في الفن المسيحي وعصر النهضة.. تاريخ الأسقف ومناظرها الدينية عبر العصور
احتل السقف مكانة متميزة سواء بوضعه المعماري في أعلى المنشأة أو بالمناظر والموضوعات الموجودة عليه، فمثلما لعبت مناظر الجدران دوراً كبيراً في عالم الفنون، كانت لمناظر السقف دور لا يقل أهمية عن تلك الزخارف السابقة وخاصة بالمنشآت الدينية سواء دور العبادة أو المنشآت الجنائزية، فكان للسقف رمزية خاصة، حيث كان يمثل قمة المنشأة أو سقف العالم.
الفن القبطي
بالنسبة للفن القبطي، نرى أنه بكل من مزاري الخروج والسلام بجبانة البجوات بالواحات الخارجة ظهرت المناظر على القباب تمثل قصصاً دينياً سواء من العهد القديم أو العهد الجديد. ويبدو أن الفنان قد قام بتلك الرسوم على القباب لعدم وجود أي مساحة مناسبة بكل من المزارين سوى بالقباب. ففي مزار الخروج نرى أن الجدران الأربعة قد شكلت على شكل عقود لها مثلثات كروية، مما يجعل مساحة الرسم بها ضئيلة، فلم تحتو تلك المساحات إلا على رسوم لصلبان أو زخارف هندسية وتقليد لبلاطات الفسيفساء. أما بمزار السلام، فقد زينت جدرانه بعقود وانتشرت على الجدران عبارات ومخربشات باللغة القبطية واليونانية والعربية كما احتوت المثلثات الركنية على مناظر طواويس، وهذا يثبت عدم وجود المساحة الكافية على الجدران للرسم.
الفن المسيحي
وفي الفن المسيحي المبكر كانت معظم المقابر الصخرية (الكتاكومب) بروما تضم أسقفاً ذات شكل قباب تحوي مجموعة من القصص المسيحي مثل جبانة سان بيتر ومارك بروما.
الفن البيزنطي
أما في الفن البيزنطي، فكان اختيار الدولة البيزنطية لطراز القباب والأقبية – والتي أصبحت السمة المميزة لها- لم يكن وليد أسباب إنشائية فحسب، بل كان أيضاً وليد أفكار رمزية أشد أهمية من الأغراض المعمارية، حيث كانت القبة في بلاد الشرق ترمز إلى السماء وقد أطلق عليها اسم ” القبة السماوية” لأن صفاء السماء معظم أيام السنة يجعلها تبدو نصف كروية بنجومها ليلاً وزرقتها النقية صباحاً. واستمراراً لتلك الفكرة أيضاً منذ العصر المسيحي المبكر، اتخذ أهل الدولة البيزنطية هذا الرمز عندما جعلوا من الكنيسة كوناً مصغراً microcosm تغطي القبة الكبيرة مجازها الأوسط رامزة إلى السماء، وقد توسطتها صورة للسيد المسيح ضابط الكل Christ pantocrator.
وتلك الفكرة نراها في كنيسة دافني باليونان، حيث نرى المسيح بوضع مهيب وهو يتوسط القبة بصفته ضابط الكل ممسكاً بالكتاب المقدس ويشير بإصبعيه بعلامة البركة.
معمودية آرينا
أما بمعمودية آرينا بإيطاليا، فقد مثلت على القبة مناظر تحاكي وظيفة المبنى، حيث مناظر التعميد، فنرى بوسط القبة منظر يوحنا المعمدان وهو يقوم بتعميد المسيح بنهر الأردن.
كنيسة سان ميشيل
وقد استمرت فكرة تمثيل السقف في صورة السماء خلال سقف كنيسة سان ميشيل بهيلدسهايم بألمانيا بالفن الرومانسكي، وذلك من خلال وجود المسيح ضابط الكل بطرف السقف وهو ممثل على العرش أمام خلفية زرقاء من النجوم الصفراء والشمس إلى يساره والقمر إلى يمينه، بالإضافة إلى وجود الملائكة جبرائيل وميكائيل وروفائيل وآرييل وهم يحيطون بمنظر المسيح ضابط الكل.
عصر النهضة
وفي عصر النهضة كانت كنيسة سيستينا بروما هي رمز للكون، لذا فقد كان سقف الكنيسة هو سماء هذا الكون، وهذا يظهر من خلال مناظر الرب وهو في السماء يقوم بخلق الكون من الشمس والقمر والأرض والمياه وغيرها من مظاهر الكون، وذلك حسبما ذكر شريف شعبان في كتابه “الأسقف ومناظرها الدينية عبر العصور” والصادر عن وزارة الدولة لشئون الآثار”.