فى البداية لبد أن نذكر مقولة مهمه جدا للشاعر والأديب الألمانى جوته وهى “كن رجلا ولا تتبع خطواتى” ابدأ بتلك المقولة حتى لا يفكر أحدًا فى ان يقلد مأمون الشناوى، أو أى أحدا اخر من المشاهير أقول هذا لان بداية الشناوى كانت فى أحد الأيام التى زوغ فيها من المدرسة وأخذ يضيع الوقت فى محيط المدرسة واثناء ذلك و جد رجلا يبيع كتب قديمة فأخذ يتصفح عناوين تلك الكتب، التى وجد بينها كتاب عنوانه لفت نظره فأخذ الكتاب بعد أن دفع ثمنه وكان اسمه ” الأجنحة المتكسرة لجبران خليل جبران ” فقرأ الكتاب الذى منحه متعة لا تقدر بالنسبة له.
وفجأة وجد نفسه يحب بنت الجيران وهو فى نهايات العقد الثانى ولا يدرى كيف يخبرها ولا يدرى كيف يوصلها رسائل حبه لأنه فى تلك الأيام لا يوجد نت أو فيس أو واتس أو حتى هاتف من خلاله يمكن يحدثها، وقد هاده تفكيره أن يكتب لها أغنية، بعد ان علم وعلم الحي كله أن اباها اشترى راديو ومن هنا كان الحل فى أن يكتب لها أغنية أو أغانى و يجب أن تكون بالعامية حتى تفهمها الفتاة وهو الذى كان ينظم شعره بالفصحة حيث كان ينشر انتاجه فى مجلة أبولو .
وكان صديقه المطرب محمد صدقى الذى أخذ كلمات الأغنية إلى الإذاعة واجيزت وتم غنائها، واستلم مأمون ٢ جنية ثمن الأغنية التى اشتهرت بصورة كبيرة وكان اسمها (تكره تحب ما فيش فايدة ماراحت النار القيده).
وتوالت الأغنيات واشتغل مأمون الشناوى مع احسان عبد القدوس فى مجلة روزاليوسف فى القسم الفنى واصبح اسمه يتردد كصحفى وكشاعر غنائى ولما تعثرت المجلة اشتغل مع على امين فى مجلة اخر ساعة التاعبة لاخبار اليوم، وكان رئيس التحرير بلدياته وأمير الصحافة المصرية والعربية ” محمد التابعى حيث انه من مواليد نوسا البحر، المنصورة.
وفى أحد الأيام قال له زميل صحفى أن المطرب محمد عبد الوهاب، يريده بسبب الاغنيات التى تغنى بها محمد صدقى ويحفظها الناس .
فطار اليه سعيدا حالما فى استوديو مصر حيث كان يصور عبد الوهاب فيلم” يوم سعيد ” وقال له عبد الوهاب أنه يحب اغنياته التى يغنيها محمد صادق ويريد كلمات للحن وضعه، وسمعه اللحن على العود وأسرع مأمون الشناوى إلى بيته وعاد فى اليوم الثانى ومعه الكلمات أنت وعزولى وزمانى حرام عليك دبلت زهور الأمانى
بين ايدك، تجرحنى ليه، وانا كلى جراح مسيرى يوم انساك وارتاح، وبهذا نرى ونعرف ان العمل الصحفى يفتح الابواب لمن لديه الموهبه ولديه الاستعداد فى ان يستفيد منها ، ولا يجعلها تفوت منه تحت اى دعاوى لا تفيد المبدع فى ذاته.
ولو أننا حاولنا ان نرسم له بورتيه من خلال خطوط بسيطه وألوان كثيره فسوف نجد الاعتزاز بما ابدعة ويبدعه، وتنوع ابداعه وتنوع من تعامل معهم، والأهم من ذلك المحافظة على عمله الرسمى فى الصحافة حيث كان يعمل محررًا فنيًا، وشارك فى تحرير جريدة اخبار اليوم وكان ينشر فى مجلة أبو لو، وهو هنا بعكس الكثير من الشعراء الذين ما ان ينشر لهم قصيدة او ديوان حتى يستغنى عن عمله الحكومى او الخاص، واقرب مثل لذلك الشاعر أحمد فتحى الذى قدم وابدع قصيدة ” قصة الأمس ” لام كلثوم وما قدمه لعبد الوهاب من أغنيات لكن حياته لم يكتب لها الاستقرار .
ورغم أن مأمون الشناوى كان يبدع قصيدة الفصحى وينشرها فى أكبر مكان للنشر وقتها، وهو مجلة ” أبولو” ورغم ذلك كان يكتب بالعامية ولكنها عاميه ممزجة بالفصحى وليست عامية لهجة لا تقرأ إلا بصعوبة وثقافته وقضيته هى التى جعلت يبدع هذا النوع من الشعر ما بين الفصى والعامية، كل هذا لانه كان يحب بنت الجيران والحب يفعل الأفاعيل .
وكان لا يجد وسلية ليخبرها بها بحبه، فوقتوها لم يكن يوجد نت او محمول أو ماسنجر أو اى شئ من هذا غير موهبته فكتب فيها ولها أغنية بالعامية حتى تفهمها وقدمها إلى صديقة المغنى” محمد صدقى” الذى اخذها وقدمها إلى الاذاعة فتم تحلينها وسمعها كل الناس وأولهم المعنية بالكلمات
انساك
ده كلام انساك ياسلام
اهو ده اللى ممش ممكن ابدا ولا افكر فيه ابدا
ده مستحيل قلبى يميل ويحب غيرك ابدا ابدا
هو ده اللى مش ممكن ابدا …
ونفهم من هذا الاعتراف الصريح بالحب والغرام وانه لا يمكن لها أن تستغنى عن هذا الحب أو الغرام، والذى يشبه الغرامه لكنها تحب تلك الغرامة، ونحن هنا نجد اللغة والكلمات والمعانى التى قدمت لنا اغنية من الصعب عدم التركيز فى كلماتها ومعانيها وما تحتويه من فلسفة الرضى والتراضى التى تتحلى بها رغم ما وقع بينهما من خصام يوجد فى كل البيوت المصرية ، لكن لبد من رفع لغة التسامح بيننا لكى تمضى بنا الحياة الى الامام ونستمتع بها
وقد فهمت أم كلثوم مأمون الشناوى من خلال تجربة قصيدة الربيع التى قدمت شهرة عريضة لفريد الأطرش الذى غنها بعد أن طلبت تعديل بعض الكلمات فرفض مأمون ذلك اعتزازا ابداعه وتلك حكاية معروفة ومفهومة كما نعلم جميعًا.
كل ليلة وكل يوم نجاح أغنية أنساك وضع مأمون الشناوى فى اختبار قاصى فيما سوف يقدمه للست بعد ذلك، حيث لبد أن يكون على نفس المستوى او أعلى منه .
ومن هنا ابدع أغنية كل ليلة وكل يوم والتى من حسن الحظ توجد على هاتفى من زمن بعيد لانى أحب الاستماع اليها، لما ما بها من حلاوه ومتعه فى اللحن والاداء والكلما والأغنية قائمة أو مبنية على تسائل من المحبة الى المحب الغير معنى أو مهتم بالحب واخذت الدنيا فى دوربها ومودنها ودولها وهى مازلت على نفس الحب ونفس الاصرار علية لانها وجدت فيه ماهيتها وان وجد الشخص منا ماهيته فى شيئا ما فأنه لا يستغنى عنه ابدا فنجدها تقول له:
كل ليلة وكل يوم اسهر لبكره فى انتظارك يا حبيبى
فكرى طول الليل فى ليلك والنهار كله فهارك يا حبيبى
يا ترى يا وحشنى بتفكر فى مين عامل ايه الشوق معاك
عامل ايه فيك الحنين
يا ترى يا حبيبى وحشنى بتفكر فى مين
عامل ايه الشوق معك عامل ايه فيك الحنين
سهرت السهر فى عنيا
صحت المواجع فيا
كل ساعه كل ليلة كل يوم اطمن عليك هيجلى نوم ياحبى
وهكذا تمضى فى عرض مشكلتها مع حبها وحبيبها واخلاصها له ، رغم عدم درايتها هو بيفكر فى مين ..لأن الحب تحول لديها الى ماهيه تجد من خلالها ذاتها وحياتها والكلمات والحن والادء هذا الهرم الثلاثى الأركان اوصلا المستمع الى حالة من المتعة والتى هى غاية اى فعل نقوم به فى تلك الدنيا
بعيد عنك حياتى عذاب
وهذا الهرم نجد يتجلى ايضا فى بعيد عنك حياتى عذاب . وهى تكمل اغنية كل ليلة وكل يوم التى كانت تبحث فيها عن الحبيب الذى هو ماهيتها ، وقد تجلى ذلك فى تلك الاغنية التى فيها تأنيب للمحب الانانى الذى تركها ذهب بعيدا الى اين هى لا تدرى لذا تقول له بخاف عليك وبخاف تنسانى
والشوق اليك على طول صحانى
غلبنى الشوق وغلبنى
وليل البعد دوبنى
ومهما البعد حيرنى
ومهما السهد سهرنى
لا طول بعدك يغيرنى
ولا الأيام بتبعدتى بعيد عنك
قمة الصوفية فى نظم الكلمات التى يبدعا الشاعر الذى هنا لا يألف وإنما ينظم كلمات كما العقد اللولى، لذا فكلمات توجد المتعة للمستمع.
دارت الأيام تلك الأغنية وضع لحنها عبد الوهاب وسوف نجد فى تلك الأغنية القيمة الكبرى لفلسفة الشاعر مأمون الشناوى، والقائمة على الصوفية بمعناها الشامل والواضح والذى يتجلى فى اعلى مراحله وهى التسامح، فنجدها تقول وقابلته نسيت انى خصمته
ونسيت الليل اللى سهرته
وقابلته نسيت انى خصمته
ونسيت عذاب قلبى وحيرته
ما اعرفش إزاى أنا كلمته
وهذا هو ما ينقصنا فى المجتمع المصرى الا وهو التسامح، شكرًا مأمون الشناوى على كل هذا الحب والصفاء الروحى الذى وضعته فى كلماتك .