حسين عبد العزيز يكتب: هوامش على رواية المحارم للراوئى فكرى داود
عندما يكون الأديب مثقفًا نجده يقدم لنا هذا المنتج الأدبى الذى يتحدى عوامل التعرية كما الآثار المصرية القديمة التى تتحدى كل عوامل التعرية وما يحدث فى الزمن من تقلبات.
وما كان للمصرى القديم ان يقدم تلك الأشياء العظيمة إن لم يكن إنسان مثقفا فى ذاته، إن المبدع لبد ان يكون مثقفا لديه قضيته التى يعمل من أجلها اين كان الكاتب واين كان نوع كتابته، أى لبد أن يكون مثقفا حتى يقدم منتجا ابداعى يستحق أن يحمل تلك الصفه ومن ثمه يقرأ باستمتع من قبل القارئ .
وأنا لن أزيد لأنى أريد أن أذكر أنى أمس الأول شاهدت فيلم زقاق المدق والحق يقال لا أدرى كم مره شاهدت هذا الفيلم بعد ان قرأت الرواية ذات الحجم الكبير جدا “طبعة دار الآداب البيروتيه ذات الغلاف المميز جدا للفنان جمال قطب “.
وأثناء مشاهدة الفيلم تذكرت رواية المحارم وطريقة بنائها وكيف قدمها لنا المؤلف بالضبط كما قدم نجيب محفوظ روايته حيث الحارة أو الذقاق الذى جمع عدد كبير ومتنوع من البشر وكلهم نماذج مختلفة وذات أحلام ومشارب لا يربطها رابط
والذى يجمعهم شيئا واحد فقط لا غير إلا وهو أرض وبيوت وشارع الذقاق وأيضا يجمعهم فكرة الخروج أو الهروب من الذقاق كما كان يفكر حسين كرشة وحميدة الى عباس الحلو الذى يعلم أن حل مشكلته هى فى أن يخرج من الذقاق ليعمل فى البرنس مع حسين كرشى لكى يأتى بالمال فيقدر ان يتقدم ويتزوج حميدة تلك الفتاة المتمرده على كل شئ وتسخر من كل شئ وتحب المال كما عينيها بعكس حسين كرشه الذى يحب الحياة لذا يريد ان يخرج من الزقاق ليعيش حياة جديدة وان كانت فى البرنس.
فهو نموذج للشاب الغير منتمى لشئ غير لذاته لذا فنحن نجده يشجع الشاب المنتمى عباس الحلو لكى يترك تلك الحياة من أجل حياة أخرى خارج الذقاق .
تلك الحياة التى ذهب أبطال رواية المحارم للروائى فكرى داود من أجل أن يكونوا ذاتهم كما فعل حسين كرشه وعباس الحلو الذى انكسرت نفسه وهو يعمل مع المحتل الانجليزى ،ولام نفسه على أنه وافق على تلك الفكرة الشيطانية التى بثها فيه فاوست زقاق المدق أو حسين كرشه ابن صاحب القهوى الشاذ.
ونحن يمكن أن نعد حسين كرشه يقوم بدور فاوست الذى يشجع الكل على الاستمتاع بالحياة بما هو متاح للكل فهو يفهم الكل ويشجع الكل على القيام بما يحبوا ويرغبوا ، دون التقيد بشئ اى شئ مهما كان مقلق للضمير أو خارج على الدين.
ونحن لن تقف إلا عند الصفحة رقم ٢٧٠ التى يعترف فيها المحرم ويبدو الندم على تلك التجربة التى ما كان ان يقوم بها لو كان عنده ذره كرامه أو عنده عقل يفكر او يتخيل ما سوف يؤل إليه حاله عندم يسافر محرما لزوجته التى اخرجت عليه عقدها النفسيه ولم يأثر فيها تعليمها او صلاتها او حجها او عمرتها او اى فعل يدل على انها مسلمه فنحن سوف نجد
فى الصفحة رقم ٢٧٠ فى رواية فكرى داود المحارم حيث نقابل احد اهم شخصيات المحارم والذى يدخل فى حوار أو اعتراف مع بطل الرواية الذى نرى ونسمع الاحداث والمآسى من
خلاله ( فى الطريق الى تثليث وبعد فراغنا من سيرة الرجل ، فاجأنى سعفان سائلا اتذكر حكاية المعلمة السمينة العانس التى جاءتها الاعارة فاضرت للزواج من رجل جلف ليسافر معها، شريطة لهف نصف راتبها خالصا مع تكلفها بسائر مصاريف الرحلة، لكنه دأب على إهانتها وعدم معاشرتها كزوجة إلا إذا نقدته مبلغا ماليا
قلت أتذكر طبعا حديثك عنهما، واتذكر تسجيله لها وهى تشخر اثناء النوم ، وكذا اثناء معاشرته لها كزوجة، وقال :أعلم طبعا أنك لم تر أيا منهما ، لأنهما انتقلا من تثليث قبل قدومك إليها، قلت دهشا :لكن مالذى ذكرك بهما الان ؟
أطلق تنهيدة طويلة ثم قال: لقد تمادى فى إيذائها بعد نقلهما، حتى وسوس لها الشيطان، أن تضع له مخدرا فى الطعام، ثم تقيده فى سريره وماذا يابنى، وتشعل النار فى السرير، قبل إغلاق الحجرة عليه
يا رجل اقسم لك وبعدين، ولا قبلين، انقلبت الدنيا، وباتت سجينة غريبة بينما يرقد هو بالمستشفى كتلة لحمية محترق، تتأرجح بين الموت و الحياة.
أطبق صمت حزين على قلبى متعجبا من مصائر الخلق، اللذين يرغبون فى اتخاذ طرق ما ، فتأخذهم الدنيا الى طرق أخرى، ماذا لو لم يتزوج هذا المحرم من تلك المعلمة؟ وماذا لو ألغيت إعارتها أصلا ؟ ألم يكن هذا أسلم لكليهما ) صفحة ٢٧٠ رواية المحارم .
هنا وفى تلك الفقرة التى نقلتها كامله توضح مدى الهوان الذى يشعر به الزوج امام السلطة الممثلة فى زوجته والتى تمارس السادية معه بكل ارياحية.
اذن هى رواية نتصر للرجل فى ظل ظروف وجد نفسه فيها دون اى اراده منه، وتلك الرواية سهل تحويلها إلى عمل مسرحى كما ذقاق المدق التى حققت نجاحا مداويه ما أن عرضت على خشبة المسرح.