الروائي العراقي حسن النواب: الرواية رحلةُ شقاءٍ لا تمنحكَ المتعة إلاَّ بعد عناءٍ طويل

اعترف الشاعر العراقي حسن النواب أن عائلته كانت تنظر إليه على أنه مجرد فتى مخبول؛ ولذا جاهد كثيرا لطرد هذه الفكرة الخاطئة عنه، فبدأ الكتابة بعمر مبكر ليثبت لهم أنه ليس معتوهاً، ثمَّ جاءت حياة الجامعة ليتعرَّض خلالها لانتكاسات غرامية قاسية، فكان يحاول الانتصار على إحباطه بالكتابة، وحين دخل إلى الحرب كسائق دبابة نضجتْ أدواته الكتابية واتَّسعتْ مطالعاته خلال عشر سنوات أمضاها في جحيم الرصاص والقصف.. مشيرا إلى أنَّ صديقًا يساريًا اسمه حميد الزيدي عرفه خلال سنوات الدراسة الإعدادية كان له الأثر الأكبر في تغيير مجرى حياته ونظرته إلى أهمية الثقافة، إذْ كان يزوده بكتب تحوي أفكارًا ومفاهيمَ عالية، غير أن النظام القمعي أعدمهُ وترك جرحاً غائراً في مهجته.

وفي حديثه عن كواليس أول عمل أدبي كتبه قال النواب: كنتُ أكتب المسرحيات في عمر المراهقة، ولا أنسى استغراقي بكتابة رواية في ذلك الوقت عن طفلين يقرَّران الهرب من القرية إلى العاصمة، أنهيتُ منها فصولاً ولا أدري أين اختفتْ. لكنَّ أول عمل أدبي نال حظَّه بالنشر، كان مسرحية بعنوان “العبور إلى القصر” كتبتُها خلال ساعتين، وكان عمري حينها يناهز العشرين عاماً. وعندما نشرتها مجلة الطليعة الأدبية جوار أسماء أدبية لامعة، تنبَّه الوسط الثقافي إلى موهبتي في الكتابة.

وتابع الشاعر: جميع مجموعاتي الشعرية التي نشرتها تشبه أبنائي، لا فرق بينها، لكنَّ مجموعتي الشعرية “شريعة النوَّاب” أحدثتْ لغطاً بين الشعراء وجذبتْ الأنظار نحوي، لما جاء في نصوصها من تجديدٍ ومغامرةٍ في كتابة قصيدة النثر. وهي أول مجموعة في قصائد النثر تصدر عن الجيل الثمانيني الشعري من الشؤون الثقافية.

 

وتطرق الكاتب للحديث عن “مذكرات حرب”.. فقال:كنتُ أسعى لكتابة عمل أدبي يكشف عن ويلات وعذاب ورعب الجنود في الحرب، ولأني كنت سائق دبابة اشتركتُ خلال الحرب في معارك كثيرة، واحترقتْ دبابتي مرتين مثلما جُرحتُ في إحدى المعارك بشظية لم يفلح الأطباء في انتشالها ومازالت في رأسي حتى هذه الساعة؛ موضحا أنه نجح في تدوين مذكراته عن الحرب في كتاب “ضماد ميدان لذاكرة جريحة”، واستغربَ الوسط الثقافي كيف أجازه الخبير الثقافي؛ وكتبت عن هذه المذكرات عشرات الدراسات، كما أشاد النقَّاد بجرأة وصدق الوقائع التي جاءت في سطورها النازفة دماً ودمعاً؛ حتى وصل صداها إلى أدباء عرب، احتفوا به عندما التقاهم في مهرجان المربد الشعري خلال سنوات التسعينيات.

وقال الروائي: بدأت الكتابة ناثراً وليس كشاعر، لكنَّ سنوات الحرب التي خضتها دعتني أكتب القصيدة حتى صدر كتابي الشعري البكر بعنوان “أنا هناك حتى يضيء دمي”، وتوالتْ بعده مجاميعي الشعرية، وحين وصلتُ إلى مهجري قبل أكثر من عشرين عاماً، كتبت روايتي الأولى “حياة باسلة”، ثم رواية “ضحكة الكوكوبارا” التي فازت بالمرتبة الأولى في جائزة الطيب صالح للإبداع، وفي حوزتي أكثر من رواية لم أقرَّر نشرها بعد.

مضيفا: من وجهة نظري المتواضعة أنَّ الشعراء يتفوقون على كتَّاب السرد عندما يكتبون الرواية؛ لأنَّ أدوات الإبداع التي يمتلكونها أكثر شاعرية واختزالاً، لذا يندر أنْ تجد رواية كتبها شاعر غارقة في الإسهاب والثرثرة التي لا جدوى منها، الشعراء يكتبون الرواية كما لو أنَّهم يكتبون قصيدة ملحمية.

وشدد الكاتب على أن شعراء قصيدة النثر من الجيل الثمانيني واجهوا صدوداً وجفاءً من الأجيال التي سبقتهم، واستثني بعض شعراء الجيل السبعيني؛ يقف في مقدَّمتهم الشاعران “خزعل الماجدي وزاهر الجيزاني” اللذان كانا يحتفيان ويفرحان لنصوصهم النثرية، إلى جانب الناقد “حاتم الصكر” الذي كان متابعًا دؤوبًا ومخلصًا لما ينتجونه من نصوص نثرية، ولولا هؤلاء الثلاثة لتقلصت فرصتهم في الانتشار.. لتبدو نصوصهم النثرية كعلامة مضيئة في حديقة الشعر العراقي.

وعن الخيط الرفيع بين الشعر والرواية.. وكيف حافظ على المسافة بين الاثنين قال النواب: الفرق شاسع بين كتابة القصيدة والرواية، بوسعي كتابة الشعر في أيّة لحظة وفي أي مكان مهما كان صاخباً، لكنَّ الرواية تحتاج إلى صبر وعزلة واشتعال ذاكرة ومعرفة بما يحيط في طقوسها وأحداثها، وهذه الشروط توفرت من حسن حظي في مهجري البعيد، موضحا أن القصيدة تشبه نزوة عابرة، أما الرواية فهي رحلة عسيرة تعذبك كثيراً حتى تمنحك المتعة بعد عناء طويل.

وأشار إلى أن السينما مهما ارتقتْ رسالتها الإنسانية تبحث عن “شبُّاك التذاكر”، ولذا تراها تأخذ الروايات التي تُشبع جشع خزائنها وتجتذب مزاج الناس، لافتا إلى أنه فيما مضى كانت شركات الإنتاج تتسابق لتحويل الروايات إلى أفلام سينمائية، ولذا تحوَّلتْ معظم روايات القرن التاسع عشر إلى أفلام ناجحة، أما في وقتنا الحاضر فنصيب الروايات التي تحظى بالإنتاج السينمائي يكاد يكون معدومًا، ومحظوظ ذلك الروائي الذي يجد روايته في صالات السينما، وكثيرون أخبروني بأنَّ روايتي “ضحكة الكوكوبارا” ستكون فيلماً مثيراً، لكن أين المنتج الذي يسعى إليها؟

واختتم الكاتب حديثه بأن الكثير من الأدباء الموهوبين لمْ تُنصفهم بلدانهم، في حين وضعتهم الجوائز العربية أمام الضوء والشهرة. لكن تبقى الجوائز فخَّاً في كل الأحوال؛ يقعُ في غوايتهِا أشباه الأدباء فينكشف افتقارهم إلى الموهبة، مثلما تبخس حق نص أدبي إبداعي يستحق الجائزة، لكن يظلمهُ مزاج لجنة التحكيم، الجوائز في الواقع لعبة بوكر، هناك من يربحها بلا استحقاق، وهناك من يخسرها وهو الأجدر بها. لكن تبقى هناك جوائز رصينة يشهد لها القاصي والداني في الإنصاف والحياد أمام النص الأدبي.