فى ذكراه الـ«50».. قراءة متجددة فى تراث طه حسين النقدي والفكري
يحتفل العالم العربي خلال هذه الفترة بذكرى 50 عامًا على رحيل عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، الذي كرس حياته لمناقشة المسكوت عنه في الأدب العربي، وأيضًا في المجتمع المصري وثقافته، وقد أطلق عليه مجدد الثقافة العربية فقد دافع عنها دفاعًا شرسًا في العلانية.
ورفع شعار إعمال العقل منذ أن وطأت أقدامه قاعة الدرس، سواء في أروقة الأزهر أو في مدرجات السوربون” وخاض الكثير من المعارك مع أبناء جيله لمناقشة القضايا الثقافية والنقدية والفكرية.
سيظل عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، أبو الثقافة العربية حاضرًا في أذهان الناس، ومما دل على ذلك كثرة الإقبال على كتبه في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الرابعة والخمسين.
طه حسين كتب جميع أنواع الفنون الأدبية والإبداعية كتب المقال، والقصة القصيرة والرواية، تركت مؤلفاته بصمة كبيرة في ذاكرة القارئ العربي والأوروبي، وما زال الناس يتداولون كتبه حتى الآن، فهناك كتب بلغت من الشهرة عنان السماء، وكتب لم تنل حظها من الشهرة.
“مباشر 24” تجرى قراءة في بعض الكتب التي لم تنل حظها من الشهرة لعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين.
كتاب ” من أدبنا المعاصر”
كتاب في صميم مشروع طه حسين، وهو مجموعة من المقالات حول مجموعة من الكتب ما بين الشعر والرواية المصرية والأجنبية وأيضا بعض القضايا وأهمها قضية تجديد الشعر، وهذا الكتاب ما يلفت النظر فيه أنه كتب عن الرواية الكازنكاتس والكابتن مخائيل وهو سماه الكابتن مخالي الاسم اليوناني الأصلى التي نشرت فيما بعد في مصر باسم الحرية أو الموت.
ويقدم الكابتن ميخائيل بطريقة أننها معجب بها وهى قرأت عليه بالفرنسية، وفي هذا الكتاب أيضا مقال عن “بين القصرين” لأديب نوبل نجيب محفوظ وهو معجب تمامًا بهذا المقال لدرجة أنه صمم العنوان “بين القصرين” قصة رائعة للاستاذ نجيب محفوظ، وأثني على الرواية بشكل جيد جدًا، وعلى نجيب محفوظ ووصفه بأنه أهم ما قرأ منذ أن بدأ السرد في القرن العشرين، وهى أهم رواية قرأها.
ومن النقاط الملفتة للنظر في هذا الكتاب، قضية تجديد الشعر وهو منحاز للتجديد، وهذا الكتاب بأكمله في صميم مشروعه الذي يسعى إلى التجديد والبحث عن كل ما هو جديد، وهذا المقال تعليق على معركة بين عزيز أباظة وشباب الشعراء حول الوزن والقافية، وهو قدم درس في هذا البحث حول أهمية تجديد الشعر وسرد كالعادة مجموعة من الأمثلة على القدماء الذين جددوا ما تم التجديد في العصر العباسي والأموي وكيف تمرد هؤلاء على من قبلهم وأن الشعر يعتمد على التجديد وأنه أهم من الوزن والقافية.
والكتاب درس في الأدب المعاصر، وقدم للقارئ مجموعة من المقالات، وكان من ضمن هذه المقالات “هارب من الأيام” للروائي محمد عبد الحليم عبد الله، وهو رؤية طه حسين للأدب المعاصر سواء المصري أو الأجنبي في ذلك الوقت.
كتاب “ألوان”
كتاب عبارة عن مجموعة من المقالات، والسواد الأعظم من هذه المقالات حول الأدب العالمي فهو قدم فيه جان بول سارتر، ريتشارد رايت، وشارل بودلير الشاعر الفرننسي، من يقرأ ألوان فهو نظرة على الأدب العالمي الحديث أيضا الذي يقدمه طه حسين للقارء ويبدأ الكتاب بجزء من مشروعه الأدب العربي بين أمسه وغده، وألقى الضوؤ أيضا على الحياة الأدبية في جزيرة العرب وكيف كان يعيش الشعراء ثم يبدأ بعد ذلك في تقديم مجموعة من نماذج الأدب العالمي للقارئ وهى ألوان من الأدب لذا سماه “ألوان”.
كتاب “كلمات”
كتاب يطرح قضايا متنوعة لكن كل المقالات وموضوعات الكتاب مثيرة بالفعل، منها: الحكاية الشهيرة حول انتخابات أحمد لطفي السيد، فعندما خاض الانتخابات كان أمامه منافس يصفه طه حسين بالجهل والثراء، وهو لا يملك سوى الثراء في مقابل أحمد لطفي السيد العالم والمفكر، فهذا الرجل المنافس لأحمد لطفي السيد اشاع بين جمهور الناخبين أنه ديمقراطي وأن كلمة ديمقراطي تعني أن هذا الرجل يدعو إلى “تعدد الزوجات” وبالفعل سألوا الناخبين أحمد لطفي السيد هل أنت ديمقراطي، فأجاب بكل فخر” نعم أنا ديمقراطي” وانصرف عنه الناخبون ونجح المنافس، وهذه الحكاية الطريفة التي تناولها طه حسين هى مدخل للحديث عن أهمية الديمقراطية ومن أين تأتي وتحدث عن التعليم وأهمية أن تكون الديمقراطية بأنها جزء أساسي من المجتمع.
ومن ضمن المقالات المهمة التي احتوى عليها الكتاب مقال حول “العروبة والفرعونية” وهو مقال مثير في أنه يبدو أن أحد من العرب سوري قال إن مصر، أو كان هناك حملة على مصر بأنها منحازة للفرعونية أكثر لا إلى العروبة في ذلك الوقت، فدافع العميد كعادته ومشروعه عن التراث العربي، فتحدث عن موقع مصر وتراثها، بعيدًا عن ضغوط المستعمرين وهو حماها في أحيان كثيرة من النهب والاستعمار وبالتالي حمى اللغة والتراث العربي.
وتحدث بالأدلة عن كيف تم ازدهارالحضارة الإسلامية والأدب العربي في العصر الأيوبي والعصر المملوكى حتى في عصور الظلام وهو الاحتلال العثماني كيف كانت هناك مؤلفات كبرى وكيف كانت هناك كتب مهمة في الحضارة العربية والإسلامية كل هذا كان في مصر.
وراح بالطبع يسخر من هؤلاء أن على مصر أن تهدم آثارها الفرعونية وتاريخها الفرعوني حتى ترضى هؤلاء، وهو مقال مهم حول أهمية كيف حافظت مصر على الحضارة الإسلامية، وفي هذا الكتاب أيضا مقال مهم عن أزمة الثقافة والمثقفين، بل هناك مقال مهم عن أزمة الضمير العربي، وهو اطلق عليه كلمات لتنوع هذا الكتاب لتنوعه في الموضوعات المثيرة والشيقة.
كتاب “مع المتبني”
صدر هذا الكتاب عام ١٩٣٧، بدأه طه حسين وهو في طريقه إلى أوروبا، والعنوان نفسه، فالقارئ يقف أمام هذا العنوان، وأول جملة في الكتاب” لا أريد أن أدرس المتنبي” وهو يقول أنه لا يريد دراسة المتنبي وتقديم كتاب علمي أكاديمي عنه، فهو ضجر من الدراسة طوال الفترة السابقة لكنه، كان يريد أن يعيش في صحبة المتنبي، وجملته الشهيرة طلبت من مرافقي أن يحمل معه ديوان المتنبي ولا يحمل الدراسات أو البحوث أو شروح المتبني، فهو يريد أن يحمل شعره فقط، وهو أراد في هذا الكتاب أن يعيش معه دون قواعد أو حدود، وكأنها نزوة عند طه حسين أن يعيش في هذا الكتاب مع المتنبي دون قيود وبالفعل درسه وكتب هذا الكتاب من شعرالمتنبي ومن ذاكرة طه حسين.
تحدث عن نسب المتنبي وعن حياته في الطفولة وعن عائلته وجدته ووالده والسجن في بدايات حياته، وعلاقاته بالأمراء كل هذا من خلال الشعر، وأفرد جزءًا كبيرًا في حياته بعلاقته بسيف الدولة، ورحلته إلى مصر في ظل كافور الإخشيدي، انتهاءًا بما حدث في العراق وقتل المتنبي.