قال الكاتب شعبان يوسف في كتابه”هكذا تكلم بهاء طاهر” إن المسرح الجديد ولد فى المناخ الوطنى بداية من عام 1966 أثناء الإنذار الثلاثي على مصر، والمسرح الواقعى فى تلك الفترة، نشأ فى ارتباطه بكل الملابسات التاريخية التى تحدث فى الواقع المحيط بكل تعقيداته وأزماته التى فرضت نفسها فى تلك اللحظة من تاريخ مصر.
وأكمل: ومعظم الذين كتبوا حينئذ وجدت نصوصهم طريقها إلى خشبة المسرح، وارتبطت بالأحداث الجارية والتى تضرب بقوة وقناعة فى أرض الواقع، وليس من الغريب أن نقول: إن البعد الواقعى الذى اتسمت به معظم المسرحيات والتى وجدت فرصتها العظمى لعرضها على الخشبة، كانت من هذا النوع الذى يشتبك مع الأحداث الكبرى.
مسرحيات أثرت في الناس
واستطرد قائلاً: لا مفر من أن نقول: إن كثيرا من كتّاب القصة فى ذلك الوقت، تحولوا بشكل أساسى إلى كتّاب مسرح ودراما، منهم نعمان عاشور الذى كان قد أصدر مجموعة قصصية عام 1954 وهى “عم فرج”، وبعدها كتب مسرحياته التى وجدت نجاحات كبيرة فى حينها وبعد ذلك أيضا.
وتابع: وذلك حدث مع سعد الدين وهبة الذى كان أصدر كتابه القصصى الأول “أرزاق”، ثم تفرغ بعد ذلك لكتابة المسرح والدراما الإذاعية، أيضا ألفريد فرج، الذى كان يكتب القصة والنقد الأدبى، ونشر بالفعل مجموعة قصص قصيرة، وكتب مسرحية “سقوط فرعون”، ووجدت طريقها إلى خشبة المسرح، ولاقت نجاحا كبيرا، كما أنها أثارت جدلا بين النقاد.
مسرحيتي ملك القطن وجمهورية فرحات للكاتب يوسف إدريس
أما يوسف ادريس وهو النجم الأول فى كتابة القصة القصيرة، عمل على تحويل قصتين له إلى مسرحيتين، وأسماهما بنفس الإسم القصصى لهما، وهما “ملك القطن، وجمهورية فرحات”، وتم إنشاء سلسلة خاصة عام 1957 لنشر المسرحيتين، وقدم لهما أحمد حمروش مدير الفرقة المصرية الجديد، والناقد المسرحى الدكتور على الراعى، وصدرت المسرحيتان عن المؤسسة القومية للنشر والتوزيع، وجاء على غلاف الكتاب: “تسعى هذه السلسلة إلى إتاحة النماذج الرفيعة من الأدب المسرحى العالمى لقراء العربية.
وتسعى فى الوقت نفسه إلى رعاية الإنتاج المسرحى المحلى، وشرحه، وتوجيهه، وتقديمه للقراء، وهى تفعل هذا كله لتتيح للمسرح المصرى والعربى أن يمتد فى الداخل والخارج معا، فيتزود من أدب العالم بكل الأفكار والأساليب التى تخرج على نطاق المكان، وترتفع عن الخصوصية المحلية إلى عموم الانسان، وتؤمن السلسلة بأن فى البلاد العربية جمهورا كبيرا على أتم استعداد لقراء المسرحية المطبوعة..”
البرنامج الثقافي ومسرحيات كبار الكتاب
إذن كانت هناك عزيمة قوية وإصرار على النهوض بالمسرح بشكل كبير، وتجنيد كافة الطاقات المادية والفنية والبشرية له، وانسحب هذا الأمر على الإعلام المقروء والمسموع والمرئى “دور المسارح”، ومن ثم راح البرنامج الثقافى يقدم كل ثلاثاء مسرحية مترجمة، أومصرية.
وبالتالى تجلّت موهب وقدرات ذلك الشاب المثقف بهاء طاهر فى ذلك المناخ المتأجج، والذى تم تعيينه كمعد لبعض البرامج، وكمترجم لبعض المواد التى يتم تقديمها فى حلقات خاصة، أن يعمل كذلك مخرجا لبعض المسرحيات، وهكذا بدأ بهاء فى إخراج مسرحيات عربية ومصرية وأجنبية، ونال تقديرا كبيرا من المتابعين للبرنامج الثانى آنذاك، والذى فرض حضوره بشكل قوى، وأصبح جزءا مؤثرا ومرموقا فى المعادلة الثقافية فى ذلك الوقت، وكانت تعد فيه برامج حوارية ذات شأن ثقافى كبير.
وقال شعبان يوسف: إن كثيرا من الكتّاب والمبدعين يناقشونه فى الصحافة بكل جدية، ويحتجون عندما تنحرف بعض الأداءات يمينا أو يسارا، وهاهو الشاعر صلاح عبد الصبور يشيد بدور البرنامج الثقافى قبل أن يوجه نقدا حادا لعرض مسرحى بثه البرنامج الثانى من إخراج سيد بدير، فيكتب فى مجلة صباح الخير 12 مارس 1959: “البرنامج الثانى يقدم مساء كل ثلاثاء سهرته مع إحدى مسرحيات الأدب العالمى، وهذا اليوم هو أنجح ما يقدمه البرنامج وأكثره جمهورا.
وكانت هذه المسرحيات تقدم فى إطار إذاعى ممتاز فى أغلب الأحيان، ويحافظ فيها على قداسة النص حسب إمكانيات المترجم التى تكون عادة طيبة مبشرة..”، ولحرص صلاح عبد الصبور على استمرار ذلك البرنامج الممتاز، وجه نقده لإحدى الحلقات التى بثت مسرحية هاملت، ورأى أنها لم تكن على المستوى الذى أجاده آخرون من قبل ذلك، وهذا يثبت أن البرنامج كان حاضرا ومؤثرا وفاعلا بدرجة ملموسة، وكان بهاء طاهر أحد العناصر الجادة التى كتبت لهذا البرنامج النجاح الكبير والتفوق الملحوظ آنذاك.
كيف ارتبط بهاء طاهر بفن المسرح؟
وفى ذلك المناخ وجد بهاء طاهر نفسه، وارتبط اسمه بشكل أساسى بفن المسرح، كمترجم، وكمخرج، وكناقد، فضلا عن أنه كان بعيدا عن التشكيلات الثقافية والسياسية التى كانت تتشكل حول أفكار ووجهات نظر وتيارات التى بدأت تنتشر وتطفو على الحياة الثقافية.
ولم يكن منعزلا، ولا غير مبال بكل ما يحدث على المستوى السياسى، ولكنه كان بحكم وظيفته فى جهاز حكومى حسّاس لم يرّبط نفسه فى تلك التشكيلات أو التنظيمات أو الشلل أو التربيطات، ولكنه كان مراقبا لكافة الأوضاع بشدة، وقارئا لكل ما يحدث بعقلية واعية ونقدية وعميقة، وهذا ما تجلّى بوضوح ناصع فى كل ما كتبه بعد ذلك من نقد مسرحى، وفن قصصى، ومقالات فكرية.
وهذه الملابسات كانت تخص بهاء طاهر وحده، هذا لو عقدنا مقارنات بينه وبين أبناء جيله الذين كانوا يتعاملون معه باعتباره يعمل فى البرنامج الثقافى كمعد أو كمخرج أو كمترجم، وهذا جعل كثيرين من رفاق الجيل يتجنبون إدراجه فى متن الجيل، وهذا ما سنوضحه لاحقا.