تفاصيل الأيام الأخيرة في حياة توفيق الحكيم

بعد أن قضى العملاق توفيف الحكيم تسعة أشهر فى فراش المرض داخل مستشفى المقاولون العرب عاد من جديد إلى الحياة بعدما كان اليأس فى شفائه قد ضاع وبالتالى رجع ولو على استحياء لممارسة نشاطه الذهنى والفكرى برغم أن هذا الرجوع كان فى قرارة نفسه نوبة صحيان مؤقتة يعاود بعدها الاستعداد للرحيل الأخير، حسبما يذكر المؤرخ حنفي المحلاوي في كتابه “الأيام الاخيرة في حياة هؤلاء”.
تدهور الحالة الصحية
ويضيف:” وظن “الحكيم” أن هذه النوبة قد لا تطول ربما لعدة ساعات ولكن ظل توفيق الحكيم يعيش على هامش الحياة قاعدا أو جالسا أو نائما أو متألما لأكثر من ثلاث سنوات رحل بعدها عن عالمنا ولم تكن تلك السنوات الثلاث على خلاف غيرها من السنوات العجاف صحيا والتى بدأت فى حياة الحكيم منذ أوائل الثمانينات بل بالعكس كانت صحته تشهد بين الحين والحين تدهورا مستمرا إلا أن رعاية الأطباء له ومتابعتهم حالته الصحية يوما بيوم قد خفت عنه حدة آلام هذه الأيام
وظل الحكيم كذلك على هذه الحالة ما بين الصعود والهبوط حتى شهر أبريل من عام 1987 وهو عام الرحيل عندما أعلنت الصحف نقل توفيق الحكيم إلى القصر العينى بعد إصابته بغيبوبة !
وجاء فى التفاصيل إنه فى صباح يوم 12 أبريل تم نقل الكاتب الكبير إلى مركز رعاية الحالات الحرجة بالقصر العينى وهو المركز الوحيد من نوعه فى مصر إثر أزمة صحية مفاجئة أصابته بغيبوبة منذ يومين !.
الحكيم في الصحف
ومنذ هذه الساعة بدأت الصحف والمجلات فى كل مكان تتابع حالة الحكيم وكان يرقد آنذاك فى العنبر رقم 1 بالقصر العينى والسيدة زينب الحكيم تروى لنا هذه المرة قصة المرض الأخير فى حياة والدها وكيف تطور هذا المرض منذ عام 1981 فقالت كان بابا طبيعيا ولم يكن هناك ما ينذر بالمرض وحالته النفسية طبيعية وكان يمارس حياته أيضا بشكل طبيعى ويدخل حجرته ليكتب مقاله للأهرام ولم تظهر أية أعراض للمرض سوى قبل دخوله المستشفى بيوم واحد عندما ارتفعت حرارته فجأة وامتنع عن الطعام فاتصلنا فورا بالكتور أحمد عبد العزيز إسماعيل الذى أمر بنقله إلى المستشفى.
وهناك اكتشفوا أنها نفس الحالة التى حدثت له منذ ثلاثة أعوام عندما نقلناه إلى مستشفى المقالون العرب فقد أصيب وقتها بالتهاب رئوى حاد فجأة أيضا ولم يكن له سابق إنذار.
شهادة الدكتور أحمد عبد العزيز
الدكتور أحمد عبدالعزيز طبيب الحكيم الخاص منذ ثلاثين عاما قال عن الحالة: بدأت بنزلة شعبية حادة أقرب إلى الالتهاب الرئوى ثم شفى منها تماما منذ ع شرة أيام وكان قد تناول جرعات كبية من المضادات الحيوية التى أدت إلى عزوفه عن الطعام والشراب مما أدى إلى قصور فى الدموية تما ما مثل الحالة التى حدثت له فى عام 1984 والتى أدت إلى نقله إلى مستشفى المقاولون العرب بالجبل لأخضر والتى ظل بها لمدة تسعة أشهر وبالتحديد من إبريل عام 1984 إلى يناير عام 1985 ولدينا أمل فى شفائه هذه المرة أيضا.
وكأنما صدقت دعوات طبيبه الخاص وتنبوءاته بشفاء توفيق الحكيم وعودته إلى منزله هذه المرة أيضا فبعد أكثر من شهر قضاه الحكيم فى القصر العينى تحت الملاحظة والرعاية عاد يمارس حياته مرة أخرى ولكنه لم يعد قادرا على كتابة مقاله الأسبوعى بجريدة الأهرم وقد توقف عن كتابته من قبل دخوله المستشفى هذه المرة وكان آخر هذه المقالات ما نشر بالأهرام فى 13 أبريل عام 1987 بعنوان الفكر السياسى.
الالتهاب الرئوي
هذه المرة التى اصيب فيها الحكيم بالالتهاب الرئوى ودخل من بعدها القصر العينى كانت فى تصور الأطباء المرة الأخيرة التى من الممكن أن يرحل بعدها الحكيم إلى عالم الأبدية مع التسليم بشئ هام يتفق مع الإيمان بقدرة الله وهو بأن لكل أجل كتاب وأقول هنا أعتقد أن التصور الأخير للأطباء كان هو أرجح ذلك لأن الأيام نفسها قد أثبتت ذلك إذ لم يمر سوى شهرين حتى غادرنا الحكيم لآخر مرة عندما أعلن عن خبر وفاته فى 27 من شهر يوليو عام 1987
وفى هذه المرة الأخيرة لم يسلم الحكيم نفسه من الإرهاق وتعب التنقل بين أروقة المستشفيات ودخول مراكز عنايتها سواء الخاصة بالقلب أو بالتنفس، ففى أوائل شهر يوليو وقبل رحيله بعشرين يوما نقل للمرة الأخيرة إلى مستشفى المقاولن العرب بعد ما قضى أكثر من شهر مريضا فى مستشفى السلام الدولى.
التقرير الطبي
وجاء فى التقرير الطبى الأخير الذى أذاعته إدارة المستشفى أن الحكيم دخل إلى المستشفى مصابا بالتهاب رئوى والتهاب فى عضلة القلب والغشاء المحيط بها مع ارتفاع فى درجة الحرارة وكانت نسبة الوعى لديه قليلة إلا إنه بعد أيام بدأت حالته فى تحقيق بعض التحسن فانخفضت الحرارة إلى الدرجة العادية وتحسنت درجة الوعى قليلا
ولقد شهدت الأيام بل الساعات الأخيرة من حياة توفيق الحكيم نوعا من الهدوء النفسى والجسدى معا حيث كان يرقد فوق سريره دون أن يدرى بكل ما يدور حوله وكان محبوه ومرافقوه هم الذين يسجلون عليه هذه اللحظات
وكما سبق ومر علينا فقد عاش الحكيم لفترة امتدت لأكثر من ثلاث سنوات فى غيبوبة الموت التى كان يفيق منها من حين إلى حين وبالتالى كانت أيامه الأخيرة تقترب ببطء نحو النهاية وقد أبت عليه الحياة بهدوئها إلا أن يموت فوق سريرالمرض فى الجناح 411 بمستشفى المقاولون العرب التى كان قد دخلها قبل رحيله بعشرين يوما فقط.