأمل والتأمل إلي أيام جميلة لم أعشها.
وجاء في قصيدته (بجوار اليوت )
(سأحكي له عن الارض الخراب)
التي قضيت بها أربعين عاما من عمري القصير
وعن ألف طعنة في صدري النحيف
وعن قصيدة رفضت الأوراق ان اضعها عليها
وعن سماء غنيت لها
ولم تنظر إلي وجهي نظرة عطف
وفي (كتاب الحواديت)
أنا بلد مزدحم بالحواديت
وبحكايات المنسيين والغرباء
وفي (الضفة الأخرى)
تمني لو أمتلك ذاكرة الأسماك في المحيطات
لأنه سيمتلك السعادة
فقال: لو انني امتلك ذاكرة الأسماك في المحيطات
لامتلكت السعادة.
الحل هنا في النسيان
وفي طريق الحرير
يحاول ان يضع الشاعر بعض الحلول
قال: سأربي كلبا وابني له بيتا بجوار نافذتي
وسأحاول تسريب الهواء النقي من غرفتي الي غرفته
كي ينبح باتقان
ربما تهرب الأشباح من فوق سريري
وفي ( فقط بكدمة صغيرة في العنق
في الحرب..
رأي انه ربما .. يكون المؤرخ الذي هربه العسس
ليكتب التاريخ وفق ما يمليه عليه ساسة العالم الجديد
لذلك نجا فقط بتلك الكدمة من طعنة سكين.
وحينها كتب
عن الطيور التي ليست كالطيور
والأشجار التي ليست كالأشجار
وسأصف الرصاص بالفراشات العابرة
والأرض المليئة بذاكرة القتلى
سأصفها بمناديل ورقية لم تمس
وفي (اسمه المستحيل)
قال لي
لك أمنية وحيدة من حقك أن تطلبها
قبل أن تغيب الشمس
قلت : أن أعود ذلك الطفل الذي يجري بين الحقول
قال: كل الأمنيات متاحة
إلا العودة إلي الماضي
وكأن كل أمنيات الكون متاحة إلا أمنيته
وفي (شجر الأربعين ) وهي قصيدة الديوان
قال: بعض شعيرات بيض في الرأس
وبعض الحكمة
وكثير من النسيان
وهو وصف دقيق للديون وتحليل رائع لقصائده
التي لخصت كل ما يدور في قلب وعقل الشاعر من تساؤلات ومن تجارب واخفاقات وامال تمتد الي اقصي فروع المستقبل وااعمق جذور الماضي.
الشاعر عيد عبد الحليم شاعر لا يكتفي بالتركيبات وبالصور المكثفة بل يجعلك تتوقف طويلا اما جملته التي في الغلب تلمسك، بل أقول أحيانا تمثلك فبرغم عدم وجود عشرة طويلة بيني وبين قصيدة النثر إلا انني اتوقف طويلا مام قصيدة عيد عبد الحليم لانه شاعر حقيقي لا يعنيه الاستعراض او تكثيف الصور بشكل يجعنا ننتقل من صورة الي اخري وصورة تأخذنا الي صورة بدون ادني سبب أو ترابط حقيقي بينها وبين سابقتها.
فتحية وتقدير للشاعر الكبير وفي انتظر ابداعه المتميز دائمًا.