أسرار وحكايات جنازة توت عنخ آمون

في كتابه الصادر حديثًا عن دار الرواق للنشر والتوزيع تحت عنوان ” ملك من ذهب.. أسرار توت عنخ آمون” يذكر الدكتور شريف شعبان العديد من الأسرار حول الملك الصغير.
يقول شريف شعبان:”بعد سبعة عشر عامًا من حكم الملك أخناتون، ساد فيها الصدام ضد كهنة آمون وبقية المعبودات واستبداد فكر آتون، وانتشرت العنصرية والتعصب وفرض الرأي للمرة الأولى في تاريخ مصر، واستشرى الفقر وضيق الحال في بيوت الناس خارج العمارنة، وازداد سخط النبلاء وكبار رجال الدولة القدامى الذين آثروا الإقامة في طيبة.
وتقطَّعت صلة مصر بممتلكاتها الخارجية حتى تقزَّم دورها وفقدت هيبتها أمام حكام الأقاليم، جاء الخبر الصادم الذي هز أنحاء البلاد: مات الملك الشاب أخناتون في مدينته الجديدة وهو في ريعان شبابه لم يتعدَّ أوائل الثلاثينيات من عمره.
إعلان الخبر
ما إن تم إعلان الخبر على الملأ، حتى تضاربت المشاعر ما بين خوف وأمل، خوف على مستقبل البلاد المظلم وأمل في بداية جديدة. فقد عمَّ شعور كبير بالارتياح والتحرر بين الناس من همٍّ ثقيل جثم على قلوبهم طيلة أعوام مظلمة، وخرج مختلف الكهنة فرحين ينشدون ترانيمهم القديمة في معابد الكرنك والأقصر وبقية مقاصير المعبودات بصوت مسموع وشكل معلن دون خوف من الملاحقة، وعادوا إلى الحرية والتعدد الفكري الذي حُرموا منه بسبب آتون.
بل وحرَّضوا الناس على تهشيم كل ما له علاقة بآتون في طيبة وغيرها. وبعدما كان آمون ملعونًا في النصوص وحُرِّم اسمه على الناس، أصبح اسم أخناتون معروفًا “بالملك المهرطق” و”المارق” واقترن بصفة “مجرم آخت آتون”، وكُشط اسمه من على السجلات والبرديات حتى أضحى ممحوًّا من ذاكرة المصريين القدماء.
القصر الكبير
أما الحال داخل القصر الكبير ومحيطه، فكان الترقُّب الممزوج بالصدمة هما سمة الموقف. الكل يعرف أن كلًّا من الشعب والكهنة والأرستقراطيين القدماء ناقمون على أخناتون، ونيران الثورة أصبحت على قرب من القصر وأفراده. لم تمضِ الكثير من الأيام حتى قفز نبلاء آخت آتون المقربون وأتباع الملك الذين أغدق عليهم بالمناصب والمنح من مركب العمارنة المثقوب، وحشدوا ثرواتهم وممتلكاتهم واستقلوا زوارقهم ليغادروا العاصمة الجديدة ويعودوا إلى طيبة أو منف أو حيثما كانت مساكنهم الأولى مرة أخرى.
بعدما علموا أن انهيار سد العمارنة المتمثل في أخناتون وحده سيجعل طوفان آمون يعود أكثر شراسة. أما الملكة نفرتيتي فقد اختفت في ظروف غامضة وأصبح مصيرها مجهولًا، ومن قبلها الملكة كيا أم ولي العهد، بينما كان الصغير توت لا يزال صغيرًا لم يتعد عمره السنوات الخمس حين مات والده.
سمنخ كارع
حينها اعتلى العرش ملك غامض يدعى سمنخ كارع لا يُعرف عنه سوى أنه إما كان أخًا غير شقيق لأخناتون أو ابن له من إحدى زوجاته الثانويات. ويرى البعض أنه مثلما اشترك أخناتون مع أبيه أمنحتب الثالث في عرش مصر، أشرك أخناتون معه سمنخ كارع طيلة عامين على الأقل حتى وفاته. ومثلما كان أخناتون وعصره مليئًا بالألغاز، ظل اسم سمنخ كارع في خانة الغموض بعدما اعتُبِرَ خليفة الملك الطاغية المنبوذ من ثورة مجتمع طيبة وكهنة آمون.
ابنة اخناتون
تزوج سمنخ كارع من ابنة أخناتون ميريت آتون الزوجة الملكية الكبرى، إضافة إلى مشاركته للعرش مع سلفه أخناتون، ما عزز موقفه، وهو ما يدل عليه ظهوره بصحبتها على جدران مقبرة مري رع الثاني أحد كبار رجال عصر أخناتون وهما يكافئانه، إضافة إلى أنه دليل على أن ميريت آتون كانت مثل أمها شريكة في الحكم لأبيها ولزوجها من بعده.
ونظرًا لأن المنظر غير مؤرَّخ، فمن الممكن أن صاحب المقبرة قد أقحم صورة سمنخ كارع دلالة على رغبته في مواكبة التحول السياسي بظهور ملك شريك في الحكم أو باعتباره ملكًا جديدًا بعد وفاة أخناتون دون تأكيد على أي منهما.
عرش مصر
لم يجلس سمنخ كارع كثيرًا على عرش مصر، فما تبقى من آثار تشير إليه دلَّت على أنه قد حكم مدة قصيرة تتراوح ما بين عامين إلى ثلاثة، لم تسجَّل فيهم أي أحداث تُذكر، منها بطاقة محتويات لأواني نبيذ تخص القصر الملكي بالعمارنة تحمل اسمه وترجع لعام حكمه الأول، بينما عُثر على قوائم محتويات نبيذ أخرى تخص ملك مجهول من عصر العمارنة ولكنها تؤرَّخ بالعامين الثاني والثالث، وهو ما دعا بعض العلماء إلى اعتباره صاحب تلك القوائم وأنه حكم طيلة ثلاث سنوات، بينما نادت آراء أخرى بأن ميريت آتون قد حكمت مصر قبل سمنخ كارع على العرش ومن بعدها استقل هو بالحكم.
حكم ما بعد اخناتون
وما يزيد من غموض هذا الشخص عدم تحديد هويته لعدم اكتشاف موميائه بعد، حيث ظهرت نظرية تشير إلى أن الحكم من بعد أخناتون قد آل لاثنين من بناته قد حكمتا مصر معًا، اعتمادًا على أن أخناتون بعدما تزوج من ابنته ميريت آتون ونصَّبها الزوجة الملكية رفع بجوارها أختها نفر نفرو آتون ونُصبتا معًا حاكمان مشتركان للعرش تحت اسم عنخ خبرو رع.
الملكة نفرتيتي
على أن أكثر النظريات غرابة ومنطقية في ذات الوقت هو أنه من المرجح أن هذا الخليفة الغامض لم يكن سوى الملكة نفرتيتي التي عادت باسم جديد لتحكم به كملك لمصر بعد وفاة زوجها حين وجدت البلاد في حالة ضياع، فحاولت أن تنقذ ما يمكن إنقاذه بعد نهاية عصر العمارنة وعودة نفوذ آمون مرة أخرى بقوة تحت اسم مستعار وهيئة رجولية.
ويأتي ذلك الرأي استنادًا إلى مناظرها في وضعية الملك المحارب، حيث ظهرت في فنون العمارنة على نقش بطيبة وهي تهم بضرب أحد الأعداء مرتدية تاجها الأزرق الشهير والمقتبس تصميمه من تاج الحرب المبتكر إبان حكم تحتمس الثالث ، وفي نقش آخر تظهر نفرتيتي على هيئة أبو الهول وهي تسحق الأعداء بين قدميها، مما يرجِّح عودتها للعرش محملة بالخبرة والقوة لتحكم بشكل منفرد.
مقبرة غير كاملة
ومن المحتمل أنه عندما توفي الملك سمنخ كارع، تم دفنه في مقبرة غير كاملة بالجبانة الملكية بالعمارنة بالقرب من المقبرة الملكية الخاصة بالملك أخناتون. وقد عثر على العديد من القطع داخل مقبرة توت عنخ آمون بوادي الملوك يُعتقد أنها قد صُنعت في الأساس لسمنخ كارع، من بينها التابوت الأوسط للملك الصبي.
وقد ساد اعتقاد أن المقبرة KV55 قد خُصِّصت لسمنخ كارع، فعندما هُجرت عاصمة قرص الشمس إبَّان السنوات الأولى لحكم الملك توت عنخ آمون، وعاد البلاط الملكي إلى طيبة، يبدو أنه قد تم نقل مقابر أفراد العائلة المالكة بالعمارنة إلى طيبة، وكان سمنخ كارع واحدًا منهم.