أسامة مهران يكتب: أجواء صحفية
في بلادنا العربية، ستظل الأجواء الصحفية يشوبها التخبط والتمصلح واستهلاك الطاقات الإيجابية للشباب، ليس ذلك تنفيرًا أو تكسيرًا للمجاديف بقدر ما هو توصيف لواقع نسعى لتغييره، ربما نكون في البحرين أفضل حالاً، وأقل استغلالاً للأجيال الطالعة، وأكثر إيمانًا وثقة بهم، وأنهم قادرون على استكمال المشوار الطويل في محراب مهنة المتاعب.
دولة عربية أنأى بنفسي أن أذكرها، يتم استغلال الشباب الطالع من قبل رؤساء تحريرهم أسوأ استغلال، ينظرون إليهم ويتعاملون معهم وكأنهم عمالاً للتراحيل باليومية، وليس حتى بالدوام الجزئي، ويتم إجهاض تجاربهم الوليدة من خلال صحفيين أكبر منهم عمرًا، وهؤلاء الذين هبطوا على مقاعد المسئولية بمظلات شاهقة الارتفاع وواسطات أكل عليها الدهر وشرب.
في بعض الدول العربية ونحمد الله أننا لسنا من مذاهبها الصحفية ولا نوافق على مثل هذه الممارسات، يحاول الأكبر سنًا هضم حقوق من هم أصغر، يمنحون لأنفسهم الرواتب الخيالية ويوفرون للصغار الرواتب المذلة.
ذات يوم علمت بأن الانتهازيين من أصحاب المقاعد الوثيرة يضعون أسمائهم على موضوعات الشباب الذي اجتهد وأنجز وذاق الأمرين من أجل أن تطأ قدميه بلاط الصحيفة المرموقة.
ويحدث أكثر من ذلك، ما يجعلنا ننبه شبابنا الطالع بأخذ الحيطة والحذر، وألا يسمحوا لكائن من كان بأن يتطاول عليهم أو أن يستغلهم لحسابه الخاص، وألا يعتقدون بأن الفرص الذهبية لا تأتي إلا مرة واحدة في العمر، فالأرزاق بيد الله سبحانه، وأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.
في برامجنا الصحفية مواد لابد من تدريسها عن الأخلاق الحميدة، عن شرف المهنة وعن نقاء السريرة، عن تقاليد بلادنا وأمتنا والتي لا يصح النأي عنها أو تجاهل أعرافها.
الصحافة أمانة تمامًا مثلما هي الكلمة، والصحافة مسئولية تمامًا مثلما هي كذلك من أجل تشكيل صورة المجتمع الذهنية، وتمامًا مثلما هي الحاجة الملحة من أجل بناء مجتمع صحيح وصحي ونقي من الأمراض النفسية، والتجاوزات الإنسانية والترهات الدخيلة.
الصحافة علم وفن، وأصحابها لابد وأن يتحلوا بالصدق والعمق والبصر والبصيرة، لا ينبغي أن يتنازل من يمتهن هذه المهنة عن كرامته، ولا يجب أن تكون هذه المهنة وسيلة للتربح على حساب أخلاقيات المجتمع، ولا حتى لو جاءت بمال قارون لكي تمتلئ بها جيوب من يتجاوز ومن يتطاول على خلق الله.
نقول ذلك تأمينًا لقطاع يبذل من الجهد والتضحية ما ينبغي أن تقف مؤسسات الدولة بجواره، وأن يكون لمؤسسات المجتمع المدني نصيب وافر من مساندة هذه المنظومة التي لا تحظى بالرعاية المطلوبة، فلا تقاعد للصحافيين لو لم يوفرها لهم صاحب العمل بعد إفلاس صحيفته، ولا نهاية خدمة لهم لو تم إغلاق الصحيفة أو المجلة لسبب اقتصادي أو مهني أو خلافه.
تأمين الصحافيين ضد مخاطر المهنة أيضًا أمر واجب، وإصدار قانون سريع لحماية مصالحهم وتحسين معيشتهم وإعادة ترتيب أوضاعهم هو الذي سوف ينأى بهم عن ذئاب الأعمال غير الحرة، وعناكب استغلال الفرص، واستعباد النفس التي حرم الله عز وجل استعبادها.