«دفن في أرض يكرهها».. حكايات عن والد الملك الصغير

العديد من الأسرار المتعلقة بالملك توت عنخ آمون ذكرها الدكتور شريف شعبان في كتابه “ملك من ذهب.. اسرار توت عنخ آمون”.

يقول شريف شعبان:” لسبب ما غير واضح، استدعى الملك “توت عنخ آمون” كل من كبير كهنته “آي” وقائد جيوشه “حور إم حب” في اجتماع مغلق نتج عنه قرار غامض، أمر الملك بنقل مومياء والده المارق أخناتون من العمارنة، ليعاد دفنه مرة أخرى في وادي الملوك، تلك البقعة التي ظل يمقتها أخناتون وهو على قيد الحياة ولم يكن يدري أنه سوف يعود إليها مرة أخرى بعدما فارق الدنيا. وجاء ذلك القرار الغامض إما لأن الحنين قد داعب قلب الملك توت ورغب في أن يحصل أبوه على رضا الأرباب ولو لمرة أخيرة، أو أنه رأى بأن مثل تلك الفعلة قد ترسخ أركان حكمه وتنهي أية قداسة لمدينة آخت آتون للأبد. إلا أن أحد هذين المخضرمين أو كليهما قد أشار عليه بأن يقوم بفعلته في سرية تامة دون أن يشعر أحد، حتى لا ينقلب عليه أي من العامة أو كبار رجال العاصمة.

وفد كهنوتي

وبالفعل عندما أسدل الليل أستاره أبحر وفد كهنوتي شمالًا نحو المقبرة الملكية لأخناتون بالعمارنة المعروفة برقم 26TA والواقعة في وادٍ ضيق بين المرتفعات الصخرية على بعد 10 كم ونصف شرقي المدينة، وسريعًا ما نزلوا عبر سلالم المقبرة وهم يتمتمون في سرهم باسم آمون كلما زاغت أعينهم نحو بقايا أي نقش لآتون رغم تهشيم اسمه ومحو مناظره مع أسرة العمارنة الملكية عنوة حتى وصلوا إلى حجرة الدفن، فاستخرجوا الجثمان ووضعوه في تابوت غريب الشكل يحتوي على قطع مزججة في إطار مذهب مصممة بطريقة متشابكة لتشكل شكل الريش، بينما كان الذراعان مذهبان متقاطعان على الصدر ويبدو أنهما كانا يمسكان بصولجان ما.

الأوريوس

وعلى الرأس حية الأوريوس المذهبة مثبتة على الجبين والتي اعتقد المصريون أنها كانت تحمي جباه الملوك، وباروكة الشعر كبيرة سوداء اللون تعرف باسم الطراز النوبي وهو ما كان شائعًا إبان فترة العمارنة. وظهر خرطوش منقوش على شريط مذهب يسير بعرض منتصف الغطاء يحمل اسم أخناتون، إضافة إلى وجود تغييرات على النقوش الأصلية الموجودة على غطاء التابوت عند منطقة القدمين والخراطيش والألقاب ببدن التابوت والتي قد حدثت على التابوت قبل وضعه في المقبرة كنوع من التمويه. إلا أن بعض الكهنة المتعصبين قاموا بإزالة اسمه من على التابوت كي يُحرم الملك المارق من الوصول آمنًا للعالم الآخر.

الموكب السري

وعاد الموكب السري في النيل عبر مراكب لا تحمل أية أعلام أو دلالات ملكية حتى وصل أفراده إلى وادي الملوك، وهناك تم إنزال التابوت عند مدخل إحدى مقابر الوادي والتي عرفت تاريخيًّا باسم 55KV ، إضافة إلى بعض قطع من الأثاث الجنائزي الخاص بأخناتون وبأسرته والتي كانت تحمل اسمه واسم الملكة تي، لتقام المراسم الجنائزية مرة أخرى لأخناتون ولكن دون أي ذكر لمعبوده آتون.

المقبرة

ظلت تلك المقبرة الضيقة ومحتوياتها في طي النسيان لآلاف السنين حتى أعيد اكتشافها عام 1907م على يد الإنجليزي إدوارد أيرتون E. Ayrton تحت رعاية رجل الأعمال الأمريكي ثيودور دافيز T. Davis، حين وجدها في حالة سيئة من تجمع الركام داخل ممراتها وتراكم مياه الأمطار بداخل حجراتها بسبب وجود صدع كبير بسقف الممر طيلة آلاف الأعوام، ما أدى إلى ارتفاع نسبة الرطوبة وأحدث تلفيات جسيمة وتعفن القطع الخشبية بالأثاث الجنائزي والذي كان يحمل اسم الملكة تي، ما جعله هو ودافيز ومعهما آرثر وايجال A. Weigall مفتش آثار الأقصر يعتقدون في أول الأمر أن تلك المقبرة والتابوت القابع في حجرة الدفن يخصان الملكة الأم.

التابوت

وبداخل التابوت عثر على هيكل عظمي في حالة سيئة من الحفظ، وزاد الاعتقاد بأن هذا الهيكل لامرأة وبالأخص الملكة “تي”، حين ذكر الفحص المبدئي بأنها صغيرة في الحجم لها رأس ممتد وذقن بارزة ويدين ناعمتين ولم يتم لفها في طبقات من اللفائف كما كان متبعًا مع مومياوات الدولة الحديثة، وكأن كهنة وادي الملوك أرادوا له الهلاك، وزاد الهلاك على يد دافيز الذي أهمل في ترميم ذلك الهيكل في مقابل العثور على أية جواهر أو كنوز مخفية في أطرافه حتى تحول إلى فتات عظام.

الهيكل

ولكن مع التطور العلمي وإعادة الكشف على الهيكل طيلة أعوام، تم التوصل إلى أن الجمجمة والهيكل العظمي الموجودان حاليًّا بالمتحف المصري لذكر شاب ذي أفخاذ عريضة وعظام قصيرة والذي يحتمل أنه توفي في العشرينيات أو أوائل الثلاثينيات من عمره. وتم تأكيد هوية صاحب الهيكل العظمي في عام 2010 عن طريق تحليل الحمض النووي له والمسح بالأشعة المقطعية CT-SCAN، ومقارنة شكل الجمجمة ذات الاستطالة مع جمجمة الملك توت وتطابق نتائج كل من الحمض النووي لهما أنه الملك أخناتون والد الملك توت.