أبية فريد.. حكايات أول مديرة تصوير في السينما

كتاب “أثر الفراشة” أبية فريد، كتاب جديد للكاتبة والناقدة عزة إبراهيم عن الراحلة أبية فريد، أو أبية فريد الزغبي كما تقول سجلات المعهد العالي للسينما؛ الأولى على دفعة 1971 قسم تصوير.

ربما لا يعرفها أحد  الآن، وربما اختفت  ذكراها وراء حجب الزمن، فهي لم تكن قد تجاوزت الرابعة والثلاثين من عمرها عندما اختارها الموت ليفجع بها أسرتها الصغيرة المكونة من زوج وولد، هو كل ما تركته للزوج المكلوم على زوجته وحبيبته.
لم يفج ْع خبر الموت أسرتَها فقط، ولكنه كان صدمةً للوسط السينمائي الذي عملَ ْت ً فيه مدة أحد عشر عاما منذ تخرجها 1971 الأولى على دفعتها على مدار سنوات دراستها في المعهد العالي للسينما بمرتبة الشرف الأولى، كما فجع طلبتها في المعهد؛ حيث عينَت معيدةً في قسم التصوير بالمعهد. قبس ّ من شهاب مر َ في سماء السينما المصرية، ليضع اسمه بحروف  من نور في تاريخ القوى الناعمة كأول امرأة مصرية تخطّط حياتها من البداية لتكون أول مصرية تعمل مديرا للتصوير في تاريخ السينما وعمرها المديد.

وعندما تنظر في سجل أفلامها تدرك للوهلة الأولى دور هذه السيدة التي استطاعت أن تصنع مع عدسات كاميراتها صورةً سينمائية مختلفةً ومتميِّزة، وأن ترسخ أقدامها بثبات في عالم سيطر عليه الرجال لسنوات طويلة منذ بداية السينما في العالم على يد الأخوين لوميير في فرنسا 1895م.

فرغم أن السينما الروائية المصرية قد قامت في البدايات على أيدي نساء من مصر مثل بهيجة حافظ وعزيزة أمير، إلا أن دور المرأة كان فقط في مجالات الإنتاج والإخراج وتأليف الموسيقى والأزياء، ولم يرتق ّ قط إلى دخول عالم التقنيات السينمائية، وأن تقف المرأة المصرية خلف الكاميرا لتدير التصوير بثقة وثبات وموهبة يحسدها عليها الرجال، الذين وثقوا في أبية فريد ومنحوها الفرصة تلو الفرصة، خاصةً بعد أن أثبتت جدارتَها ومهارتها خلال فترة عملها كمساعد  ثم مصور قبل أن تقف بمفردها مديرا لتصويرالعديد من الأفلام؛ مسلحة  العلم والموهبة والثقة بالنفس.

وتتمكن خلال سنوات معدودة أن تسجل اسمها في سجل الشرف، وأن تصنع صورة سينمائية تحمل توقيعها.
واليوم وبعد  40عاما على رحيلها عام   1982بعد رحلة سريعة مع الحياة والفن يكرمها مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط تقديرا لمكانها ومكانتها كأول امرأة مصرية تنافس الرجال وتضع للمرأة المصرية موطأ قدم في عالم التصوير السينمائي.

من أجل هذه التجربة الفريدة يكرمها المهرجان في دورة تحمل اسم النجم الكبير محمود حميدة، ويكرم خلالها نخبةً من صناع الضحك في تاريخ السينما المصرية؛ حيث نحتفل بمئوية الفنان والموسيقار منير مراد، ونصف قرن على رحيل المخرج فطين عبد الوهاب، أول من صنع كوميديا العائلة وجعل للفيلم الكوميدي دورا حضاريّا في تاريخ أمته من خلال مناقشة قضايا الأسرة في أفلامه مثل الآنسة حنفي، عائلة زيزي، مراتي مدير عام، الزوجة رقم،13 وغيرها من الأفلام المهمة في تاريخ السينما المصرية والعربية.

كما نحتفي ونحتفل بمرور نصف قرن على رحيل النجم إسماعيل ياسين أول وآخر ممثل  تحمل الأفلام  اسمه في عناوينها، كما يهدي المهرجان مجموعةً من الأوسمة إلى صناع السينما؛ منها وسام فارس الكوميديا لاسم الفنان سمير غانم وزوجته الفنانة دلال عبد العزيز.

كما نهدي وسام الفنان الشامل لابن الإسكندرية الفنان متعدِد المواهب سمير صبري. ويحتفي المهرجان بالمخرج الكبير محمد عبد العزيز أحد أهم مخرجي الكوميديا في السينما العربية بإهدائه وسام عروس البحر المتوسط؛ الذي يهدى للمرة الأولى لفنان مصري بعد أن حملَه من قبل المخرج التونسي رشيد فرشيو والفنان السوري الكبير دريد لحام.
ويكرم المهرجان النجمةَ الشابة المتألقة دنيا سمير غانم في عملية تلاحم ومزج بين جيل الرواد وجيل الشباب من صناع الكوميديا في مصر، كما يكرم المهرجان المخرج الكوميدي سعيد حامد، الذي قدم علامات بارزة فيما أُطلق عليه سينما الشباب، والتي اتخذت من الكوميديا ثوبًا لها في الربع قرن الأخير.

المهرجان يحتفي أيضا بمئوية المونتير سعيد الشيخ والموسيقار علي إسماعيل تقديرا لعطائهما الكبير في مجالات الموسيقى والمونتاج السينمائي.

كتب هذا المقال للدكتور الأمير أباظة، رئيس المهرجان السينمائي، في ذكرى رحيل أبية فريد، من كتاب أثر الفراشة للكاتبة والناقدة عزة إبراهيم.
وكان إهداء  إلى أستاذي سعيد شيمي الذي وضع بين يدي ْ جزءًا غاليًا من ذكرياته وتاريخه الشخصي، ووثق  في لأكتب عن أبية فريد؛ الإنسانة التي ستظل محفورةً في تاريخ التصوير السينمائي لتلهم الأجيال ليُعبروا بالضوء الطليق عن أحلامهم.