التفاصيل الكاملة لانتحار فتاة يوم وفاة العقاد
ارتبط العقاد في حياته بنساء كثيرات برغم أنه لم يتزوج وكان ارتباطه بهن ارتباط الأستاذ بتلميذاته إلا قليلا منهن وقعن في حبه، وسيرة هذا العملاق العظيم بل وكتبه فيها الشي الكثير عن هؤلاء النسوة إلا امرأة واحدة وفتاة واحدة أيضا، الأولي ادعت أنها تزوجت العقاد والثانية صرخت في فضاء الكون قبل انتحارها بأنها ابنة عباس العقاد، كما ذكر حنفي المحلاوي في كتابه “الأيام الأخيرة في حياة هؤلاء “.
ماتت منتحرة يوم رحيله
ولعل سبب تمسكنا بالحديث طويلا وبتفاصيل كثيرة عن هذه السيدة وتلك الفتاة التي ماتت منتحرة يرجع في الأصل إلي ارتباط حقيقتهما بيوم رحيله بل وبالساعات الأخيرة في حياته
ومما يؤكد لدينا ذلك تلك الصورة التي كتبها أنيس منصور معبرا ولو بشكل غير مباشر عما سبق وقلناه عندما قال وعلي السلالم تعثرت سيدة قد ارتدت الملابس السوداء وتبكي وتلطم خديها وتمسح وجهها في عتبات السلالم وتدق الباب الذي أغلق وتقول:” لابد أن أراه انتهت الدنيا .. لا دنيا بعده.. لا حياة ولا موت يا خسارة يا رحمتك يا رب أين هو أراه”.
فتحوا الباب للسيدة فوزية وأدخلوها عليه وراحت تتمرغ في الأرض وتخرج الأحذية من تحت السرير وتضعها علي رأسها وتقول:” يا أرحم الناس من الذي يعالجني في إنجلترا مرة أخري يا ليت ساقي قد انقطعت يا ليت عمري كان الله أخذه وأعطاه لك ما فائدة العمر بعدك ألف رحمة الجنة لك يا عباس يا عظيم يا سيد الناس وأخرجوها وهي تقاوم وأنزلوها السلالم وأغلقوا الباب”.
بدرية
وفي فقرة أخري قال عن بقية حكاية هذه السيدة وتلك الفتاة التي انتحرت .. وفجأة تعالت الأصوات والصرخات لقد عادت السيدة فوزية ومعها ابنتها بدرية في السابعة عشرة من عمرها ودخلت بدرية وألقت بنفسها عليه ( يقصد علي جثمان مولانا العقاد) وراحت تبكي وتصرخ في حالة جنونية, وانكفأت علي الأرض تلعق التراب تحت قدميه ثم تلعق أحذيته واحدا واحدا ثم تكشف عن قدميه وتقبلها وتصرخ أين أنت يا بابا أين ذهبت؟؟
ثم هجمت علي الزجاجات التي كان يتعاطاها وراحت تصبها في حلقها وراحت تبتلع كل الحبوب ومزقت ملابسها وشعرها وألقت بحذائها من النافذة ونزعت من الشماعة بيجامة الأستاذ وراحت تلف نفسها بها ثم أمسكت حذاء له ووضعته في قدمها واندفعت من الباب إلي السلم تتدحرج عليه وينزف الدم من رأسها ثم تختفي.
عانقت روح العقاد
ونعرف من تفاصيل بقية قصة هذه الفتاة التي قالت إنها ابنة مولانا عباس العقاد إنها ماتت منتحرة حين بدأوا في إجراءات نقل جثمانه إلي القطار المتجه إلي مسقط رأسه ومكان مولده إلي مدينة أسوان.
معني ذلك أن روحها ربما عانقت روح العقاد وهي في طريها إلي السماء وكان قد سبقها إلي عالم الآخرة ربما بساعات قليلة ولا نعرف السبب في اختيار هذا التوقيت بالذات
ولولا اشفاق تلاميذ العقاد علي أنفسهم أولا ثم علي أستاذهم لكانت حكاية هذه الفتاة قد استقرت بين أوراقهم حين كتبوا مذكراتهم عن العقاد وبالتالي كانت سيصبح من أكثر الحكايات المشوقة بالنسبة لعلاقة مولانا العقاد بالنساء وبالفتيات أيضا.
نشرتها مجلة أسبوعية
وبصرف النظر عن موقع أو أهمية أو شخصية هذه المرأة أو تلك كما هو معروف فإن الأسرار في حياة الكبار دائما تكون من أهم مطالب الباحثين علي الدوام أملا في وضع نهايات مقنعة لما يسمونه علي سبيل الإشاعة أو علي سبيل اليقين وقد تعرض العقاد وقصة الفتاة المنتحرة يوم رحيله إلي شئ من البحث الجدي علي أمل الوقوف علي تفاصيلها وإن كان الذي أذيع عن هذه القصة قد تأخر لعدة أشهر.
وقد نجحت إحدى المجلات المصرية الأسبوعية في نشر موضوع بالصور عن هذه القصة ثم حدثنا الدكتور عبد اللطيف عبد الرحيم رئيس جمعية العقاد الأدبية السابقة بعد نشر هذا الموضوع بأكثر من ثلاثين عاما مؤكدا كل ما جاء به من حقائق وفي حديثه إلينا أكد عدة حقائق كان من أهمها أن العقاد بالفعل كان يتبني طفلة اسمها بدرية وكان عمرها آنذاك 8 أشهر وأنه كان يسعده كثيرا أن تناديه باسم بابا.
كما أن هناك اثنين من أقرب تلاميذ العقاد كانا وحدهما يعرفان هذه الأسرار وهما الأديب الكبير الراحل محمد فريد أبو حديد والشاعر صدثق العقاد الشخصي محمد طاهر الجبلاوي وقد أكد هذان الشاهدان قصة هذه الفتاة وقصة علاقتهما الخاصة بمولانا العقاد.
أصل البنت
وأصل حكاية الفتاة بدرية التي انتحرت يوم رحيل العقاد هي أن مولانا كان يقيم في بداية حياته في ضاحية العباسية البحرية في بيت متواضع وكان ذلك تقريبا في عام 1915 حيث كان يعمل العقاد ذو السادسة والعشرين ربيعا معلما للترجمة واللغة العربية في مدارس النيل الإعدادية بحي الظاهر وفي عام 1935 تعرض العقاد لضائقة مالية شديدة بعد أن خرج حزب الوفد من الحكم عام 1928 وتوالت علي مصر حكومات الأقلية التي كان دائما ما يهاجمها العقاد.
وعندما هاجم وزارة توفيق نسيم باشا أعلن الوفد فصله وقطع مرتبه الذي كان يبلغ آنذاك 30 جنيها فوقع العقاد في هذه الضائقة المالية وفي هذه الظروف الصعبة عرضت عليه سيدة كانت تقيم بجواره في منزله بالعباسية بأن تساعده في هذه الظروف وبالفعل أقرضته مبلغ 600 جنيه ويقال في ذلك إنها من أجل توفير هذا المبلغ رهنت له قطعة من مصاغها الذهبي وكانت تلك السيدة هي أم الطفلة التي أنفق عليها كابنته تماما وكانت بدرية تتردد علي العقاد وهو يحضر لها كل طلباتها كما كان يعطيها مصروفا يوميا.
حكاية فوزية
أما حكاية فوزية تلك السيدة التي حكي لنا عنها من قبل أنيس منصور فكانت أخت الفتاة بدرية التي انتحرت بعد رحيل العقاد، وقد جاءت آنذاك لتسأل عن أية وصية تركها العقاد بعد رحيله لابنته أو لطفلته أو لبدرية.