« ملكة المنحنيات والخطوط الانسيابية».. من هي زها حديد؟

مشوارها الطويل مليء بالتحديات وبكسر القوالب النمطية.. أعمالها موزعة في أركان الكرة الأرضية الأربعة وخصوصًا في منطقة الخليج.. حولت الحجارة إلى تحف فحازت عنها أهم الجوائز في مجالها لتصبح زها حديد أول امرأة تحصل على جائزة «بريتزكر» التي تعد بمثابة نوبل في العمارة، والمعمارية الأشهر في العالم وأول امرأة تقتحم هذا المجال، وتحقق نجاحًا لا مثيل له.. لقبتها صحيفة الغارديان البريطانية بـ «ملكة المنحنيات» التي استطاعت أن تحرر التصاميم الهندسية وتمنحها القدرة على التعبير عن هويتها مانحة إياها انسيابية درامية لا تعترف بزوايا أو حدود.
ابداع في التصميم
إبداعها في التصميم جعلها واحدة من الحواديت المعمارية التي تضع بصمتها في كل بلدان العالم، تستوحي كل تصميم من البيئة المحيطة ثم تضيف إليه لمساتها المميزة لتصبح المعمارية البريطانية/ العراقية المولد والأصل «الموهبة العبقرية في الهندسة المعمارية»، بعدما أثبتت موهبتها في مهنة يسيطر عليها الرجال وحققت مكانة كانت سببًا في حصولها على لقب « دام» المصاحب لوسام قائد الإمبراطورية البريطانية، أرفع الأوسمة والتكريمات الممنوحة من ملكة بريطانيا لمن يسهمون بعملهم المتميز في تغيير العالم.
اليونسكو
اختيرت زها حديد فنانة لليونسكو من أجل السلام.. واحتلت المرتبة التاسعة والستين ضمن لائحة «فوربس» لأقوى نساء العالم في عام 2008، وتعتبر من بين أكثر الشخصيات تأثيرًا في الألفية الثالثة حيث نالت المعمارية العبقرية مراكز متقدمة في عديد من تصنيفات أهم وأقوى الشخصيات النسائية في العالم من بينها تصنيف مجلة «نيوستيتسمان» الأميركية لأكثر الشخصيات نفوذًا في 2010 ومنحتها مجلة «تايم» الشهيرة لقب المفكر المؤثر في العام ذاته، وتصدرت استفتاء إذاعة بي بي سي البريطانية لأكثر النساء نفوذًا في 2013. وظلت زها حديد تحصد الجوائز وتتصدر التصنيفات وتثير الجدل بكل تصميم جديد لها أو لشركتها حتى وفاتها المفاجئة في 31 مارس 2016 بالسكتة القلبية.
مثيرة للجدل
عرفت حديد شهرتها في خلال العقد الأول من الألفية الجديدة، بعد تقديمها لعدد من التصاميم المتميزة أشهرها متحف «ماكسي» للفن الحديث والمعاصر بروما وبعدما كانت المصممة الموهوبة تزين صالون بيتها بتصاميم تحلم بتنفيذها، وتشارك في المسابقات المعمارية لتعرض على العالم أفكارها وابتكاراتها، بلغت تصاميمها أكثر من ألف تصميم، تنتشر في 44 دولة.
ابتكارات هندسية
يختلف الكثيرون حول ابتكاراتها الهندسية وتثير جدلًا مثلما حدث مع تصميمها لملعب «الوكرة» لكرة القدم، في قطر أحد تجهيزات كأس العالم 2022، واستاد الألعاب الأوليمبية بطوكيو، فقد سخرت الصحافة من سقف الأول خصوصًا بعد تهكمات المذيع الأميركي جون ستيوارت وتشبيهاته اللاذعة التي أغضبت حديد واضطرت للرد عليها. كما تصاعدت الانتقادات الموجهة ضدها مطالبة إياها بتخفيف الخطوط المنحنية في تصميم استاد طوكيو حيث اتهموها بأن تصميمه صارخًا وغير حساس لطبيعة المكان وكبير جدًا ومكلف للغاية.
أكثر ابتكارًا
لم تمنعها تلك الانتقادات في تقديم المزيد من الإبداعات وكانت ترد بتصاميم أكثر ابتكارًا مثل مجموعة اليخوت التي قدمتها في 2013، فلم تكتف حديد بتزيين مدن العالم بأعمالها لتحقق ما تسميه «البهجة التي أوجدتها التكنولوجيا الحديثة»، حيث تقول، «عند التطلع إلى أي مدينة المسألة ليست كيف نصنع مشاريع معمارية مغامرة، بل كيف يمكن تصميم شيء متميز وبهيج»، بل انطلقت إلى الماء لتسير إبداعاتها على صفحاته في مجموعة من اليخوت صممتها بالتعاون مع شركة «بلوهم فوس» الألمانية.
يخوت
قدمت حديد ستة يخوت يتراوح طولها بين 90 و128 مترًا، مصنوعة من هياكل متينة تدعم التصميم المستوحى من التكوينات البحرية الطبيعية معتبرة أن اليخت يجب أن يدمج بمعالم إضافية تتجاوز تلك الهندسة المعمارية والتي سعت حديد منذ بدايتها إليها وبحيث تمضي قدمًا نحو تصاميم قرن جديد يتجاوز القرن الماضي وتعقيداته.
تأثيرات مختلفة
كانت أكبر التحديات التي واجهتها زها حديد في ابتكاراتها للمدينة المعاصرة وفي فن العمارة، هي كيفية تجاوز الأشكال المعمارية المتكررة لتقسيمات القرن العشرين، والاتجاه نحو عمارة القرن الـ 21، التي يجب أن تعالج تعقيدات العمل وحيوية الحياة، بمبانٍ تتصف بأنماط من المشاركة والدمج والتكيف مع الاحتياجات المتغيرة للمستخدمين، حيث رأت أنه « مع بداية القرن الحادي والعشرين أصبحت حياة الناس أكثر مرونة وعولمة، ما يتطلب معمارًا جديدًا ذا انسيابية وتجانس كبيرين.
انسيابية ومرونة
انسيابية ومرونة.. كلمتا السر في جميع تصاميم زها حديد التي استوحتها من أصولها العربية ورغم أن أعمالها لا تمت بشكل مباشر للعمارة التراثية الإسلامية، لكن يمكن الربط بين تصميماتها وبين خلفيتها الثقافية والاجتماعية، مثلًا الأقواس والانسيابية التي تميز تصاميمها تشبه كثبان رملية ممتدة في الصحراء أو خيمًا عصفت بها رياح شديدة. وقد تأثرت المصممة العراقية بالهندسة التجريدية وانسيابية الخط العربي والتفاعل بين المنطق الرياضي والهندسة المعمارية، وانعكس ذلك على تصاميمها، فضلًا عن إعجابها بموهبة المهندس العالمي أوسكار نيمايير وأسلوبه الذي شجعها على إبداع أسلوبها الخاص مقتدية ببحثه عن الانسابية في كل الأشكال.
لمسة خاصة
يبدو أسلوب حديد واضحًا سواء كان ما تصممه محطة إطفاء (مشروع فيترا بألمانيا)، أو دارًا للأوبرا (غوانزو بالصين وأوبرا دبي)، أو مركزًا للفن المعاصر (روزنتال بالولايات المتحدة ومتحف ماكسي للفن المعاصر بروما)، أو منصة للقفز على الثلوج (بيرغيسيل بالنمسا)، أو مبنى تجاريًا (المبنى المركزي، بي إم دبليو، بألمانيا)، أو محطة قطار (افراغولا، إيطاليا، ومترو الرياض)، أو ملعب رياضي أو حتى أريكة أو اكسسورات منزلية ووصولًا للأحذية وكعوبها فهناك دومًا لمستها الخاصة، التي يمكن تمييزها بسهولة واكتشافها حتى للعامة وغير المتخصصين.
مشروعات متعددة
برزت تلك اللمسة أيضًا في مشروعاتها المتعددة بمنطقة الخليج حيث سعت الفتاة العراقية التي خرجت من ديارها في نهاية الستينيات مع بدء حكم صدام حسين، للعودة لجذورها سواء في موطنها العراق حيث قدمت تصميم المبنى الرئيس للمصرف المركزي، بالإضافة لتصاميم أخرى لجامعتي سومر وميسان أو بوجود عمل لها في كل مدينة من مدن الشرق الأوسط مثل محطة مترو مركز الملك عبد الله المالي بالرياض أو متحف الفنون الإسلامية بالدوحة، جسر الشيخ زايد بأبو ظبي وأوبرا دبي ومسجد مركز الأفنيوز التجاري بالكويت، أو برج النيل في القاهرة. لتساهم المعمارية العبقرية بموهبتها وعلمها في مواجهة التصورات السائدة حول موت فن العمارة وتعيد أمجاد العمارة الإسلامية ولكن بصورة معاصرة تمنح الخليج والمنطقة العربية مكانة معمارية عالمية بمبانٍ وتصاميم مميزة.
بيئة ملهمة
يعود إبداع حديد في مجال الهندسة إلى سنوات طفولتها وتربيتها في أسرة مثقفة منفتحة على الثقافة الغربية، ولدت زهاء محمد حديد (زها اختصارًا للاسم) في 31 أكتوبر 1950 بالعاصمة بغداد، والدها وزير المالية الأسبق وكان رئيسًا لحزب ليبرالي. لعب المحيط العائلي لزها دورًا رئيسيًا في صقل موهبتها وتوفير ثقافة متنوعة فهي تذكر أنها عندما كانت في السادسة أو السابعة من العمر، كان أحد أصدقاء والدها المقربين مهندسًا معماريًا وقد اعتاد أن يأتي إلى منزل عائلتها حاملًا معه رسومه ونماذجه الهندسية، ما أشعل في داخلها شيئًا ما لم تدرك ماهيّته إلا في سنوات شبابها. ولعل ما ساهم أيضًا في نمو ذلك الشغف في داخلها هي الرحلات التي كانت تقوم بها برفقة والدها للأهوار في الجنوب حيث الطبيعة الرائعة والأنهار والصحراء الممتدة.
كما كان والدها يصر على أن يصطحب ابنته لزيارة المتاحف والمعارض ومشاهدة المباني ذات العمارة المميزة حيث تقول انها شاهدت في طفولتها معرضا للمعماري الشهير فرانك لويد رايت ما زاد من ولعها وحبها بفن العمارة. درست حديد في مدرسة كاثوليكية فتحت لها مجالات واسعة لإتقان لغات أجنبية منها الفرنسية ثم تخصصت في الرياضيات في الجامعة الأمريكية بالعاصمة اللبنانية بيروت، وبعد أن دخل العراق في عهد الانقلابات والصراعات السياسية الطاحنة هاجرت عائلتها إلى العاصمة البريطانية لندن في سنة 1972.
موهبة بارزة
انجذبت حديد خلال دراستها للرياضيات للهندسة وفي لندن درست في كلية «رابطة للهندسة المعمارية» وحصلت على دبلومها عام 1977. عملت كمعيدة في كلية الهندسة المعمارية بالعاصمة البريطانية وانتظمت كأستاذة زائرة أو أستاذة كرسي في عدة جامعات في أوروبا وأميركا مثل هارفارد وشيكاغو وأوهايو وكولومبيا وييل. كان مشروع التخرج في الكلية تصميمًا بمثابة «بيان معماري» لأسلوبها التجريدي الذي يستمد أصوله كما رآه أساتذتها من فن الخط العربي. وفي العام نفسه فازت زها على 296 مهندسًا عالميًا بتصميم جسر سكني على نهر التيمز أيضًا، لكن المشروع لم ينفذ.
ميتروبوليتان للهندسة
عملت في بداية حياتها العملية مع شركة «ميتروبوليتان للهندسة» تحت إشراف أستاذها المهندس الهولندي المعروف روم كولهاس، وخلال 3 سنوات افتتحت مكتبها الخاص واستمرت كذلك في تدريس الهندسة، وبعد عشر سنوات مثيرة وصعبة خلال ثمانينات القرن الماضي، بدأ اسمها يكبر ويشتهر عالميًا بعد أن فازت بعدد من الجوائز وعملت على بعض المشاريع الكبرى، وعلى الرغم من أن عددًا من كبار المهندسين خلال تلك الفترة تحدوا حديد أن تنجز بعضًا من مشاريعها الكبرى على اعتبار أنها معقدة للغاية وغير مسبوقة في مدارس الهندسة العالمية، لكنها نجحت في إنجاز عدد منها مما جعل منها المهندسة الأشهر في العالم جنبًا إلى جنب مع الرجال، حسبما ذكرت هايدي عبد اللطيف في كتابها “موسوعة المشاهير.. الجزء الثاني”،و الصادر عن دار دوِّن للنشر والتوزيع.