«جابر بن حيان وذو النون المصري».. هؤلاء حاولوا فك رموز حجر رشيد قبل شامبليون

الخطأ الشائع الذي يقع فيه الناس هو اعتقادهم بأن الهيروغليفية هي لغة المصريين القدماء، ولكن في الحقيقة أن الهيروغليفية هي أحد الخطوط التي كتبت بها اللغة المصرية القديمة، وهي تعني الكتابة المقدسة، بينما كتبت تلك اللغة بخطوط أخرى مثل الهيراطيقية، وهي الخط الكهنوتي التي كتب بها الكهنة وثائقهم السرية، ثم الخط الديموطيقي، وهو الخط الشعبي الذي استخدمه العامة في كتابة مراسلاتهم من عقود بيع وشراء وزواج وطلاق وتدريبات الطلبة في المدارس وغيرها.

أول محاولة لفك رموز اللغة المصرية

كما يعتقد البعض خطأ أن أول محاولة لفك رموز اللغة المصرية القديمة جاءت على يد الفرنسي فرانسوا شامبليون عام 1822 حين نجح في فك رموز حجر رشيد معتمداً على دراسات كل من السويدي يوهان دافيد أكربلاد والإنجليزي توماس يونج.

محاولات سبقت شامبليون

ولكن في حقيقة الأمر سبقت محاولات شامبليون عدة محاولات ناجحة على يد بعض العلماء العرب في العصور الوسطى الذين مهدوا الطريق لشامبليون كي يتمم تلك الدراسات بالنجاح، حيث اولى العلماء العرب والمسلمون بالخط الهيروغليفي اهتماماً بالغاً وخاصة علماء الكيمياء منهم لاعتقادهم أن نقوش تلك اللغة تحمل في طياتها أسرار الكيمياء وتحويل المعادن العادية إلى أخرى نفيسة.

فمن أهم العلماء العرب والمسلمين الذين انبروا لدراسة ومحاولة فك الرموز الهيروغليفية كان عالم الكيمياء جابر بن حيان من القرن السابع، والذي شمل كتابيه “حل الرموز ومفاتيح الكنوز” و”الحاصل في علم الميزان” محاولات لقراءة بعض الرموز الهيروغليفية. وجاء من بعده العالم المصري “أيوب بن مسلمة” الذي جاء إلى مصر ضمن حملة صحب الخليفة المأمون خلال زيارته لمصر، وذُكر أنه تمكن من قراءة بعض النقوش المصرية القديمة.

وهناك العالم والزاهد المصري “ذو النون المصري” الذي ولد بأخميم وعاش بين القرنين الثامن والتاسع وذكر أنه كان يجيد قراءة النصوص المنقوشة على جدران المعابد، وترك لنا كتاب “حل الرموز وبرء الأرقام في كشف أصول اللغات والأقلام” والذي تضمن دراسات للكثير من الخطوط القديمة منها الهيروغليفية ومعها ذكر لقيمتها الصوتية من وجهة نظره.

ابن وحشية النبطي

ونعرف “ابن وحشية النبطي” من أهل العراق، والذي عاش بالقرن التاسع وألّف كتاب “شمس الشموس وقمر الأقمار في كشف رموز الهرامسة وما لها من الخفايا والأسرار” ومخطوط “شوق المستهام في معرفة رموز الأقلام” حيث اكتشف أن للرموز الهيروغليفية قيم صوتية وقام بتحليل العديد منها.

وقام المستشرق النمساوي جوزيف همرفون بترجمة تلك المخطوطة للإنجليزية ونُشرت في لندن عام 1806 أي قبل 16 عاما من اكتشاف شامبليون. كما نعرف عالم الكيمياء العراقي “أبو القاسم العراقي المصري” الذي عاش بين القرنين الثالث عشر والرابع عشر، والذي كتب “الأقاليم السبعة” حيث تضمن فقرات لبعض النصوص المصرية القديمة، كما تضمن جدولاً للحروف البرباوية (أي الهيروغلفية).

جاءت قراءته لبعضها صحيحة، بالإضافة إلى إسهامات ابن الدريهم في كتابه “مفتاح الكنوز في إيضاح المرموز”، وابن إسحاق الكندي في كتابه “رسالة الكندي في استخراج المعمي” في الكشف عن أسرار الخط الهيروغليفي وفك رموز اللغة المصرية القديمة.

خرافات سعد عبد المطلب

ومن الخرافات التي طالت الهيروغلفية وطلت علينا في العصر الحديث، ما ادعاه الباحث سعد عبد المطلب في كتابه “الهيروغليفية تفسر القرآن الكريم”، حيث ادعى نجاحه في تفسير الحروف المقطعة التي تبدأ بها بعض سور القرآن الكريم لأن تلك الحروف هي في الأساس كلمات من اللغة المصرية لما بها من تشابه كبير بين سمات تلك اللغة واللغة العربية، معتمداً على التشابه الصوتي بينها.

كما ادعى خطأً أن بعض هذه الرموز التي تصدرت بها بعض السور القرآنية مثل: ق ، ص ، ن ، لها شكل مميز شبيه بصورة الأفعال في اللغة المصرية القديمة، وبالذات أنها لا تحمل نهايات في آخرها ولا تتغير مع تغير الفاعل أو المفعول به، فإن لها صورة واحدة هي صورة المفرد المذكر حتى وإن اختلف فاعلها من حيث التذكير والتأنيث والإفراد والتثنية أو الجمع.

وعلى سبيل المثال يفسر (ألمر) في بداية سورة الرعد قائلاَ إن النصف الثاني منها (مر) أنه من اللفظ (مرّ) بمعنى يحب، وفي موضع آخر نجده يفسر حرف (م) وحده بأنه يعني بكاء، وهذا ما لا يمكن أن يتفق معه أحد فيه. في تفسيره “طس”.

في بداية سورة النمل يورد الباحث وجهتي نظر حيث يسرد الأولى أن (طا) جاءت من (تا) ومعناها: أنت أيها الرجل، وهذا خطأ كبير لأنها في الحقيقة اسم إشارة للمؤنث فتقول (تاست) بمعنى: هذه المرأة ، فكيف يخاطب بها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم؟! ثم يتحول لوجهة النظر الثانية ليقول إن (طس) جاءت من (تاسني): (تا) بمعنى أرض و(سني) بمعنى: يقبل، ولو كان معناها في المصرية القديمة تقبيل الأرض لجاءت هكذا (سني تا) أي مضاف ومضاف إليه، ثم يربط هذه الأرض بمكة وإذا كان يقصد بهذه الأرض مكة فإن الأرض الحرام في المصرية القديمة معناها (تا إيبت) والتي حرفت إلى طيبة فما علاقة هذه بـ(طس)؟.

لغة لا تعرف ادوات التعريف

وزاد الباحث في خطأه حول اللغة المصرية القديمة بقوله أنها لغة لا تعرف أدوات التعريف أو النكرة في حين أن هذه الأدوات معروفة جيداً، كما قال إن الفعل قد يأخذ شكلا واحدا في جميع الأزمنة واستعان بكلمات معظمها سامي الأصل دخلت اللغة المصرية متأخراً، وهذا أيضا خطأ فادح.

وفي حقيقة الأمر اللغة المصرية القديمة غنية بالمفردات والمترادفات إلا أن هناك في الوقت نفسه كلمات تبدأ بعلامة واحدة ولكنها تختلف في “المخصّص” وهو العلامة التي تاتي في نهاية الكلمة لتحدد معناها (الفم في نهاية الكلمة يدل على الطعام والشراب والكلام والفم نفسه) وهذه العلامة لا تنطق مع الكلمة.

اللغة المصرية القديمة

كما تطرق إلى أن اللغة المصرية القديمة والمعروفة الآن تحت مسمى”اللغة الهيروغليفية” كانت لغة عالمية، وكانت لسان العصر لكل من أراد أن يعبر أو يكتب أو يتكلم، ولكن الحقيقة هي أن اللغة البابلية أو الأكدية بخطها المسماري كانت هي لغة الدبلوماسية الدولية في كتابة المراسلات والمعاهدات خلال القرن الثالث عشر وحتى السادس قبل الميلاد وليست المصرية القديمة، والتي كان يعتبرها أهلها لغة الخاصة، وذلك حسبما ذكر الدكتور شريف شعبان في كتابه “أشهر خرافات الفراهنة” والصادر عن دار ن للنشر والتوزيع.

اقرأ ايضا:

«قتل طفلا فوقع أسير الحزن».. تفاصيل أكبر أزمة في حياة رشدي أباظة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى