أسامة مهران يكتب: تكافؤ اللافرص

ثمة أشياء لو صادفتنا صدقناها، وتعاملنا معها على أنها حقيقة مؤكدة، ثمة حقائق لو تجاهلناها لاعتقدنا أن وجودها والعدم سواء، هذه القاعدة تنطبق تمامًا على مؤتمر سنوي يُطلق عليه تكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة، هو مؤتمر في نسخته السادسة، يتحدث دائمًا عن المساواة في كل شيء بين الجنسين، تنظمه الجامعة الأهلية وجامعة برونيل البريطانية، ويُقام دائمًا تحت رعاية مسؤول كبير أو وزير أو شخصية لها حيثية، مشكلته أنه يركز على تكافؤ الفرص في سوق العمل، على المعادلة المتوازنة بين حقوق كل طرف في هذه السوق بل ونصيبه من الفرص المواتية بها.

يتحدث المؤتمر بمجاملة متكررة عن إنجازات المرأة في المجتمع البحريني، ولا يتحدثون عن حقوقها الاجتماعية وإذا ما كانت متساوية مع الرجل أم أن المجتمع الذكوري مازال مهيمنًا على التشريع، ومعتديًا على أبسط الحقوق، ومتجاهلاً للبديهي منها.
حق أول لا ثانٍ له، هو أنه حتى يكون لدينا تكافؤًا للفرص في سوق العمل فالمنطق يقول أن هذا التكافؤ لا يتوقف فقط عند محطة الاختيار للوظيفة المناسبة وفقًا للكفاءة والإنتاجية، وليس على أساس النوع أو اللون أو الجنس، بل أنه يذهب للظروف الاجتماعية التي تعيش فيها المرأة وإذا ما كانت متساوية مع الرجل أم لا، ذلك أنه لا يمكن أن تتحقق العدالة المطلقة هنا والظرف الاجتماعي الذي تعيشه المرأة أكثر من غامض إسوة بالرجل الذي يعيش وضعًا اجتماعيًا مثاليًا.

أقل القليل في هذا الصدد أن تستطيع المرأة المتزوجة من أجنبي منح جنسيتها لأبنائها شأنها في ذلك شأن الرجل الذي يستطيع أن يتزوج من يشاء من النساء الأجنبيات في حدود الشرع طبعًا، وأن ينجب ما يحلو له من الأطفال، بل ويستطيع أن يمنح جميع أبنائه جنسية بلاده بلا حدود ودون قيود.

هنا يذهب الرجل إلى سوق العمل وهو مطمئن على مستقبل أبنائه وتذهب المرأة إلى هذه السوق والقلق يأكلها على مستقبل هؤلاء الأبناء، إذًا كيف يتحقق التكافؤ هنا يا جماعة الخير؟ ألم يمثل ذلك ظلمًا وغُبنًا للمرأة؟ ألم يعني ذلك تفرقة واضحة على أساس النوع والجنس في عالم تجاوز هذه المفاهيم بل وتصدى لها بمعايير حقوق الإنسان، وبأعراف الأمم المؤمنة بالله ورسوله؟
الأكثر من ذلك أن المرأة المتزوجة من أجنبي يتم حرمانها تمامًا من كافة حقوق علاوة غلاء المعيشة ودعم اللحوم والسكن الاجتماعي وهي نفس الحقوق التي يحصل عليها الرجل بمنتهى السهولة واليُسر لمجرد أن العقاب لابد أن يلحق بالسيدة التي تحاول الحصول على حقها الطبيعي في الحياة باختيار شريكها في الحياة.

المشكلة أكبر من مؤتمر يتم فيه عزل المرأة عن واقعها، والنأي بها بعيدًا عن حقوقها، والدفاع الشرعي عن نفسها.

في مجلس النواب عدة سيدات تم انتخابهن بحرية تامة من المواطنين والمواطنات، وفي هذا المجلس ورغم مساواة المرأة والرجل في حق التصويت والترشح بل واعتلاء سدة البرلمان ورئاسته إلا أن المرأة حتى اللحظة لم تجرؤ على فتح ذلك الملف،”المساواة بين الجنسين في منح المواطنة لأبنائها من أجنبي أي غير مواطن إسوة بالرجل”، وأن تحصل في هذه الحالة على حقوقها كاملة في غلاء المعيشة والسكن الاجتماعي وكافة أشكال الدعم الحكومي التي يحصل عليها المواطن “الذكر”.

هذه أبسط الحقوق أيها السادة لو كنا حقًا حريصين أن يكون لدينا تكافؤًا للفرص، وعدالة في توزيع الحقوق والواجبات على جميع المواطنين من دون تفرقة أو استثناء.

لا يمكن ولا يصح ولا يستقيم أن تكتمل منظومة التعايش والتسامح والسلام في وطن يتم فيه التفرقة بين المرأة والرجل في تكافؤ الفرص على أساس اجتماعي ومعيشي وليس على أساس سياسي أو مهني أو خلافه.

مستقبل الأجيال القادمة مرهونًا بين أيدي المشرع، وطريق حياتهم مكتوب بأحرف من نور ونحن نعيش في بلد الأمن والأمان والفرص المواتية.

مؤتمر الجامعة الأهلية يتحدث عن مشاركة المرأة وعطائها من أجل تحقيق النماء المستدام، يتحدث عن المراة على أنها خير مُعين للرجل لتحقيق رسالة التنمية، ولا ينظر إليها كإنسانة لها من الحقوق مثلما عليها من الواجبات.
مؤتمر الجامعة الأهلية ننتظره في الثاني من فبراير في كل عام جديد ونحن متأملين منه خيرًا يفتح الملف المُغلق، أو يقترب منه ولو بورقة بحثية أو بمناقشة “على الطاير”، أو حتى بسؤال بريء لا يُقصد منه سوى الخير .. كل الخير للوطن.