«أصل الحضارة المصرية من بلاد الرافدين».. خرافات علماء المصريات

من الآراء الصادمة والمنتشرة بين العديد من علماء الغرب بأن أصل حضارة المصريين القدماء جاء من بلاد الرافدين، حيث أن حضارة سومر هي المؤسسة لمصر القديمة ضمن حضارة عالمية خلال الألف الرابع قبل الميلاد والتي امتدت من الهند وحتى كريت بما فيها مصر بينما كان مركزها سومر بالعراق القديم، كما أن الكتابة السومرية هي الأصل للكتابة الهيروغليفية المصرية.

خرافة الأصل الرافدي

فيزعم أصحاب هذا التيار الغريب ومنهم عالم الآثار فلندرز بتري والمكتشف والكيميائي الإنجليزي “لورانس وادل” وعالم الآثار “برايان إمري” في أوائل القرن العشرين أن أسرة سرجون الأكَّادي هي أصل الأسرتين الأولى والثانية في مصر، أي أن الملوك الثلاثة الآخرين لعصر ما قبل الأسرات هم من أصل رافدي، وهم جد سرجون الأكَّادي وأبوه وسرجون نفسه، كما يجعلون الملك المصري القديم مني أو مينا ولي عهد العرش السومري وحاكم مستعمرة السند السومرية، والذي تحول إلى أول حكام مصر المستقلة دون إبداء تحول مبرر لهذا الانقلاب، ويربطون لغوياً بشكل غير منطقي بين كل من الملك مينا المصري والملك مينوس الكريتي والمحارب مانس السومري. وتأتي تلك الفرضية من خلال أساليب الدفن غير المعروفة من قبل، وهندسة المقابر غير المعتادة في مصر، والتي تشير من وجهة نظرهم إلى حدوث غزو من قبل نخبة حاكمة جاءت من الشرق الأدنى كانت مسئولة عن التطور المفاجئ الذي بدأ للحضارة المصرية القديمة.

الجنس الآري

ويكشف لورانس وادل، هذا الرحالة غير المتخصص ميله العرقي في اعتبار أن الجنس الآري هو نفسه الجنس السومري الذي بدأ حضارة العالم وأسس لإمبراطورية مهولة شملت العالم القديم كله، ويزعم وحدة السمة العامة لشخوص المناظر المرسومة على آثار الحضارات الثلاث المصرية والسومرية والهندية، حيث الرؤوس الطويلة والشعر المائل للأشقر والعيون الشهباء، كما يدعي أن السومريين أقوام هاجروا من شمال العراق إلى جنوبه، معترفين بأصولهم الجبلية.

ولكن هذا الرأي يتنافى مع ما ذكره السومريون أنفسهم عن أصلهم كما ورد في أحد الألواح الطينية السومرية أنهم تركوا موطنا في أرض جبلية يمكن الوصول إليها بحراً، حيث إن شمال العراق أرض جبلية ولكن لايفصلها عن جنوب العراق أي بحر. وبعد هجرتهم حلوا في الجنوب عند مصبي دجلة والفرات مؤسسين مدناً هي ممالك مستقلة أشهرها: أور، أوروك، أوما، وغيرها.

عصر بداية الأسرات

كما أنه من المعروف تاريخياً وأثرياً أن عصر بداية الأسرات في مصر قد جاء نتيجة تطورات سياسية وحضارية داخل مصر نفسها خلال ما تعرف بحضارتي نقادة الثانية والثالثة ، ثم بدأ مع توحيد إقليمي مصر الشمالي والجنوبي في دولة قوية واحدة، عام 3150 ق.م، على يد الملك مينا (أو نعرمر) القادم من جنوب مصر والذي أسس عاصمة دولته في مدينة ثني بالقرب من أبيدوس ثم اتجه لبناء عاصمة أخرى للمملكة الموحدة عرفت باسم منف، وهي المدينة المركزية التي وحدت شطري البلاد خلال الدولة القديمة، بينما بدأت حضارة سومر في الظهور على وجه العالم خلال عام 3200 ق.م أي وجود فارق زمني بين الحضارتين والذي يصل إلى نحو 500 سنة، في حين أن وادل قد وضع تاريخاً وهمياً يجعل الأسرة المصرية الأولى لا تبدأ مع مطلع الألف الثالث أو قبله كما هو متعارف عليه وإنما تحديداً مع سنة 2704 ق.م، دون أي سند تاريخي أو أثري.

بلاد النهرين

وهذا الأمر لا ينفي وجود علاقات بين مصر وبلاد النهرين خلال فترة ما قبل الأسرات إبَّان حضارتي نقادة الثانية والثالثة بمصر والمعاصرة لحضارة أورك بالعراق القديم، تضمنت تبادل في الـتأثيرات الفنية والعقائدية. فقد عثر في مصر على أوان وصناديق فخارية ذات طابع رافدي مما يشير إلى وجود حركة تجارية بين الحضارتين، بالإضافة إلى اكتشاف مجموعة من الأختام الاسطوانية وألواح الزينة ومستحضرات التجميل بمقابر نقادة الثانية بمصر وخاصة بمنطقة هيراكنبوليس  قادمة من بلاد النهرين، كما يظهر على سكين جبل العركي  مشهداً ذا تأثير عراقي يمثل رجل يفصل بين حيوانين مثلما جاء في ملحمة جلجاميش، وفكرة الحيوانات المركبة، ذات الأصول العراقية منقوشة على صلاية نعرمر نفسه . بينما يظهر التأثير المصري على الآثار الرافدية في مناظر ضرب الملك لأعدائه بسلاح المقمعة بينما تحلق الطيور لاقتناص جثث الأعداء كما يظهر في آثار الملكين إياناتوم السومري وسرجون الأكَّادي وهي المأخوذة من مناظر صلاية نعرمر، وهو ما يعتبر تأثير وتأثر ناتج عن علاقات تجارية بحرية وليس احتلال وسيطرة كما يزعم أصحاب هذا التيار المضلل.

الفرعون الأول  

ومع مناقشة أصول الكتابة المصرية القديمة، يزعم وادل أن الكتابة التي استخدمها مِنِس (الفرعون الأوّل) وأسرته وأسلافه السومريون لنصوصهم في مصر هي كتابة سومرية، حيث كانت بلاد النهرين منذ القدم تعرف نوعي الكتابة: التصويرية والخطية بينما عرفت مصر الكتابة التصويرية فقط. ويزيد وادل في أفكاره الضالة بأنه من المحتمل أن الكتابة السومريّة المبكرة قد أطلق عليها مصطلح (الهيروغليفية) وذلك لاستخدامها شكلها التصويري الخطي في أختام الكهنة والملوك وعلى التمائم والتعاويذ.

أصول الكتابة المصرية

ورغم أننا نجد قلة في الأدلة الأثرية التي يمكن أن تشير إلى أصول الكتابة المصرية إلّا أننا لا نضع قاعدة ثابتة وقاطعة حول الأصل السومري لها كما يزعم وادل. ففي عام 1993 اكتشف جونتن دراير خلال رئاسته للبعثة الألمانية كتابات بالحبر الأسود على أوان فخارية في منطقة أم الجعاب بالعرابة المدفونة بمحافظة سوهاج، وهي المنطقة التي يوجد بها مقابر ملوك الأسرة الأولى وآخر ملكين من الأسرة الثانية ترجع لعام 3400-3200 ق.م وهو ما يجعلها معاصرة للألواح الطينية الخاصة بحضارة أورك ببلاد النهرين ويشكك في أسبقية الكتابة السومرية للكتابة المصرية القديمة، وذلك حسبما ذكر شريف شعبان في كتابه “أشهر خرافات الفراعنة”، والصادر عن دار ن للنشر والتوزيع.